تراجعت الحكومة عن فرض بطاقة الوقود ضمن مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2015، كما استغنت أيضا عن فرض زيادات جديدة على قسيمة السيارات، وذلك تفاديا لأي ردود فعل شعبية غاضبة إزاء هذه الإجراءات “التقشفية” المتخذة من طرف حكومة سلال لمواجهة شح الموارد المالية التي تفاقمت بفعل تراجع أسعار البترول. في أقل من شهرين ينعقد مجلس الوزراء يوم 22 جويلية الجاري، للدراسة والموافقة على عدة نصوص قانونية، لاسيما منها قانون المالية التكميلي لسنة 2015. وكما أشارت إليه “الخبر” في أعدادها السابقة، فسيتم تمرير هذا القانون بواسطة أمر، كما جرت عليه العادة منذ تولي الرئيس بوتفليقة رئاسة الجمهورية، باستثناء مرتين أو ثلاث فقط، بين دورتي البرلمان الربيعية والخريفية.
وما يلفت الانتباه هو الاستغناء عما جاء في مشروعه التمهيدي الذي صادقت عليه الحكومة في بابه المتعلق بالإجراءين المتصلين بالسيارات. فقد تم الإبقاء على نفس الرسوم المتعلقة بقسيمة السيارات وإسقاط الزيادات التي وردت في المشروع الأولي في حدودها القصوى، أي 16 ألف دينار جزائري. وبالمقابل، تم رفع الرسم على السيارات الجديدة السياحية المتنقلة بالبنزين أو المازوت، ليكون الحد الأدنى لهذا الرسم في حدود ثمانين ألف دينار بدلا من سبعين ألف دينار، ويكون الحد الأقصى أربعمائة ألف دينار (40 مليون سنتيم). أما بالنسبة لسيارات نقل الأشخاص فتتراوح ما بين 20 مليون سنتيم و35 مليون سنتيم. وفيما يتعلق بالإجراء الثاني المتصل بالسيارات الذي عرف ببطاقة الوقود والذي من شأنه تحديد مقدار سقف استهلاك الوقود (المادة 61)، فقد تم الاستغناء عنه بالنظر لعدم قدرة الحكومة على تجسيده على أرض الواقع، واقتناعها بأن هذا الإجراء سيسبب لها صداعا هي في غنى عنه من جهة، وأن حلولا أخرى ستكون أكثر واقعية في المستقبل هي في مفكرتها من جهة أخرى.غير أن الحكومة فتحت بابا آخر في مشروع قانون المالية التكميلي المعروض في جدول مجلس الوزراء المقبل، قد يسبب لها صداعا آخر بإدراجها حكما يقضي بتأسيس رسم عقاري على الملكيات المبنية مهما كانت وضعيتها القانونية, ويتمثل هذا الصداع في وصف هذه الملكيات بأنها مبنية ومهما كانت وضعيتها القانونية, فهل البنايات الهشة تعتبر ملكية مبنية ؟ أم تحتاج إلى خبير لتأهيلها لتكون كذلك باعتماده على مواد للبناء دون أخرى من حجر أو صفائح أو خرسانة أو....؟ وهل هذه البنايات الموجودة في الأراضي التابعة للدولة أو التابعة للمؤسسات خاصة أو عمومية تخضع لهذا الرسم كذلك؟ كما فرضت الحكومة رسما على القمامة المنزلية لا يقل حده عن ألف دينار بالنسبة لشاغلي السكنات وحدا أقصى في حدود 13 مليون سنتيم بالنسبة للمحلات ذات الطابع الصناعي.
أما فيما يتعلق بسوق الشركات، فقد تم اعتماد ضريبة على أصحابها حسب النشاط الذي تقوم به، معتمدة على ثلاث نسب (19 و23 و26 بالمائة) من جهة، وخفض معدل الرسم على النشاط المهني من 2 إلى 1 بالمائة من جهة أخرى. كما تم رفع رسم التوطين بالنسبة للمستوردين من مبلغ 10 آلاف دينار إلى اعتماد نسبة 0,3 بالمائة من مبلغ عملية الاستيراد، على أن يقل هذا المبلغ عن 20 ألف دينار إذا كان مبلغ الفاتورة لا يسمح بتحصيل ما مقداره 200 ألف دينار. كما حدد قانون المالية التكميلي، في إجراء ذي صلة بالاستيراد، أجلا مدته 5 أيام لرفع الحقوق والرسوم على السلع المستوردة، وهو ما يعرف بالتصريحات الجمركية، وهو إجراء شجاع قد يحد من تراكم الحاويات، من ناحية، واستفادة الخزينة العمومية من مداخيل إضافية تصل إلى الضعف عند مصادرة هذه البضائع المستوردة، من ناحية أخرى.
كما أدرجت الحكومة في قانون المالية التكميلي أحكاما خاصة بتشريع العمل للحد من التهرب الجبائي الذي أصبح قاعدة في الجزائر. فبالنسبة للأجانب، فقد تم رفع الرسم المتعلق بفتح مكاتب الاتصال من 10 ملايين سنتيم، وكذا قيمة التعريف المفروضة على العمال الأجانب التي كانت في حدود 5 آلاف دينار، لترفع إلى مليون سنتيم. أما بالنسبة للعمال الجزائريين، فقد نصت أحكام قانون المالية التكميلي على تشديد العقوبات المتعلقة بعدم احترام السن القانونية للقبول في ميدان العمل، باستثناء عقود التمهين، وتتمثل العقوبة في غرامة قدرها مليون إلى مليوني سنتيم عن كل توظيف لقاصر، وتضاعف أيضا حسب عدد المخالفات وعدد العمال القصر، والشيء نفسه ينطبق عند المخالفات بتشغيل اليد العاملة الأجنبية التي ازدادت بشكل رهيب في الورشات المختلفة وفي مناطق عدة من الوطن، حيث يشتغل الأجانب في بعض الأحيان في منازل مسؤولي الدولة على أعلى مستوى.
كما تم تشديد العقوبات ضد المستخدمين الذين لم يقوموا بالتصريح بالعمال الذين يوظفونهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي، كما هو الحال في أغلب المؤسسات والشركات الخاصة، لاسيما منها شركات الحراسة التي تحظى برعاية خاصة من جهة نافذة في الدولة، وتتمثل العقوبة في حدود 10 ملايين إلى 20 مليون سنتيم عن كل عامل غير مصرح به، وبعقوبة الحبس أيضا، وتتضاعف الغرامة والحبس عند معاودة المخالفة.
وبتراجع حكومة سلال عن إدراج بطاقة الوقود التي أسالت الكثير من الحبر، تكون قد أدركت أن الحد من استهلاك الوقود في هذه المرحلة يكمن بالدرجة الأولى في مراقبة، بل مضاعفة مراقبة الحدود، لاسيما منها الغربية التي لجأت فيها عصابات التهريب إلى استعمال القنوات في خطوة متقدمة للتهريب، كما أدركت أيضا أن صيانة منشآت تكرير البترول والاستثمار في منشآت جديدة أفضل لها من هذه البطاقة التي كانت ستجلب لها صداعا قد يزيد من تأجيج الشارع في مظاهرات واضطرابات، كما هو الحال في غرداية على سبيل المثال وليس الحصر.