لم يعد الغطاسون ومحترفو الصيد البحري يستهدفون الأسماك فقط في رحلة الغطس، بل وجهوا اهتماماتهم نحو كنوز أخرى تخفيها مياه البحر على بضعة أمتار عن الشواطئ التي تتحول بانقضاء الصيف إلى مقصد لعشرات الغطاسين الباحثين عن الحُلي والمعادن التي تخلفها موجات الاصطياف الكثيفة. يخلف المصطافون الجزائريون كنوزا ثمينة وراءهم وهم يغادرون الشاطئ في نهاية موسم الاصطياف، وهي عبارة عن معادن وعملات وأغراض أخرى ذات قيمة، تنتشلها مياه البحر من أجساد المصطافين والسباحين خلسة، لتصبح فيما بعد هدفا للغطاسين المحترفين. وينتظر العشرات من محترفي الصيد بالغطس انقضاء موجات الحرارة وتراجع الحركة بالشواطئ، متلهفين إلى الأيام التي تعتدل فيها التيارات البحرية وتقل حركة الأمواج، حتى تكون المياه الساحلية صافية تسمح بمزاولة نشاط التنقيب عن مخلفات ثمينة تجعلهم يصرفون النظر عن تعقب الأسماك في أعالي البحار والتوجه نحو التقاط الأساور والأقراط والعقود والنقود. نشاط متعب لكنه مربح ففي الفترة الممتدة ما بين شهر سبتمبر وديسمبر تحديدا، كثيرا ما تلمح عشرات الصيادين يطفون فوق مياه شواطئ الرمال الذهبية وسيدي فرج والعقيد عباس ومتاريس وشنوة والقرن الذهبي وغيرها من المناطق الساحلية بشرق وغرب البلاد، حيث يصنع هؤلاء حركة غير عادية، تجعل الكثير من الفضوليين يتساءلون عن السبب. في جولة قادت “الخبر” إلى بعض هذه الشواطئ، شد انتباهنا غطاس ظل عائما على بعد أربعة أمتار فقط عن الشاطئ الاصطناعي للجميلة بعين بنيان، راقبناه طيلة ثلاث ساعات من الإبحار وحينما خرج توجهنا إليه، فلاحظنا أنه كان يرتدي بدلة الغطس لكن يداه كانتا خاليتين من خُطَاف الصيد أو أي حربة حادة، حينئذ أيقنا أنه كان في مهمة أخرى لا تستهدف الأسماك. وقبل أن نخوض معه في أسئلة أخرى، أخرج لنا حلقة معدنية تحمل “عنقودا” من شتى أنواع الخواتم الفضية أغلبها رجالية، فيما كانت الحلقة تحتوي على عقد ذهبي رقيق إضافة إلى قطعتين نقديتين من فئة 100 دج. ومن خلال الدردشة التي جمعتنا بالغطاس يوسف، اتضح لنا أن جولته البحرية مكنته من التقاط هذه المعادن بفضل دقة الملاحظة والتنقيب الجيد لطبقات الرمال، حيث قال لنا إن هذا النشاط ممتع ومتعب لكنه مربح جدا ولا يقدر عليه إلا الصيادون المحترفون. رافقنا الغطاس يوسف إلى إحدى الغرف البحرية، حيث كان زملاؤه يتوافدون على الغرفة عائدين من رحلات البحث في الشاطئ ذاته، وهم محملون بقطع متفاوتة القيمة والأوزان من المعادن الثمينة، وكانت مناسبة لتوسيع الحديث عن هذا النشاط. دقة الملاحظة شرط أساسي تحدثنا مع الغطاس “محمود”، فقال إن هذه المهمة لا يتقنها سوى العارفين بتقنيات الغطس والمتمتعين بطول النفس ودقة الملاحظة “فالكثير من الحلي التي تضيع من المصطافين تغطيها طبقات الرمال بسبب حركة الأرجل وحركة المد والجزر، وحينما تنخفض درجات الحرارة مع بداية شهر أكتوبر، ننطلق في البحث عن هذه المفقودات”. أما الغطاس شريف، فقال إن التقاط المعادن لا يتطلب تجهيزات تكنولوجية ولا أدوات متطورة، بل عبارة عن أسلاك معدنية تشبه شوكة المطبخ، يتم تحريك الرمال بها ابتداء من مسافة المترين إلى غاية ثلاثة أمتار عن الشاطئ، حيث تعلق العقود والخواتم في السلك. ويتم تكرار تلك المحاولات عبر عدة أمتار مربعة في حلقات دائرية بحذر شديد حتى لا يتم تعكير صفو مياه القاع، وهي عملية متعبة، لكنها في غالب الأحيان تنتهي بمفاجآت سارة بالنظر لقيمة الأشياء الملتقطة، بما في ذلك القطع النحاسية، وأيضا قطع الرصاص المستعمل في صنارة الصيد، حيث يجمع الغطاسون كميات كبيرة من قطع الرصاص، ويقومون ببيعها لمحلات التذويب لإعادة تحويلها في قوالب مخصصة لهذا الغرض مجددا. واتفق جميع من قابلناه في شاطئ الجميلة على أن الشواطئ الرملية الكبرى تغنيهم عن صيد الأسماك في هذه الفترة، لكن شريطة أن تكون فترات هدوء البحر طويلة، لأن صفاء المياه شرط أساسي لعمليات التنقيب والبحث، وهو نشاط يمتد عبر كامل الفصول باستثناء فصل الصيف. وكانت “الخبر” قد رافقت غطاسا محترفا من بواسماعيل إلى شاطئ القرن الذهبي بتيبازة، فقابلنا مجموعة أخرى من المحترفين الذين أجمعوا على أن المياه القريبة من الساحل تخفي دائما مفاجآت غير منتظرة، ففي بعض الأحيان يصادف هؤلاء قطعا نحاسية قديمة وحتى بعض الأواني الفخارية وبعض الأشكال الهندسية ذات القيمة المالية، بينما يجمع بعضهم بين مهمة البحث عن الأغراض الثمينة وبين نشاط الصيد في آن واحد.