قال المخرج التونسي، مختار لعجيمي، إن الرسائل المبطنة التي حملها فيلم “قصر الدهشة” هي ما جعلته، برأي النقاد، عبارة عن استعارة أو “ميتافور” لواقع الدكتاتوريات التي تعيشها الشعوب العربية، وهي رسائل غير مباشرة تترك للمشاهد حرية الإدراك والتأويل، ورأى أن الوضع المصغر “مستشفى”، يمكن سحبه على العائلة، المعمل، النظام، وهو صورة للاضطهاد، وللإنسان الباحث عن الكرامة والخبز بانتظار التحرر، كما اعتبر موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” والانترنت عموما، كانا لهما دور كبير في الثورة التونسية، وشكّلا شاهدا على حصولها وفي التأريخ لهذه المرحلة من التاريخ التونسي. “قصر الدهشة”: تكثيف للوقائع التي سبقت هروب الرئيس بن علي تحدّث لعجيمي عن ظروف كتابة سيناريو فيلمه “قصر الدهشة”، الذي قال عنه إنه أسرع سيناريو كتبه في مشواره، والذي لم يتجاوز السبعة أيام، “حتى أنني لا أفهم السبب في ذلك، وكنت قبل هذا العمل أستغرق مدة عام كامل في كتابته”، وأضاف المخرج ربما يبرر ذلك كثافة الأحداث التي عاشتها تونس خلال تلك الفترة، وينطوي الفيلم على الديكتاتورية الموجودة في كل تنظيم، داخل مستشفى للأمراض العقلية، أو يمكن أن ينسحب على العائلة، ظروف العمل داخل مصنع أو أي مكان هو قابل لأن يعكس حقيقة الأحداث التي جرت في ذلك الوقت، وهي موجودة في الفيلم، من خلال تفاصيل وقعت في الفترة الممتدة بين الثاني عشر والرابع من شهر جانفي سنة ألفين وإحدى عشر. وأوضح المخرج قائلا “آثرت بدوري العودة إلى الوثائق التي أرّخت لتلك الفترة، والتي تحول تطورا كرونولوجيا للأحداث، فوجدت أنها بدأت بتصعيد حاد في المظاهرات وانتشارها من العاصمة نحو مدن الجنوب وتبنيها من قبل سكان الأحياء الشعبية الفقيرة، وهو الوضع الذي دفع بالرئيس زين العابدين بن علي لتقديم تنازلات كثيرة، قبل أن تجبر الانتفاضة الشعبية الرئيس الذي حكم تونس بقبضة حديدية طيلة 23 سنة على مغادرة البلاد بشكل مفاجئ، وهي الأحداث التي تتواتر وفقا لمشاهد مختلفة داخل الفيلم، فتجمع بين جنون المسؤولين والجنون الشعبي. قال لعجيمي، “إن ما حصل خلال تلك الفترة استطاع أن يتسلل للشارع، ومن خلاله إلى داخل البيوت، فحتى لو كانت المشاهد يعبر عنها من خلال النوافذ المغلقة، إلا أنه ثمة شيء يمكنه أن يتسلل إلى الداخل”. وأضاف لعجيمي “أن تسارع الأحداث وكثافتها بهذا الشكل جعلني للمرة الأولى أكتب سيناريو في ظرف قصير، كما تركت فيه الكثير من هامش الحرية للكوميديا كي تؤدي دورا مقارنة بالأفلام الأخرى، كما تركت للشخصيات حرية ليغادروا إلى وجهتهم، وتركت المجال بذلك للمشاهد ليفهم ما يجري على طريقته الخاصة”. ويواصل لعجيمي شرحه لأحداث فيلمه “لم تكن غاية الفيلم هي إعطاء النصائح والدروس، بل هو عمل مفتوح على النقاش مع كل ما يتضمنه من (ميتافور) في المستشفى الذي نسميه “مركز رسكلة اجتماعي”. المستشفى مكان لتخلص النظام من سجناء الرأي المستشفى أو كما يسميه المخرج “مركز الرسكلة الاجتماعي”، وهو معنى يحاول أن يهذّب من خلاله بشاعة العمل الذي يتم داخله، يقول عنه “إنه المكان الذي يحوّل إليه كل الأشخاص الذين يريد النظام التخلص منهم، وهم سجناء الرأي الذين يتم تخديرهم، وهو المشهد الذي قال عنه المخرج “لم أرد أن أكثر من مشاهد تخدير للأشخاص”، وفي مقارنة بسيطة بين عمله “باب العرش” والعمل الحالي “قصر الدهشة” قال “الأول كانت فيه حرية، وهذا أيضا وهو ضد أي نوع من الديكتاتوريات السياسية، الاجتماعية وغيرها، وهو عمل متميز عن باقي الأفلام التونسية التي أنتجت بعد الثورة، ولم تمارس عليه أي ضغوط”، أما عن الشخصيات فهي، حسبه، تضم “الشخصيات التي عاشت زمن القمع وأدخلتها في هذا الإطار وتظهر في شخصية “حازم” وعلاقته بنضال النقابي، وفاطمة و”البكوشة” وكلها شخصيات كان لها أثر”. قال المخرج “إن مضمون الفيلم هو إحالة على الصدمات التي يتلقاها المرضى في المستشفى بعد أن يتم تخديرهم ووفقا للعبارة التونسية العامية “يدهشوهم ويحبرشوهم”، ولفت الانتباه إلى شخصية محورية لم تتحدث عنها الصحافة وتتعلق بحامل “الخبز” حيث قال “ثورة الياسمين تْعْمْلْتْ على الخبز لي معندوش باش يشري الخبز”، وهذه الجزئية جعلته يقول “ثورة تونس قامت بجولة حول العالم، لأنه لم يكن أحد يتوقع حصولها، وهذا ما جعلني أبتعد عن العمل الوثائقي وأركّز على فيلم روائي في قالب درامي”. ضرورة عمل مغاربي لخلق شبابيك موحدة أقر المخرج لعجيمي، أن السينما المغاربية الآن بحاجة إلى عمل مشترك بين الدول، كون إنتاج عمل الفردي مكلف ومتعب للغاية، وفي حال تم سيكون لذلك ميزة، حيث أنه سيوحّد شبابيك الصالات المغاربية، مع تجاوز صعوبة التمويل، كما يرى أن الاعتماد على التكنولوجيات الحديثة، سيكون له دور فعال في التقليص منها وطرح فكرة تخصيص قاعات صغيرة للسينما والتي سيكون لها لاحقا دور في التمييز بين المشاهدين للسينما والتلفزيون.