أجمع الخبراء المشاركون في الملتقى الدولي الأول حول ممارسة الرعاية الرياضية في عالم كرة القدم، المنظم بالمدرسة العليا للتجارة بالقليعة، على افتقاد البطولة الوطنية أبجديات الاحتراف في مجال التمويل، وغياب تام لثقافة الاتصال التسويقي لدى المؤسسات الوطنية الراعية للأندية الجزائرية في شتى أنواع الرياضات، وأوصى الخبراء الدوليون بضرورة إعادة النظر جذريا في طرق تسيير البطولة الوطنية بجميع درجاتها،والتكيف مع تبعات الصدمة المالية التي لن تسمح باستمرار الدعم العمومي، ما يستوجب البحث عن مصادر تمويل بعيدة عن تدخل الدولة، من خلال التخلي عن “صدقات” المؤسسات والتوجه نحو الاستثمار الذاتي. صرح مدير الملقى الدولي البروفيسور عيسى عنابي في كلمته الافتتاحية، بأن قطاع الرياضة وبالأخص كرة القدم يسير في بلادنا خارج الأطر العقلانية فيما يخص التمويل والرعاية المادية، ما يحتم ضرورة فتح الجامعة على المؤسسات المانحة، وإرشادها عمليا من أجل التحكم في الاحتراف الرياضي، باعتباره “صناعة رياضية واستثمارا قائما بذاته، من خلال مرافقة النوادي في التخلص من التبعية للحكومات وفقا لاستراتيجية تطوير مجالات البحث عن مصادر تمويل مستقل. ورسم المتدخلون صورة سوداء عن البطولة الوطنية “المحترفة”، ودق الخبراء الجزائريون، سواء المحليون أو المنتسبون لجامعات عالمية، “ناقوس الخطر من بقاء الوضع على حاله”، حيث قال الدكتور ناصر قاسمي من جامعة بورقون الفرنسية “إن تجربة ممارسة التمويل الخاص والمؤسساتي للأندية الوطنية حديثة جدا، وهي تفتقد تماما لثقافة المردودية الاقتصادية المندمجة مع مبدأ المواطنة، وهي بحاجة إلى تكييف مع القواعد الثابتة المعمول بها عالميا”. من جهته، ذهب الدكتور يوسف فاتيس من جامعة باريس الغربية “نانتير للدفاع”، لتشريح عميق للمشاكل التي تواجهها البطولة الجزائرية لكرة القدم، فيما يتعلق بفوضى الحصول على الرعاية المالية وتسيير عائدات هذه الرعاية، وقال إن تجربة الاحتراف المعتمدة مؤخرا “فاشلة بامتياز”، مستدلا في حديثه ببقاء الأندية الناشطة في البطولتين الأولى والثانية وحتى الأندية الجهوية والهاوية “قائمة على دعم عمومي بنسبة 80%”، وقال إن “إجمالي الكتلة المالية المتداولة في قطاع الكرة غير مقيد بدفاتر شروط”، كما أن مجال الاحتراف كشعار غير مُسير وفقا “لقواعد علمية وعقلانية”، فيما لم تسارع الجهات الرسمية إلى ضبط “وقفة حقيقية من أجل تقييم الحصيلة وتغيير السياسة الكروية، تماشيا مع المؤهلات العظيمة التي ستمكن القطاع من تحقيق احتراف حقيقي”. وبالرجوع إلى تاريخ كرة القدم الجزائرية، ذكر الدكتور فاتيس أن تاريخ التمويل الرياضي مر ب3 مراحل: ففي الحقبة الاستعمارية كانت الرعاية المادية مقتصرة فقط على الأندية الجزائرية الأوروبية، وبدرجة أقل على الأندية الفرانكو عربية، فيما كانت الأندية الإسلامية العريقة مقصاة من أي تدخل أو دعم من السلطات الاستعمارية، ورغم ذلك كانت تلك الأندية حاضرة بانتظام في الحياة الرياضية بفضل مصادر التمويل الشعبي، كعائدات المهرجانات والدورات والتظاهرات الرياضية الجماهيرية، إضافة إلى مساهمات بعض المانحين الخواص. وبإمكان الأندية الجزائرية، وفقا لتأكيدات الباحث ذاته، الصمود مستقبلا في وجه ارتدادات الأزمة الاقتصادية التي ستقلص أو توقف الدعم الحكومي للبطولة المحلية، بشرط إجراء عملية إصلاح حقيقي لسياسة الاحتراف، والبحث عن مصادر بديلة وذاتية، وإن كانت بسيطة، لكنها ستعزز من ثقافة الرعاية المربحة. ولا يمكن الحديث عن قطاع رياضي محترف حسب محمد مشرارة، الخبير المحاسب والرئيس السابق للرابطة الجزائرية لكرة القدم، دون إعادة النظر في العلاقة بين المؤسسات الراعية للأندية وطريقة تسيير وتوظيف المساعدات المالية، كما قال إن الدعم العمومي للقطاع مكلف جدا، ففي جميع النوادي الجزائرية، البالغ عددها 1500، يتقاضى اللاعبون رواتب وعلى جميع الدرجات، مع وجود حوالي 6000 تشكيلة للفئات الأربع الكبرى، ما يُنتج 20 ألف مقابلة سنويا، وهي مادة خام تؤكد أن الكرة ذات أهمية كبيرة إذا تم تصحيح الاتجاه السيئ الذي سار عليه الاحتراف، حيث لا يوجد أي ناد جزائري يستجيب لشروط الممارسة فيما يتعلق بكشف الحسابات السنوية. وقد أقر الجميع بوجود علاقة عالية بين الرعاية الرياضية، كأحد أساليب وتقنيات التسويق الرياضي، والمستوى التنظيمي والهيكلي للمنشآت الرياضية. فالرياضة، حسب الدكتور سيد أحمد حاج عيسى، واحدة من أهم المجالات الاستثمارية المثمرة، فإلى جانب كونها هواية فهي ذات صلة وثيقة بالقطاع الاقتصادي، لكونها تشارك في الدورة الاقتصادية، سواء كمنتج أو كشريك في الإنتاج أو كقيمة مضافة، ويمكنها أن تكون مصدر دخل هائل، وهذا ما أدركته الدول الصناعية الكبرى فأصبحت تتعامل مع الرياضة كصناعة حقيقية تُستثمر فيها رؤوس أموال ضخمة، بل إنها ترى أن الرياضة إذا لم ترتبط بالاستثمار فإن ذلك سيؤدي إلى زوالها. هذا الأمر انعكس بصورة إيجابية على أوضاع الرياضة في هذه البلدان، وسمح بتطور مؤسساتها الرياضية وأداء أنديتها وتفوقها، وهو ما يمكن تجسيده محليا من خلال اعتماد إصلاح حقيقي للمنظومة الرياضة الوطنية.