يرى شريف رزقي، المدير العام ل”الخبر”، أن الاتهامات التي تثار حول تبعية الجريدة لجهة في السلطة كاذبة ولا أساس لها، ويرد في هذا “الحوار” بالتفصيل على المضايقات التي كانت تتعرض لها من الدياراس ومن غيرها. ويشرح أسباب لجوء “الخبر” إلى تحويل جزء من أسهمها إلى شركة “ناس برود”. سعداني تهجم على “الخبر” وقال إن الجنرال توفيق وراء صفقة بيع أسهمها لأسباب سياسية. ما رأيك في ما قاله؟ هذا الكلام ليس له أي وجه من الصحة. هو مجرد هذيان. “الخبر” لم تكن يوما متحالفة مع “الدياراس”، بل إنها كانت أول ضحاياهم. نحن منعنا من الإشهار العمومي والمؤسساتي منذ سنة 1998 إلى اليوم. لو كنا مقربين من توفيق لتدخل لإنصافنا ومنع الظلم عنا. لكنه لم يفعل ولم نطلب منه ذلك، لأننا حريصون على استقلاليتنا ونزاهتنا، ومن أجلهما عملنا على التكيف مع هذه الظروف، وأوجدنا للجريدة طريقها الخاص في الحفاظ على خطها التحريري المستقل وضمان توازنها المالي، ويحق لنا أن نفخر اليوم بهذا الإنجاز الذي حققناه. بالمقابل يحق لنا أن نتساءل من كان المقرب من الدياراس؟ سعداني ومن سار في فلكه أم “الخبر” التي اشتغلت بشرف ولم تطأطئ يوما رأسها من أجل الإشهار ! هناك مثل قبائلي يقول: “ننكسر ولا ننحني”، ونحن لم ننكسر يوما لأننا كنا أصحاب حق وكلمة حق وأصحاب رسالة، كنا من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولم نتجاوز حدودنا حتى مع خصومنا. كلام سعداني لا ينطلي على أحد، فهو من الذين يحترفون ممارسة الكذب والتدليس، والقنوات التي تروج لأكاذيبه معروفة توجهاتها التي لو عاد “غوبلز” (وزير الدعاية في النظام النازي) لتعلم منها. وحتى يكون كلامنا واضحا، نقول إننا نعتبر أن توفيق من أسباب فشل هذا النظام. لا يتحمل وحده المسؤولية طبعا، كما يريد بعض من في النظام إقناعنا بذلك، فالكل مسؤول عما وصلنا إليه اليوم، بعد أن أصبحت بلادنا تتوقع الإفلاس. لكن هجوم سعداني على “الخبر” ليس وليد اليوم.. لماذا برأيك يفعل ذلك؟ لأن “الخبر” تقلقه وهم يريدون أن يمرروا كل شيء في صمت، ويرفضون أن يقول لهم أحد لا. كل مشاريعهم تفضحها “الخبر” وتخرجها للرأي العام. لو أرادت “الخبر” أن تكون جريدة للتطبيل والتزمير لفتحت كل الأبواب أمامها. بالعكس نحن سعداء اليوم لأن سعداني يتهجم علينا، وصدقني كنا سنحزن لو شكرنا. هل لسعداني مشكل شخصي معك سيد شريف رزقي؟ عندما كنت مديرا للإعلام في المجلس الشعبي الوطني، تسرب ضد سعداني الذي كان نائبا لرئيس المجلس، ملف عن فضائحه جاء من وادي سوف، ويحكي المناكر التي قام بها في هذه الولاية. هو يعتقد أنني أنا من سربه، ويجهل أن النواب أحرار ولهم الحصانة التي تمكنهم من ذلك. لذلك هو يهاجمني شخصيا. لكن بغض النظر عن ذلك، أنا لا أعتبره أهلا لتولي المسؤولية، فمستواه ضعيف جدا ومن غير المعقول أن يكون على رأس حزب كبير مثل الأفالان الذي حرر البلاد. لكن هيهات أن يتساوى الأفالان التاريخي وأفالان اليوم الذي دخله البزناسية وأبناء الحركى والانتهازيون. بالعودة إلى الدياراس. ما هي المضايقات التي كانت “الخبر” تتعرض لها من هذا الجهاز؟ العقيد فوزي الذي كان المسؤول عن قطاع الاتصال في الدياراس، كان يعتبر “الخبر” جريدة عدوة، ويقول: مهمتي غلق “الخبر”. كانوا يضغطون علينا بأساليبهم غير المباشرة، بحرماننا من الإشهار، لكنهم لم يستطيعوا القضاء علينا، لأننا استطعنا أن نجد البديل في الإشهار الخاص ونحقق استقلاليتنا في الطبع. وعلى ذكر المطبعة، أتذكر جيدا كيف أننا عانينا لإدخال المطبعة التي ظلت سنة 1999 ماكثة في الميناء لمدة 6 أشهر، ولم يسمح لنا بإدخالها إلا بعد تدخل الألمان الذين استوردناها منهم، بسبب الضمانات التي كانت موجودة في عقد الشراء. أُذكر من ذاكرتهم قصيرة في الإعلام أن “الخبر” كانت من أوائل الصحف التي تجرأت على انتقاد الجنرال توفيق، لما كان البعض يرتعد من ذكر اسمه. هذا تاريخ ولا يمكن طمسه أو التدليس عليه، وتاريخنا لحسن الحظ موجود كله في الأرشيف، عكس من يتهمنا اليوم بالموالاة للدياراس، وهم كانوا صنيعته في الأساس. هل يعني ذلك أنكم لم تستفيدوا من أية معاملة تفضيلية من أي جهة في السلطة منذ تأسيس الجريدة؟ أبدا وكيف يكون ذلك، وقد اعتقلت قوات الأمن 8 صحفيين من “الخبر” في جانفي 1992 بعد إلغاء المسار الانتخابي. أتذكر جيدا كيف أن الزميل المرحوم زايدي سقية، حرم منذ ذلك اليوم من الحصول على جواز سفر وبقي كذلك حتى وافته المنية. أنا أيضا دخلت السجن بعد اغتيال الرئيس بوضياف، كان ذلك في 4 جويلية 1992. وأتذكر أن عمر أورتيلان لحق بي بعد يوم إلى السجن، وكان العربي بلخير وقتها وراء سجننا. أعود وأقول لو كنا مقربين من “الدياراس”، هل كانوا سيسمحون باعتقالنا فقط لأننا تجرأنا وكتبنا؟ وماذا عن الجانب المالي؟ “الخبر” حتى يعلم قراؤها الأوفياء والجزائريون عموما، تعرضت ل3 تصحيحات ضريبية، كانت تصلها في كل مرة قبل الانتخابات الرئاسية. هذه “التصحيحات” الوهمية كلفت الجريدة حوالي 50 مليار سنتيم، اضطررنا لدفعها ظلما وعدوانا، فلماذا لم يتدخل الدياراس الذي كان في أوج قوته ليزيل عنا هذا الظلم. هذا مسار “الخبر”. لقد كنا دائما تحت مطرقة السلطة التي ضيقت علينا بكل الوسائل، وعندما أقول السلطة فإني أقصد الرئاسة والحكومة والدياراس، فكلهم كانوا ضد “الخبر”، لكن “الخبر” بقيت شامخة وستبقى صرحا إعلاميا، بفضل تضحيات صحفييها وعمالها، وبفضل إيمانها الراسخ بنبل رسالتها. تثار تساؤلات لدى الرأي العام عن الأسباب الحقيقية التي دفعتكم لإحالة أسهم لشركة ناس برود ؟ تاريخ الجريدة مع ضغوطات السلطة قديم. لكن منذ سنة 2014، بدأنا نتعرض لشكل آخر من الضغوط، يقوده وزيران في الحكومة، حميد ڤرين وعبد السلام بوشوارب، فقد قام هذان الوزيران بتهديد المعلنين الخواص لكي يمنعوا الإشهار الخاص عن “الخبر”. وهناك كثير من المعلنين استجابوا لهذه الدعوة خوفا من التصحيحات الضريبية التي قد تلحق بهم. صحيح أن “الخبر” تحقق فوائد منذ 92 إلى اليوم، ولكن قرارنا إنشاء قناة تلفزيونية قبل سنتين، زاد من الضغط المالي على المجمع، وتزامن ذلك مع تراجع الإشهار الخاص، والقناة بما تتطلبه من إمكانيات مالية ضخمة لا تزال غير قادرة على تغطية مصاريفها بالإشهار الخاص بها. هذه الظروف وضعتنا أمام خيارات كان علينا المفاضلة بينها. نحن لم نرد غلق القناة ولم نرد أيضا أن يغلق “الخبر” الرياضي الذي يحقق خسائر هو الآخر، وعلى هذا الأساس ارتأينا كجريدة كبيرة أن نتحالف مع مجمع صناعي كبير أيضا، حتى نكمل مسيرة الجريدة ومعها القناة ونحفظ استقلاليتنا. ألا تخشون من تأثر الخط التحريري للجريدة بدخول رجل أعمال فيه؟ السيد إسعد ربراب قدم لنا التزاما بالمحافظة على الخط التحريري للجريدة المستقل، كما تعهد لنا بالحفاظ على مناصب الشغل، وهو رجل معروف عنه أنه صاحب كلمة ومتشبع بروح الديمقراطية. “الخبر” من خلال هذه الصفقة ستحقق نقلة نوعية وستحصن نفسها من تحرشات ڤرين، وأساليبه المافيوية في توجيه الإشهار الخاص، وهو ما كنا قد فضحناه في حينه، وانتهى الوزير بتأكيده اليوم. أؤكد لقرائنا أنه لا خوف على استقلالية الجريدة، ويمكنهم أن يلاحظوا أن الجريدة لم تتغير بعد هذه الصفقة، وهي لا تزال وفية لما كانت عليه من قبل. هل تعتبرون أنفسكم معنيين بالحملة التي تقودها بعض القنوات ضد رجل الأعمال ربراب؟ نحن لم ننخرط في حملة مضادة ردا على هذه القنوات، لأن ذلك ليس من أخلاقنا، لكن هذا لا يمنعنا من الدفاع عن ربراب إن كان مظلوما، مثله مثل كل الجزائريين، فقد كانت “الخبر” في كل عهدها إلى جانب المظلومين واقفة ضد الطغيان والاستبداد. البعض يتهم “الخبر” بأنها تحولت إلى صحيفة معارضة. ما ردكم؟ “الخبر” ليست جريدة معارضة أو موالاة، هي جريدة تفضل المعلومة وتقدم التحليل الموضوعي المبني على حقائق وتقف مع المهمشين. لاحظ جيدا أن الوزير عندما يكون في السلطة، تتاح أمامه كل وسائل الإعلام العمومية والخاصة الموالية للسلطة، لكنه عندما يغادر منصبه، لا يجد إلا “الخبر” ليعبر فيها عن رأيه. هذه قوة “الخبر” مفتوحة على الجميع من دون عقدة أو مزايدة أو تحامل، وفق ما تقتضيه أخلاقيات المهنة. لا يمكن اتهامنا بأننا من المعارضة، لأننا تفاعلنا مع فتح الرئيس بوتفليقة للعهدات الدستورية في 2008، وأعطينا المجال لمن كان ضد هذا الإجراء، ولا يمكن أن يلومونا لأننا أعطينا الكلمة للرافضين للعهدة الرابعة. لو تسألني عن رأيي الشخصي، أقول إني لم أكن راضيا عن ترشح رئيس مريض لا يقوى حتى على تنشيط حملته الانتخابية، لكن ذلك لم يدفعني أبدا إلى تغليب رؤيتي، وقمنا كجريدة بتغطية حملة بوتفليقة كباقي المترشحين. هناك من يتهم “الخبر” بأنها تحالفت مع العسكر بعد 92.. ومشت في خط الاستئصاليين؟ نحن كنا ضد الإرهاب ووقفنا مع الجزائر في معركتها ضده. لكن ذلك لم يمنعنا من إتاحة أعمدة الجريدة للجميع، بمن في ذلك زعماء الفيس أنفسهم. وقد قمت شخصيا بإجراء حوار مع رابح كبير القيادي في الفيس في مدينة بون الألمانية سنة 1995. كيف بربك نجري حوارا مع شخصية بهذا الحجم وفي ذلك التوقيت، ونتهم بأننا مع العسكر؟ أما القول بأننا كنا استئصاليين فلا يصح أيضا، لأنها تهمة جاءت من إسلاميين متطرفين يرفضون بالكلية حرية التعبير. نحن كنا ولا نزال وسطيين، نحن معربون من دون عقدة، أمازيغ ومسلمون من دون مزايدة، ووطنيون لا ننتظر من أحد إعطاءنا بطاقة الوطنية. “الخبر” ساهمت في تكوين حس وطني وانفتاح سياسي وعملت على ترقية المواطنة خلال سنوات عملها وستبقى كذلك.