تبدو كبرى الحركات الإسلامية في الجزائر “منغمسة” للآخر، في التحضير للانتخابات التشريعية المنتظرة بعد أقل من عام، على الرغم من أن خطابها المعلن يشكك كليا في نزاهة هذا الاستحقاق الذي لن تخرج نتائجه عن سابقيه، وهو تناقض قد يصب في الأخير في صالح النظام الذي لا يهمه من الانتخابات سوى المشاركة القوية لتزيين الديكور الديمقراطي. تتبنى الحركات الإسلامية في هجومها على قانون الانتخابات الجديد، منطق “يتمنعن وهنّ راغبات”، فهي تنتقد بشدة هذا القانون وتعتبره تراجعا كبيرا عن المكاسب الديمقراطية، لكنها في الوقت ذاته تحضّر نفسها بقوة لدخول الاستحقاق وتمضي بجد لضبط كل قوائمها قبل نهاية السنة الجارية. ويفضي هذا المنطق عند تتبع مآلاته إلى أن الإسلاميين يحضّرون أنفسهم للعب دور “كومبارس” انتخابي، فهم لن يحصدوا كالعادة إلا الفتات، لكنهم سيملأون الحملة الانتخابية “ضجيجا” بما يرسم صورة مزيفة في النهاية عن حال الديمقراطية في البلاد، وستتكرر حينها أسطوانة “الشكوى” من التزوير دون أن تقدم أو تؤخر في واقع هيمنة أحزاب السلطة على المؤسسة التشريعية شيئا. التدخلات التي طبعت الدورة الأخيرة لمجلس شورى حمس، بينت، حسب ما قال أعضاء قياديون فيها، أن خيار المقاطعة ليس واردا على الإطلاق في تفكير الحركة، حتى ولو كان على سبيل الأصوات الشاذة، فالكل مجمع على ضرورة المشاركة، ولم يبق سوى الاتفاق على الترتيبات الإجرائية من قبيل الاستمرار في التكتل الأخضر أو البحث عن تحالف جديد أو دخول الانتخابات بقوائمها الخاصة. هذا “الإجماع” كان يمكن أن يكون متفهما لو استمرت حمس في منطقها القديم قبل الخروج تماما إلى المعارضة، لكنه في نسختها الجديدة وبعد تجربة مقاطعة الرئاسيات، قد يكون دليلا على أن الحركة وصلت إلى حدودها القصوى في المعارضة، ولا يمكنها “التمرد” أكثر على فلسفتها المبنية على فكرة “التغيير من الداخل”، مع الفارق في أن هذا “الداخل” يمتاز بالمرونة وقد يتغير من “التموقع في السلطة والحكومة” إلى الاقتصار فقط على تسجيل الحضور في “مؤسسات النظام” كالبرلمان.
وبالقياس على حمس التي تمثل بوصلة للكثير من الأحزاب الإسلامية الأخرى، فإن اتجاه المشاركة هو الغالب أيضا في حركات مثل النهضة والإصلاح والبناء الوطني وجبهة التغيير. هذه الأخيرة يعطي رئيسها، عبد المجيد مناصرة، أساسا لمنطق المشاركة بعيدا عن “الانتهازية السياسية” التي يصور بها البعض الإسلاميين، فيقول في مقابلة أخيرة مع “الخبر” إن “التجربة السابقة تظهر أن الذين قاطعوا الانتخابات لم يضروا السلطة أبدا، ولم يحدث أن سقط نظام بالمقاطعة. أما الذين شاركوا فعلى الأقل لديهم صوت يرتفع”. ويخلص إلى أن “المزيد من المقاطعات والانسحابات تفيد السلطة أكثر مما تضعفها”. لم يبق، إذن، بالنسبة لهذه الأحزاب التي ستخوض غمار التشريعيات لا محالة، سوى الاتفاق على الصيغ المناسبة للمشاركة، خاصة أن القانون الجديد يفرض عليها الدخول في تكتلات لجمع التوقيعات اللازمة من أجل اعتماد ترشيح القوائم، لأن أغلبها لا يحوز نسبة 4 بالمائة في تشريعيات 2012 الواجبة على كل حزب حتى يترشح بمفرده. ويتوقع من جانب آخر، أن تكون هذه التحالفات، سببا في تفجير خلافات بين الأحزاب الإسلامية، بالنظر إلى عدم الحماس الذي تبديه حمس في تكرار تجربة التكتل الأخضر مع النهضة والإصلاح، بدليل تأجيلها تقييم هذه التجربة التي كان مقررا أن تناقش في مجلس الشورى المنصرم إلى دورة لاحقة. كما يأتي ذلك في ظل عدم إثمار محاولات الوحدة بين حمس وجبهة التغيير رغم مرور سنوات طويلة من الحديث عنها، حتى أن مناصرة اتهم صراحة حزبه السابق، بإفشال هذا المسعى، بينما يبدي عبد الرزاق مقري، رئيس حمس، انزعاجه من الخوض في هذا الموضوع في وسائل الإعلام. الحزب الآخر الذي لم يفصح عن موقفه بعد من التشريعيات، هو جبهة العدالة والتنمية، وقد يحدث المفاجأة بمعاكسته باقي الإسلاميين، خاصة أن زعيمه، عبد الله جاب الله، كان قد أطلق تصريحا مثيرا للجدل عندما دعا الأحزاب لحرق أوراق اعتمادها على خلفية قانون الانتخابات الجديد الذي اعتبره مجحفا، كما أن هذا الحزب شكل سابقة بمقاطعة الانتخابات المحلية في 2012. لكن ملاحظين بالمقابل، يقللون من إمكانية ذهاب جاب الله وحزبه بعيدا إلى درجة مقاطعة التشريعيات المقبلة، فنواب “العدالة والتنمية” كانوا مبرمجين خلال مناقشة قانون الانتخابات في البرلمان، على المشاركة، بدليل تنسيقهم مع جبهة التحرير الوطني، “خصمهم السياسي اللدود” في أحزاب الموالاة، لإزالة بعض عوائق الترشح التي حملتها مواد هذا القانون.
وبغض النظر عن مبررات كل حزب في قراره، فإن مخاطر المشاركة في التشريعيات دون اللجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات التي كانت المطلب السياسي الأبرز في الفترة الأخيرة، يضع المعارضة عموما، والإسلاميين الذين يشكلون الفصيل الأبرز فيها، في مأزق، لأن ذلك يعطي صورة للنظام على أن هذه الأحزاب مهما علا سقف مطالبها فإنها سترضخ في النهاية أمام الأمر الواقع. والأخطر من ذلك أنه ينزع المصداقية عنها أمام الرأي العام الوطني، خاصة أن التشريعيات تشكل في كل مرة محطة يبرز فيها الجزائريون نقمتهم على النظام، بالتباري في تسجيل نسب العزوف عن انتخابات لأختها.