يذكر سفير فرنسابالجزائر، كزافييه دريانكور، في هذا الحوار مع "الخبر"، أن أي شيء تفعله السلطات الفرنسية لمصلحة الحركى يندرج في إطار "الذاكرة الفرانكو فرنسية"، ووصف ذلك بأنه "من سيادة فرنسا حصريا". ويفهم من هذا أن الجزائريين لا ينبغي أن ينظروا بحساسية لتكريم الحركى. وقد تزامن كلام السفير عن الجزائريين المتعاونين مع الاستعمار مع صدور مرسوم رئاسي يرفع مجموعة منهم إلى درجة جوقة الشرف برتبة فارس، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية. وأكد دريانكور بهذا الخصوص أن الرئيس إيمانويل ماكرون طلب من الحكومة الجزائرية، خلال زيارته في ديسمبر الماضي، تمكين الحركى وأبنائهم من زيارة الجزائر. وتناولت ردود السفير على الأسئلة اعترافات الرئيس إيمانويل ماكرون بقتل وتعذيب المناضل الفرنسي موريس أودان، فهو يرى أنه "اعتراف لا يقصي أحدا" وأنه يتجاوز حادثة مقتل أودان إلى كل الأشخاص الذين كانوا ضحايا "نظام قانوني استخدم التعذيب". وعلى عكس السفير، وجد متتبعون أن ماكرون خص باعترافه رعية فرنسيا وأنه أقصى منه آلاف الضحايا الجزائريين ممن لقوا نفس مصير أودان. وفي نظر دريانكور "لاشيء كان يجبر ماكرون" على هذا الاعتراف، على أساس أنه صدر خارج أي مناسبة فرانكو- جزائرية، وأن ما بدر عن الرئيس يعكس "إرادة وحيدة وهي أن تكون فرنسا متصالحة مع تاريخها". ويدعو السفير إلى "التوجه إلى المستقبل رغم الماضي الأليم الذي يجمعنا". والمستقبل، بالنسبة إليه، هو فرص التكوين لصالح الشباب والشغل وتحديات المناخ والأزمة الاقتصادية.
اعترف الرئيس الفرنسي بمسؤولية فرنسا عن مقتل أستاذ الرياضيات الشيوعي موريس أودان. ما هي معاني هذه الخطوة التي أشاد بها البعض وانتقدها آخرون؟ أصدر الرئيس ماكرون، الخميس 13 سبتمبر، تصريحا يحمل معاني تاريخية. لقد خطا خطوة إضافية لأجل مصالحة الذاكرتين، عندما اعترف باسم الجمهورية الفرنسية بأن أستاذ الرياضيات الشاب الشيوعي موريس أودان، الذي اعتقل في بيته يوم 11 جوان 1957، تعرض للتعذيب ثم أعدم أو أنه خضع للتعذيب حتى الموت على أيدي العسكر الفرنسيين. ما أود لفت الانتباه له أولا أنه لا شيء كان يجبر الرئيس ماكرون على هذا التصريح يوم 13 سبتمبر، خارج الطلب الذي عبرت عنه عائلة أودان منذ 61 سنة وعن طريق أرملته. رئيس الجمهورية لم يصدر هذا التصريح بمناسبة حدث فرانكو- جزائري معين. يمكن القول إنه تصرف "مجاني"، تحدوه في ذلك إرادة وحيدة وهي أن تكون فرنسا متصالحة مع تاريخها. أذكركم، بهذا الخصوص، بكلماته القوية والواضحة: "على الجمهورية الفرنسية أن تكون نبراساً يهتدى به، لأنه بفضل الحقيقة وحدها يمكن إحداث مصالحة، ولا حرية ولا عدالة ولا أخوة من دون ممارسة الحقيقة". ينبغي أن تتوفر الشجاعة، في نظري، لمواجهة الحقيقة. لهذا التصريح دلالة معتبرة. أولا لأن الرئيس ماكرون اعترف باستخدام التعذيب في إطار نظام قانوني جرت إقامته بفضل ما سمي السلطات الخاصة، وهي سلطات الشرطة التي منحتها السلطة المدنية لفائدة الجيش. وثانيا لأن رئيس الجمهورية يعترف بفشل حكومات تلك الفترة في تحمل مسؤولياتها بخصوص حماية حقوق الإنسان، ما عرض حياة رجال ونساء ممن اعتقلتهم قوات الأمن للخطر. وأخيرا، لأن الرئيس ماكرون أطلق ديناميكية جديدة على صعيد البحث عن الحقيقة. لقد شجع العمل التاريخي بشأن كل المفقودين أثناء حرب الجزائر، فرنسيين وجزائريين، مدنيين وعسكريين، معلنا بذلك عن استثناء عام سيتيح الاطلاع على كل أرشيف الدولة المتعلق بهذه القضية. فضلا عن ذلك، ناشد كل من يملك وثائق وشهادات أن يقدمها إلى الأرشيف الوطني لتسهيل عمل المؤرخين.
عمليا، ماذا تنتظر الحكومة الفرنسية من الجزائريين مقابل هذه الخطوة المرتبطة بقضية الذاكرة؟ الأمر يتعلق بمرحلة هامة في مصالحة الذاكرتين المرتبطتين بحرب الجزائر. علينا أن نواصل مع الجزائر عملنا حول قضايا الذاكرة. وقد بدأ الحوار حول مختلف المواضيع، منها المفقودون وبقايا المقاومين الجزائريين المحفوظة بمتحف الإنسان بباريس. بدأنا أيضا إجراء حوار حول الأرشيف وتعويض ضحايا التجارب النووية، وهما موضوعان محل دراسة من طرف أفواج عمل ثنائية متخصصة. إنها مواضيع حساسة ومحل حوار معمق، وعلينا أن نمنح الوقت الكافي للخبراء، من البلدين، وأن نتركهم يشتغلون في هدوء. ومن الضروري أن نجري هذا الحوار على النحو اللائق، حرصا على الحقيقة وبث السكينة في النفوس. ولكن هذا الحوار يجب أن يسمح لنا بالتعاطي بفعالية مع القضايا التي تشغلنا حاضرا ومستقبلا. ففرنساوالجزائر قوتان في حوض المتوسط، وينبغي عليهما التشاور والتنسيق في عدد من الملفات الاستراتيجية خدمة للاستقرار الإقليمي، وهذا ما نفعله. ينبغي علينا أيضا التوجه إلى المستقبل وأن نرفع سويا التحديات الاقتصادية والمناخية المطروحة أمام شعبينا وبخاصة شبابنا. قضايا التكوين والشغل والتنقل، هي انشغالات مركزية في بلدينا. وشراكتنا يجب أن تتصف بالديناميكية والتجديد لنتمكن من مواجهة كامل التحديات. وعلى هذا الأساس، نضع الشباب في قلب التعاون فيما بيننا، الذي يهدف إلى تعزيز الإدماج المهني للشباب في سوق العمل. وقد أثمر تعاوننا في هذا المجال نتائج ممتازة.
أحزاب سياسية وباحثون في التاريخ اعتبروا مبادرة ماكرون "اعترافا غير كاف"، على أساس أنه يقصي آلاف الجزائريين الذين عرفوا نفس مصير المناضل الفرنسي. ما هو رأيكم ؟ على عكس هذا الاعتقاد، أظن أن هذا الاعتراف يتجاوز حادثة موت موريس أودان وهو لا يقصي أحدا. فأودان هو بطل حرب التحرير الجزائرية، وقد سميت ساحة باسمه وسط الجزائر العاصمة، وهو شيء ليس بسيطا. زيادة على ذلك، ومن خلال حالة موريس أودان، اعترف رئيس الجمهورية بأن التصرفات التي تمت في إطار نظام احتجاز الأشخاص أفلتت من العقاب بفضل السلطات الخاصة التي توفرت لهذا النظام. الرئيس اعترف بأن أعمالا مريعة ارتكبت وأن عساكر استخدموا التعذيب كسلاح "ضد الأفالان وأنصار الاستقلال، ولكن أيضا ضد الذين كان ينظر إليهم على أنهم حلفاء الأفالان". هذا الاعتراف هام ليس فقط لفرنسا ولكن أيضا للجزائر، لأن هذا النظام الفظيع خلف، في المقام الأول، عددا كبيرا من الضحايا الجزائريين. إنه اعتراف بكل الجرائم التي تكبدها هؤلاء الضحايا، بدليل أن الرئيس أشار إلى "الاختفاءات التي وقعت في الجانبين، وهي محل إدانة". كما تحدث عن "كل الذين تسبب هذا التاريخ في معاناة لهم.. تاريخ قلب المصائر في الجزائر كما في فرنسا". إن البحث عن الحقيقة والتأكد من الأحداث التي أدت إلى اختفاء وموت ضحايا جزائريين وفرنسيين دور يؤديه المؤرخون، ولهذا السبب أعلن الرئيس عن رخصة عامة تفتح المجال للاطلاع بحرية على كل أرشيف الدولة، فيما يتعلق بالمفقودين في حرب الجزائر، الفرنسيين منهم والجزائريين، مدنيين وعسكريين. الرئيس شجع أيضا عمل المؤرخين بهذا الخصوص، وطلب تقديم كل الوثائق والشهادات بهذا الشأن للأرشيف الوطني لدعم أعمال المؤرخين. شخصيا، أعتقد أنه 60 سنة بعد الوقائع المأساوية سيكون هناك أشخاص متحفزون لتقديم المعلومات والشهادات، طالما أن الدولة تعترف بمسؤوليتها. والرئيس ماكرون لا يقول إن هذا الاعتراف سيلملم جراح الضحايا، لكن هذه الخطوة ستساهم في التخفيف من آلام الذاكرتين بالنسبة لكل الذين عانوا منها، ويكون ذلك بفضل عمل من أجل الحقيقة يستحق الإشادة.
لمّح السيد ماكرون إلى استعداده لتسليم جماجم رموز المقاومة الجزائرية الذين قتلوا خلال المعارك التي أعقبت احتلال الجزائر. هل قدمت الجزائر طلبا بهذا الخصوص؟ الأمر يتعلق بقضية أخلاقية ذات صلة باحترام تجاه الأموات، وهو في الوقت نفسه ذو رمزية هامة من أجل مصالحة ذاكرتينا. لقد قدمت السلطات الجزائرية طلبا لاستعادة بقايا الشهداء الجزائريين المحفوظة بمتحف الإنسان. وخلال زيارته يوم 6 ديسمبر إلى الجزائر، تعهد الرئيس بالتعاطي إيجابيا مع الطلب. وحاليا تجرى محادثات نشطة حول هذا الموضوع بين الطرفين، وذلك على مستوى خبراء، من أجل توفير عوامل نجاح عملية تسليم بقايا الشهداء. وتعرف المحادثات بهذا الشأن تقدما سريعا.
زار وزير المجاهدين الجزائريفرنسا في جانفي 2016، حيث تناول في محادثاته مع نظيره الفرنسي ملف التجارب النووية في صحراء الجزائر، المفقودين في فترة ما بعد الاستقلال مباشرة وأرشيف الثورة، لكن غابت قضية الحركى تماما في تلك المحادثات. هل تعتقد أن الجانبين غير مستعدين بالشكل الكافي للخوض في هذا الملف؟ قضية الحركى وأبنائهم وإمكانية أن يروا بلدهم من جديد تطرق إليها الرئيس ماكرون خلال زيارته إلى الجزائر في ديسمبر الماضي، فقد أعرب عن أمنيته أن "يتمكن كل الرجال والنساء الذين ولدوا في الجزائر ويريدون العودة إليها، مهما كان تاريخ عائلاتهم وتاريخهم كأشخاص مع هذا البلد، من تحقيق ذلك". هذا الموضوع محل اهتمام بالغ من طرف برلمانيين فرنسيين وجمعيات، وبالتأكيد هو موضوع مرتبط بسيادة الجزائر وحدها. وكما قلت في وقت سابق، لا توجد أي إرادة لممارسة ضغوط على الجزائر بشأن هذه القضية. بعد هذا، هناك قضية الذاكرة الفرانكو - فرنسية التي تخص الحركى، وهنا الأمر يرتبط حصريا بالسيادة الفرنسية، إذن من الضروري التمييز بين القضايا. في كل الأحوال، لا يمكننا أن نبقى حبيسي ذاكرتنا، علينا أن نواصل تقدمنا حتى نتجاوز الماضي الأليم الذي يجمعنا.. يجمعنا رغم كل شيء.