يقترح المحامي والناشط السياسي مقران آيت العربي، في حوار مع “الخبر”، أربع خطوات للخروج من المأزق السياسي الناجم عن تشبث الرئيس ومحيطه بالسلطة، هي: رفض الانتخابات في إطار المادة 102، ومنع المتسببين في الأزمة من الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، واسترجاع تسمية جبهة التحرير الوطني “للمحافظة على شرف الجبهة التاريخية”، وتغيير النظام بالوسائل السلمية. وبرأي آيت العربي، كان ينبغي تفعيل المادة 102 في 2013 عندما أصيب الرئيس بالمرض، لكن لم يكن ذلك ممكنا، حسبه، لأن المجلس الدستوري والبرلمان غير مستقلين عن السلطة. ويدعو المحامي إلى “الاستماع إلى الشعب دون محاولة تحريف مطالبه”، لحل الأزمة. مشيرا إلى أنه “على السلطات المعنية” أن تكشف عن أسماء الأشخاص الذين قال عنهم رئيس أركان الجيش إنهم “مشبوهون” وأنهم عقدوا اجتماعات “لضرب سمعة الجيش”. يطالب رئيس أركان الجيش بتفعيل المادة 102 من الدستور. البعض رأى في ذلك تجاوزا منه لصلاحياته. هل تعتقد أن الجيش بإمكانه أن يكون حلا للمأزق الذي وضع النظام فيه الجزائر؟ المادة 102 من الدستور تجاوزتها الأحداث لكون المطالبة بتفعيلها وإعلان عجز الرئيس يعود إلى سنة 2013، عندما كان هذا الأخير يعالج في باريس مدة 8 أشهر، وفي تلك المرحلة، عجز المجلس الدستوري والبرلمان عن أداء مهامهما وفقا للدستور، وذلك لكون المؤسستين غير مستقلتين عن الرئاسة. وكانت الحجة في عدم اللجوء إلى العجز تتمثل في عدم النص على الجهة المبادرة بهذا الإجراء، ولكن هذه المادة تنص بما لا يترك أي مجال للمفسرين أنه يمكن للمجلس أن يتخذ المبادرة عندما يكون العجز واضحا “إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع”. إن بقاء الرئيس خارج الجزائر طول هذه المدة بسبب مرض لدليل قاطع على عجزه، والتصريح بذلك دون حاجة إلى شروح فقهاء البلاط. ولا يوجد حسب علمي رئيس ظل خارج وطنه مدة 8 أشهر لأي سبب كان وبقي على رأس الدولة. وكان على من يهمه الأمر أن يطالب بتطبيق الدستور في تلك المرحلة أو على الأقل رفض العهدة الخامسة. واليوم، ها هو قائد الأركان يبادر بطلب تطبيق هذه المادة، مضيفا إليها المادتين 7 و8 من الدستور. إذا كان تطبيق المادة 102 (المادة 88 قبل التعديل) لم يتم منذ 2013، فكيف يمكن تطبيقها في هذه الظروف التي خرج فيها الشعب إلى الشارع يطالب برحيل النظام؟ وإذا كانت السيادة الشعبية مغتصبة منذ 1962، فكيف يمكن تجسيدها في ظرف 3 أشهر، وهي المدة المحددة لإجراء الانتخابات الرئاسية بعد إعلان العجز أو الاستقالة؟ ومهما كان ينبغي أن يبقى الجيش مع الشعب وفي خدمته. بعد مرور أيام من خطاب ڤايد صالح الذي حمل هذا الطلب، يلاحظ أن جماعة الرئيس تجاهلته. هل تعتقد أن هناك مؤشرات عن وجود مقاومة من جانب الرئيس وجماعته؟ غريزة حب البقاء تؤدي حتما إلى المقاومة، ولكن لا أعتقد أن سكوت قائد الأركان عن عدم التطبيق الفوري لاقتراحه أو أمره يعود لموقف من جانب الرئيس وجماعته، وإنما يعود هذا السكوت حسب رأيي إلى رفض الشعب لهذه المبادرة. وما خروج الشعب في الجمعة السادسة للتأكيد على نفس المطالب إلا دليل على ذلك. ويبدو أن الجيش لا يريد الصدام مع الشعب، وأقصد الصدام السياسي. فهذه المبادرة تدخل ضمن المبادرات السابقة لمحاولة التضحية ببعض الأشخاص قصد بقاء النظام. والحكمة اليوم تقتضي الاستماع إلى مطالب الشعب، بدلا من 4 مبادرات في أقل من 3 أشهر. وما قيام بعض القنوات وبعض “الزعامات” التي صنعها البوليس السياسي في نصف يوم إلا محاولة أخرى قصد احتواء الشارع. ما قراءتك لإصرار ڤايد صالح على تطبيق المادة 102؟ ومن يقصد برأيك بحديثه عن الاجتماع الذي عقد لضرب الجيش؟ قائد الأركان مصرّ على تفعيل المادة 102 من الدستور لاعتقاده أن هذا الإجراء سيخفف من أزمة المؤسسات عن طريق التضحية ببعض الوجوه القديمة وعلى رأسها رئيس الجمهورية، كما يسمح في نفس الوقت ببقاء النظام. ولكن الشعب أجاب بكل وضوح عن ذلك في الجمعة السادسة، وسيجيب في الجمعة القادمة. ومن ثم، فالحل يكمن في الاستماع إلى الشعب دون محاولة تحريف مطالبه. وبالنسبة للشّق الثاني من السؤال، لا أعرف من هم الأشخاص الذين يقصدهم ب«الاجتماع الذي عقد لضرب الجيش”. وإذا تأكد هذا الخبر، فالمسألة تتعلق بالأمن القومي، وهناك جهات مختصة بالمتابعة والتحقيق والحكم، وعلى السلطات المعنية أن تكشف عن أسماء هؤلاء في أقرب وقت وعن الإجراءات المتخذة. يطالب قطاع من المشاركين في الحراك باختيار رموز يمثلونهم في حوار محتمل مع السلطة. هل تتفق مع هذا الرأي؟ لا يمكن على الإطلاق اختيار ممثلي الشعب عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، نظرا للخطورة التي تمثلها، فالسلطة جندت من يقوم بهذه المهمة لخلق محاورين “باسم الشعب” والشعب لم يفوّض أحدا، وسلكت بعض الأحزاب وبعض القنوات الفضائية نفس المسلك للترويج لبعض الأسماء على أنها تنشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، ولم يرها أحد في الميدان، فهي موجودة في عالم افتراضي لا غير. إذا كان لا بد من التمثيل فسيكون بعد نقاش داخل مختلف فعاليات المجتمع من جامعيين وطلبة ومحامين وقضاة ومهندسين وأطباء وصحافيين وفنانين وكتاب... لتمثل كل جماعة الفئة التي تنتمي إليها عن طريق الاختيار الديمقراطي، ويمكن بعد ذلك التوصل إلى اقتراحات عملية لحل الأزمة وفقا للإرادة الشعبية. كما لا يمكن للبوليس السياسي أن يخلق زعماء للتفاوض عن طريق ممارسات قديمة حدثت خلال الأزمات السابقة. ومهما كان، فأنا شخصيا لن أقبل مهمة تمثيل الشعب عن طريق فايسبوك نظرا لما في ذلك من مراوغات، فيمكن عن طريق هذه الوسائل محاولة تحطيم نضال شخص، ضد السلطة مدة 40 سنة دون انقطاع في لحظة، كما يمكن صنع نجوم من المخبرين وقدماء المخابرات في يوم واحد. بعد كل جمعة يرد النظام بقرارات وإجراءات يسوقها على أنها تنازلات منه. هل تنظر إليها على هذا الأساس، أم ترى أنها التفاف على المطالب الشعبية؟ النظام لا يستمع إلى الشعب لأنه بارع في الاستماع إلى نفسه، وأنه لم يأخذ في وقت ما المطالب الشعبية بعين الاعتبار رغم شرعيتها. لقد قدمت السلطة منذ جانفي 4 أوراق طريق وهدفها المراوغة لبقاء النظام مع تغيير بعض الوجوه، كما فعلت بعد كل أزمة، أمام فشل تكليف رئيس حزب بالمطالبة بتمديد العهدة لمدة سنة دون انتخاب، تم استدعاء الهيأة الانتخابية، وأمام خروج 17 مليون جزائري إلى الشارع ضد العهدة الخامسة والنظام، ظهرت رسالة 11 مارس لإلغاء الانتخابات وتمديد العهدة الرابعة دون حق للقيام بما يخدم بقاء النظام. وهاهي المبادرة الرابعة للمطالبة بتفعيل المادة 102 من الدستور لتنظيم الانتخابات من طرف نفس السلطة لتحقيق نفس الأهداف. ولكن أمام هذه الثورة الشعبية السلمية، لا تنفع هذه المناورات، ورأينا كيف رد الشعب عليها، فعلى السلطة أن تستجيب لرغبات الشعب في تقرير مصيره بنفسه واسترجاع سيادته المغتصبة منذ صيف 1962. غدا سيفوت الوقت. ما رأيك في الآليات التي يجري تداولها للخروج من المأزق، ك”هيئة رئاسية” و”مرحلة انتقالية” و”لجنة مستقلة”؟ وما الخطة التي تراها مناسبة لانتقال الحراك إلى مرحلة جديدة؟ الحل لا يمكن أن يأتي من شخص واحد، ولا مجموعة واحدة، ولا من السلطة بصفة خاصة. وعلينا، باستثناء المفسدين المتسببين في الأزمة أن نوحّد جهودنا، وأن نوظف كل ما لدينا لإيجاد حلول ترمي إلى القضاء على هذا النظام الفاسد بالوسائل السلمية، واسترجاع السيادة الشعبية. وفي نفس الوقت يمكن أن أطرح بعض الأفكار للنقاش والتي لا تلزم أحدا سواي. ومن بين المقترحات: - رفض الانتخابات في إطار المادة 102 من الدستور للأسباب المذكورة أعلاه، وخاصة أن تنظيمها سيكون من طرف رئيس مجلس الأمة الذي سيتولى مهام رئيس الدولة، والذي خدم النظام منذ 30 سنة تقريبا على رأس المجلس الوطني الانتقالي والمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، ومن طرف الوزير الأول الذي كان وزيرا للداخلية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. - منع المتسببين في الأزمة من الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية القادمة، وخاصة قيادات أحزاب الموالاة التي ساندت المجموعة التي استولت على السلطة بطريقة غير شرعية (أعني القيادات وليس المناضلين النّزهاء، وهم موجودون في كل الأحزاب). - اتخاذ جميع التدابير القانونية لمنع رؤوس الفساد من مغادرة التراب الوطني، والحجز التحفظي على الممتلكات غير الشرعية، والتحري في الخارج عن الممتلكات العقارية والودائع المالية في البنوك لاتخاذ إجراءات تحفظية وفقا للمعاهدة الدولية للوقاية من الفساد ومحاربته التي صادقت عليها الجزائر. - استرجاع تسمية جبهة التحرير الوطني FLN للمحافظة على شرف الجبهة التاريخية، جبهة الشهداء التي حررت البلاد، ليصبح هذا الرمز تراثا مشتركا مثل جيش التحرير الوطني والعلم والنشيد الوطني وبيان أول نوفمبر وميثاق الصومام. - تغيير النظام بالوسائل السلمية وفقا للإرادة الشعبية المعبر عنها في شوارع جميع المدن الجزائرية، والتوصل إلى صيغة بين جميع فئات المجتمع يقبلها الشعب. تعرّضت للانتقاد بسبب دعمك المرشح الرئاسي سابقا، اللواء علي غديري. لو عاد بك الزمن هل كنت ستسير في هذا التوجه؟ في نهاية ديسمبر وبداية جانفي الماضي، رأيت أن الوقوف ضد العهدة الخامسة لا يتم إلا عن طريق من يعرف النظام من الداخل. وبالمناسبة، فإن المرحوم حسين آيت أحمد ساند مولود حمروش لأنه رأى فيه إمكانية التغيير من داخل النظام، ولا ننسى أن مولود حمروش هو أيضا ضابط متقاعد. وقد تتبعت المسار النضالي لحسين آيت أحمد وتوصلت إلى أنه لم يخطئ في تحليله حول المسائل الكبرى المطروحة منذ الاستقلال. اتفقت إذن مع علي غديري على الذهاب معا إلى الرئاسيات بعد تحديد المبادئ العامة للبرنامج، وأن نطلب من الشعب أن يصوّت وأن يدافع عن صوته. وهذا ما صرحت به لقناة فضائية قبل استدعاء الهيأة الانتخابية، والتصريح مسجل. وقد فكرت مليا في الانتقادات التي يمكن أن أتعرّض لها. ولحسن الحظ وللحقيقة، كانت معظم هذه الانتقادات من الذين خدموا عبد العزيز بوتفليقة ومدحوه وساروا مع المخابرات، كما قامت قيادة حزب، نيابة عن السلطة، بما لم تستطع السلطة القيام به. وبعد خروج الشعب إلى الشارع للمطالبة برفض العهدة الخامسة وبرحيل النظام، صار هذا التحليل دون جدوى نظرا لهذا الاستفتاء الشعبي دون تزوير. وقد تحقق عن طريق الشارع ما كنت أهدف إليه عن طريق هذا الاختيار في وقت لم يتوقع أحد هذه الثورة الشعبية السلمية. فراجعت تحليلي بعد الأخذ بعين الاعتبار الموقف الإيجابي للشعب، فقررت الانسحاب من المسار الانتخابي لأبقى كعادتي مع الشعب. إن مثل هذه الانتقادات لا يمكن أن تحول دون نضالي من أجل الحريات العامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهذا ما صرحت به أمام محكمة أمن الدولة سنة 1985 وأنا محبوس. فكيف أتخلى عن مواقفي وأنا حرّ طليق؟ لقد سار معي في هذا الاتجاه عشرات المناضلين المستقلين ومن مختلف الأحزاب، وبالتالي فإنني وبكلمة واحدة، لو عادت ظروف ديسمبر، جانفي ولم يخرج الشعب إلى الشارع بهذه الملايين، لسرت في نفس التوجه. إنني لا أتخذ موقفا إلا بعد التفكير، وبعد اتخاذ الموقف لا أندم. ومهما كان فإن وضعية جانفي الماضي لن ترجع، وإن جوابي هذا موجه لذوي النوايا الحسنة، أما نعيق الغربان فلا أبالي به.