هل بمقدور سلطة الأمر الواقع التي يقودها بن صالح، بدوي وبلعيز وبوشارب، الصمود أمام الحصار المضروب عليها من قبل الحراك الشعبي الرافض لكل ما يصدر عنها من قرارات وإجراءات؟ إن تصدي المواطنين في الولايات لزيارات وزراء بدوي ورفض القضاة تأطير رئاسيات بن صالح، ورفض نقابات التربية الإشراف على "بكالوريا بدوي" وإعلان العديد من رؤساء البلديات مقاطعة دعوة وزارة الداخلية لمراجعة الهيئة الناخبة، وغيرها الكثير، تعني أن كل الأبواب مغلقة وتدعو كل هؤلاء للرحيل قبل الترحيل. لجوء سلطة الأمر الواقع الموروثة من حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، إلى التخويف والقمع ضد المواطنين، ليس بأي حال من الأحوال دليل قوة، بقدر ما يعكس حالة من التخبط والاختناق التي تمكن الحراك الشعبي السلمي من فرضه على الأذرع التي تتنفس منها السلطة القائمة. لم يعد بوسع وزراء حكومة بدوي مغادرة مقرات الإقامة في نادي الصنوبر، أو فندق الشيراطون، أو حتى مقرات الوزارات، بعدما تحول خروجهم لزيارة الولايات إلى "استفزاز" للمواطنين الذين خرجوا ل "مطاردة" تلك الزيارات الوزارية، كما حدث في تبسة وبشار، وهو رد فعل غير مسبوق، يندرج ضمن خريطة الطريق التي أقرها الحراك الشعبي والداعي إلى رحيل "الباءات الأربعة" التي تمثل امتدادا لنظام بوتفليقة ليس إلا. ولم يتوقف الأمر عند محاصرة زيارات الوزراء، بل تعداه ليشمل القرارات والإجراءات التي صدرت، سواء عن بن صالح الذي دعا إلى انتخابات رئاسية يوم 4 جويلية المقبل، حيث رد عليه نادي القضاة برفض مطلق للإشراف القضائي عليها، أو محاولة الوزير الأول نور الدين بدوي تمرير امتحانات التربية، حيث خاطبه التكتل النقابي برفض تأطير "بكالوريا بدوي"، أو سعي وزارة الداخلية إلى فرض الأمر الواقع بفتح باب المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية لتجسيد رئاسيات بن صالح، قبل أن يرد عليها رؤساء البلديات بمقاطعة هذه العملية على مستوى بلدياتهم، وهو ما يعني انتكاسة لمشروع السلطة. لماذا أصبحت السلطة منبوذة شعبيا وإلى درجة أضحت وجوهها محل استفزاز ورفض اينما حلت؟ بالنسبة لرئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش: "لقد اكتفى الكثير من الذين تولوا شأن البلاد بالتربع على رأس السلطة وممارسة سلطات التعنيف وخرق القوانين والحقوق، وعدم احترام أدنى قدر من الأخلاق، لقد تغاضوا عن النهب والكسب غير المشروع وعن القمع، حتى صارت هذه هي الأدوات الوحيدة في إدارة البلاد ومراقبة المجتمع في جميع أبعاده ومكوناته". لقد فقدت السلطة أكسجين البقاء، وتحولت إلى "جمل أجرب" لا أحد يرغب في الاقتراب منها، ناهيك عن سقوط كل الركائز التي كانت ستند بها وفي مقدمتها السند الشعبي. لكن هذه السلطة المنبوذة شعبيا تسعى للبقاء من خلال ممارسة التخويف تارة، والقمع البوليسي تارة أخرى لكسر الخناق الشعبي المفروض عليها، فهل سمعتم يوما أن "التخويف والقمع" يعتبر برنامجا سياسيا للحكم؟ في ظل الحصار الشعبي الداخلي تسعى سلطة الأمر الواقع إلى استراتيجية الاستقواء بالخارج وتدويل الأزمة، رغم مقابلته برفض شعبي واسع، من خلال تنقل وزراء لا يملكون أي شرعية شعبية إلى عدة عواصم بالخارج لفك الحصار الداخلي عنها، نظير منحها ربما مصالح وامتيازات في الوقت بدل الضائع مقابل توفير الحماية ل "العصابة". كما سماها الحراك الشعبي واعترف به قائد أركان الجيش. وعندما لا تمتثل أي سلطة للإرادة الشعبية وتستمد بقاءها بدعم من خارج شعبها، فهي خطر على البلد.