تضع مبادرة قانون تجريم الاستعمار الفرنسي، وضعها النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، كمال بلعربي، بمساندة نواب من مختلف المجموعات البرلمانية، على طاولة مكتب المجلس الشعبي الوطني، الحكومة أمام امتحان متعدد الأوجه، خصوصا اختبار مدى قدرتها على الوفاء بالتزاماتها بتعزيز دور البرلمان في مجال التشريع وتجسيد مطالبة فرنسا بالاعتذار. تتضمن المبادرة المدعومة بتوقيعات 50 برلمانيا من مختلف الحساسيات النيابية التأكيد بأن "طلب اعتراف فرنسا بجرائمها وأفعالها إبان احتلالها للجزائر من سنة 1930 إلى 1962 والاعتذار عنها حق مشروع للشعب الجزائري غير قابل للتنازل". ويشدد القانون على مسؤولية الدولة الفرنسية عن كل الجرائم التي ارتكبتها جيوشها في حق الشعب الجزائري إبان احتلالها، وجاء في المادة 5 من المشروع الذي تحوز "الخبر" على نسخة منه، "أن الأفعال الإجرامية المذكورة في المادة 3 لا تتقادم"، والجرائم المشار إليها حسب المادة 3 "هي أشد الجرائم خطورة: الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب". وشرح أصحاب المبادرة في عرض أسباب القانون ما عاناه الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار على امتداد 131 عام، وجاء فيه "تعرض الشعب الجزائري إلى أبشع أنواع الجرائم خلال فترة الاحتلال، مازالت آثارها وتأثيراتها إلى يومنا هذا"، مستدلين بالألغام المزروعة على طول الحدود الشرقية والغربية والإشعاعات النووية في صحرائنا الكبرى". واستدل أصحاب المبادرة باعترافات عن تلك الأفعال والممارسات وردت عن مجرمي حرب فرنسيين، منهم الجنرال بيجو، الدوق دي روفيڤو، سانت أرنو، بيلسي مونتنياك، بول أوساريس، شارل موريس، روول سالان، جان ماسي، إيدمان جوهو، الذين راحوا، حسب ديباجة المقترح "يتباهون ويتفاخرون بجرائمهم التي ارتكبوها ضد الشعب الجزائري الأعزل"، ومنها "إبادة قبائل بأكملها وحرق قرى ومداشر برمتها والقضاء على عائلات بأكملها بنسائها وأطفالها وشيوخها في جميع أنحاء البلاد". وجاء في تقديم المقترح إلى جريمة أخرى وتتعلق بالهجرة القسرية لجزائريين قدر عددهم ب60 ألف شخص قبل الحرب العالمية الأولى، خارج وطنهم (تونس، المغرب، بلاد الشام وفرنسا) هربا من بطش الجناة، نتيجة قانوني الأنديجينا العنصري والخدمة العسكرية الإجبارية. وأشاروا إلى ممارسات الإبعاد والنفي نحو المستعمرات نحو جزر مقفرة في ما يعرف بما وراء البحار مثل كاليدونيا الجديدة. وجاء في عرض أسباب المقترح أن المستعمر الفرنسي حاول بطرق وأساليب جهنمية وقف النمو الحضاري والمجتمعي للجزائري عبر مخططات مدروسة لتجهيل الشعب الجزائري والقضاء على الأسس الروحية المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، والتضييق على المدارس والكتاتيب وعبر سياسة التنصير التي قادها الأساقفة في 1838، وسلب الأراضي من أهلها، وصولا إلى الجرائم المرتكبة خلال حرب التحرير، والتفجيرات النووية، قافزين على مجازر الثامن ماي 1945، وقانون تمجيد الاستعمار الصادر عن الجمعية الوطنية في فيفري 2005، وذكروا أن فرنسا قتلت ما لا يقل عن مليون ونصف مليون خلال فترة حرب التحرير، وأنه رغم انتهاء الحرب استمرت الجرائم الاستعمارية بحصد أرواح في حقول الألغام التي مازالت تشكل تهديدا. وخلصوا للتأكيد على أن الهدف من المقترح، هو تهدئة العقول والسير نحو مستقبل مشترك بين الجزائروفرنسا. ويضع ترسيم مقترح القانون، الحكومة الجديدة أمام اختبار فعلي بخصوص قدرتها الوفاء بالتزاماتها بخصوص تعزيز دور البرلمان في اتخاذ القرار وخصوصا في المساءل المتعلقة بالتشريع. وأشار عضو بمكتب المجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني بهذا الخصوص إلى التعامل مع المقترح سيشكل اختبارا للنوايا ولجدية الحكومة، فيما تنظر أوساط أخرى إلى كون القانون يضع الحكومة أمام مسؤولياتها بخصوص تجسيد طلب اعتراف فرنسي بالاعتذار، في إشارة إلى اكتفاء السلطات الجزائرية بتحريك الطلب في المناسبات الانتخابية وفي مراحل برودة العلاقات مع باريس. ومن شأن طرح قانون على مستوى البرلمان بخصوص التجريم، إزالة الحرج عن السلطة السياسية للرد على مقترح تمجيد الاستعمار المعروف بقانون فيفري 2005، وهو رد منعه الفريق الرئاسي السابق برغم محاولات البرلمان المتكررة، لكونه يوفر أداة للضغط الدبلوماسي على الجانب الفرنسي للتفاعل مع الطلبات الجزائرية وخصوصا في مجال تعويض ضحايا التفجيرات النووية، وتطهير المساحات الملوثة بالإشعاعات، وكشف خرائط الألغام، وتحديد مصير آلاف المفقودين وإعادة جماجم المقاومين الموجودة في متحف الإنسان، والممتلكات الثقافية المسروقة ومنها مدفع "القنصلي" الذي يزين مدخل القاعدة البحرية في ميناء بريست، وهي ملفات عرفت جمودا مع وصول الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون. ويحتاج القانون أولا إلى موافقة مكتب المجلس، وتحويله للحكومة، ومن غير المستبعد أن يتم إعادته إلى فريق الصياغة لتدقيق مصطلحاته وإعادة طرحه من جديد، أو تجميده كلية، لأن العلاقات الجزائرية الفرنسية دخلت مرحلة جديدة ليست في حاجة لتعقيدات أخرى.