تتزايد يوميا مطالب "تشديد إجراءات الحجر المنزلي" من طرف شرائح متعددة من فعاليات المجتمع السياسي والمهني والاجتماعي، ليس فقط بسبب استمرار سلوكيات اللامبالاة وعدم التباعد وضعف احترام إجراءات الوقاية الصحية المتخذة لمنع انتشار وباء كورونا؛ وإنما أيضا جراء محدودية إمكانيات البلاد الصحية وصعوبة اقتنائها حاليا في ظل سوق دولية مضطربة وصعبة للغاية. يجمع المتتبعون لإجراءات الحجر الصحي على أن الجزائريين امتثلوا بالدرجة الأولى لإجراء التوقف عن الذهاب إلى العمل الذي فرضه توقيف وسائل النقل الجماعي والصلاة في البيوت بعد قرار غلق المساجد، أما بقية الإجراءات الأخرى التي تخص التجمعات في الشارع وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة القصوى واحترام إجراءات الوقاية الصحية (تعقيم وتطهير وكمامات...)، فإن الالتزام بها ظل بعيدا عن المستوى الذي شدد عليه الأطباء لمنع انتشار الفيروس. ويكون هذا التهاون وراء انتقال العدوى من البليدة والعاصمة التي سجلت بها أولى الحالات في ظرف قياسي، لتشمل 5 ولايات أخرى، قبل أن تشهده أغلب ولايات الوطن التي يحصى بها يوميا حالات جديدة، جعلت الرقم يتجاوز الألف حالة والقائمة مفتوحة، خصوصا أمام ضعف إمكانيات التشخيص على مستوى مصالح معهد باستور. ضعف الإمكانيات الوطنية الصحية، وصعوبة تغطية العجز عن طريق الاستيراد في هذا التوقيت الذي تهيمن فيه الدول العظمى على كل الصفقات في السوق الدولية، بدليل الحرب الدائرة بين الدول حول الكمامات الطبية، لم يترك أي مجال للاختيار أمام فعاليات المجتمع من رفع وتيرة إطلاق صفارات الإنذار باتجاه المواطنين للالتزام ب"الحجر المنزلي" لوقف انتشار الوباء وعدم تعريض المستشفيات لموجات جديدة من المصابين، يصعب على الأطباء التكفل بها في ظروف مقبولة. ولم تعد صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تكتفي بالدعوة إلى "البقاء في البيوت" أو المطالبة بعدم الخروج إلى الشارع، بل رفعت حملات التحسيس بخطورة الوباء، من خلال نشر حالات حقيقية لكيفية إصابة مواطنين بفيروس كورونا، رغم قلة تحركاتهم وقدراتهم الصحية أو بنشر قصص واقعية عن مراسيم جنائز مهجورة لم يستطع حتى أهل الميت الحضور لتوديع أقربائهم، أو عن طريق نداءات طبية وأخرى لمختصين تشدد بأنه "أسبوع الخطر"، كرسالة على أهمية الحجر المنزلي للحيلولة دون تمديد فترة رابعة طويلة للحجر الصحي. في المقابل، تصاعدت أصوات تدعو السلطات العمومية إلى ضرورة استعمال "الردع" واللجوء إلى "القوة العمومية" ضد كل من لم يلتزم بإجراءات الحجز المنزلي، واستشهد هؤلاء بصور من الهند والفلبين وباكستان، حيث تستعمل الشرطة الضرب بالهراوات على المخالفين للإجراءات الحكومية. ورغم رفع ساعات حظر التجوال وتوسيعه إلى عدة ولايات، غير أن القلق لدى المواطنين الذي تعكسه صفحات التواصل الاجتماعي، يكشف بأن السلطات العمومية مطالبة بالانتقال إلى مرحلة أخرى من تشديد الإجراءات والردع، بالنظر إلى دخول البلد في المنعرج الحاسم الذي يمنع فيه أي تهاون للحيلولة دون العودة إلى نقطة البداية.