أكّد رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية في جنيف، الشّيخ سفيان مهاجري، أنّ المساجد والمراكز الإسلامية لم تتوقّف عن النّشاط وعن العطاء كلية، فهي تقوم بالعمل الاجتماعي وإغاثة المحتاجين، لكن مع المحافظة على الإجراءات الوقائية من التّباعد وعدم المصافحة وكل الإجراءات الوقائية الّتي وضعتها السلطات. وقال في حوار ل”الخبر”، إنّ غلق المساجد والمراكز الإسلامية كان له أثر ووقع كبير على نفوس الأئمة وعلى عموم الجالية المسلمة، لأنّ الجالية في رمضان تُقبِل على الصّلوات والتهجُّد والاعتكاف، وعلى الدّروس في أوقات الفجر والعصر والتّراويح، وتنظيم الإفطار الجماعي والمساهمة في تفطير الصّائم، وجمع زكاة الفطر وتوزيعها على المحتاجين، وعلى إقامة المسابقات القرآنية وغيرها. كيف كان وقع الصدى على نفسية الإمام في أوروبا عند غلق المساجد والمراكز بسبب تفشي وباء كورونا؟ لاشكّ أنّ غلق المساجد والمراكز الإسلامية كان له أثر ووقع كبير على نفوس الأئمة وعلى عموم الجالية المسلمة، وأظنّ أنّ هذا الأثر النّفسي هو مشترك بين الأئمة في القارات الخمس، لكن هناك أمور خاصة بالإمام والجالية المسلمة في أوروبا. كما لا يخفى عليكم أنّ رمضان في أوروبا له مميّزاته، في هذا الشّهر تُقبل الجالية المسلمة على المراكز الإسلامية، على الدّروس وقت الفجر وصلاة العصر وصلاة التّراويح، ويتوافد النّاس على الإمام لطرح الأسئلة عليه، والاتصالات الهاتفية للإمام للردّ على أسئلة النّاس، وتنظيم الإفطار الجماعي في كلّ المراكز الإسلامية، ومساهمة أفراد الجالية في تفطير الصّائم وجمع زكاة الفطر وتوزيعها على المحتاجين. وإقبال الجالية كأسر ونساء وأطفال على المراكز متميّز في شهر رمضان، والتهجّد في العشر الأواخر والاعتكاف وتوفير السحور للمعتكفين والمتهجدين في المراكز الإسلامية، وإقامة المسابقات القرآنية، وهذه النشاطات متفاوتة بين المساجد الكبيرة والمراكز الإسلامية الصغيرة، وتتفاوت كذلك بين الأقطار الأوروبية. غياب هذه الفعاليات وهذه المحطة السنوية الهامة الّتي تنتظرها الجالية بشغف، له تأثير كبير في نفوس الجميع، الأئمة وروّاد المراكز الإسلامية. والهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية في كلّ عام تستضيف أئمة لصلاة التّراويح، ودعاة وأساتذة من مختلف البلاد العربية والإسلامية وتوزيعهم على المراكز الإسلامية لإلقاء الدروس والمحاضرات والمواعظ وتعليم النّاس أحكام الصّيام والصّلاة وغيرها، حيث قمنا قبل سنتين باستضافة خمسين إماما، كما نوزّع كلّ سنة التمور بالأطنان على المراكز الإسلامية لتفطير الصّائم في ألمانيا، سويسرا، النمسا وغيرها. كلّ هذه الفعاليات لم نتمكّن من القيام بها هذه السنة بسبب انتشار الوباء، نسأل الله تبارك وتعالى أن يرفع عنّا البلاء والوباء وأن يردّنا إليه وإلى دينه ردًا جميلًا. كيف يقضي الإمام وقته بعد غلق دور العبادة؟ غلق المساجد والمراكز الإسلامية ليس معناه أنّ الأئمة والمراكز الإسلامية توقّفت عن النّشاط كلية، الأئمة متواصلون مع الجالية المسلمة، يستقبلون مكالماتهم الهاتفية للاستفسار عن أسئلة دينية، فيجيبون عليها ويقدّمون النّصائح والتّوجيهات ويرفعون المعنويات ويبعثون الأمل في نفوسهم، ويقدّمون الدروس عن بُعد للجالية. والهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية وضعت برنامجا للمحاضرات، ومكّنت الجالية المسلمة في أوروبا من التّواصل المباشر مع كبار العلماء والدّعاة والوعاظ، كالشّيخ عبد الله المُصلح والشّيخ سعد العتيق والشّيخ بدر المشاري والشّيخ خالد المُصلح والدكتور عمر عبد الكافي والشّيخ النابلسي وغيرهم، مع توفير التّرجمة للغات الأوروبية، خاصة الفرنسية والإنجليزية. وفي الجانب الاجتماعي، تقوم المراكز الإسلامية بدورها في مساعدة المحتاجين والمعوزين، غير أنّ الطريق تغيّرت، فهيئتنا مثلًا تقوم في مالطا بأخذ الغذاء والإفطار إلى بيوت المعوزين والمحتاجين، وفي ألمانيا توزّع التمور والمصاحف على المسلمين في بيوتهم، وفي سويسرا بإعطاء وصل شراء مواد غذائية بقيمة 40 فرنكا سويسريا للوصل الواحد على المحتاجين. فالإمام والمراكز الإسلامية لم يتوقفوا عن العطاء، لكن تغيّرت طريقة الأداء وفقًا لما تقتضيه الظروف الّتي تعيشها الإنسانية. ما مدى تفاعل المسلمين في أوروبا مع الدروس الدّينية عبر وسائل التّفاعل الاجتماعي؟ لم نتوقّع هذا التّفاعل بهذا الشّكل، فيه متابعة من الجالية المسلمة، ولاحظنا أنّ الجالية المسلمة متعطشة لسماع الدروس والمواعظ، ويُتابعون ما تقدّمه المراكز الإسلامية من برامج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما يقدّمه الإمام من دروس، وعندهم حرص على متابعة هذه الأنشطة الّتي تُبث عبر التقنيات الحديثة في التواصل. لم نكن نستعمل هذه الوسيلة بهذا الشّكل وبهذه الكثرة، كنّا نستعمل هذه التقنية في الاجتماعات الإدارية للتّواصل فيما بيننا، لكن في هذه الظروف الصعبة بسبب انتشار هذا الوباء وهذه الجائحة، أصبحت هذه هي الوسيلة الوحيدة الّتي من خلالها نتواصل مع النّاس، حتّى فيه من الجالية مَن يطالب المراكز الإسلامية بتنظيم الدروس والدورات والأنشطة. فهذه الظروف حفّزتنا على أن نهتم بهذه التقنية واستعمال هذه الوسيلة، وبإذن الله تعالى بعد أن يرفع الله عزّ وجلّ عنّا هذا الوباء، سنستفيد من هذه التقنية ومن هذه الوسيلة في الكثير من أعمالنا في المستقبل، إن شاء الله تعالى. كيف كان انطباع الرأيّ العام والرسمي الأوروبي بعد فتح المساجد والمراكز الإسلامية لأجل التّضامن وإغاثة المحتاجين؟ المراكز الإسلامية لم تتوقّف عن النّشاط وعن العطاء كلية، ما زالت بعض النّشاطات قائمة، فإدارة المساجد على سبيل المثال متواجدة، وإدارة المراكز الإسلامية متواجدة أيضًا، والإمام يأتي خاصة لصلاة الجنازة ولمرافقة الميت لدفنه. الّذي توقف هو التجمّعات بأعداد كبيرة، الّذي توقف وافتقدته الجالية هو الجوّ البهيج في رمضان. ومن الأعمال الّتي تقوم بها المساجد والمراكز حاليًا هو العمل الاجتماعي وإغاثة المحتاجين، لكن مع المحافظة على الإجراءات الوقائية من التّباعد وعدم المصافحة وكل الإجراءات الوقائية الّتي وضعتها السلطات. هل تعتقد أنّ تغيّر نظرة الأوروبيين اتجاه المسلمين بعد تضامنهم معهم للتّقليل من مخاطر الوباء هي نظرة آنية؟ هذه المحن والابتلاءات هي محطات للمراجعة، نحن المسلمون بحاجة إلى مراجعة أنفسنا وتصحيح مسارنا، ومطالبون بأن نستفيد من هذه الجائحة ونستخلص الدروس والعبر، كذلك المواطن غير المسلم مطالب بمراجعة نفسه ومساره ومواقفه وعلاقاته بالغير، ومنها علاقته بالمسلمين. الأمر يحتاج إلى عمل مستمرّ متواصل حتّى تنتشر ثقافة الأخوة الإنسانية وتنتصر قيم التّسامح والتّعايش وتختفي العنصرية والكراهية، فالبشر أسرة واحدة أبوهم آدم وأمهم حواء. هل لوسائل الإعلام الغربية نفس صورة المجتمعات الأوروبية؟ وسائل الإعلام ليست سواء، كما لا يخفى عليك أنّ كلّ قناة أو جريدة تعبّر عن توجّه سياسي أو إيديولوجي، فهناك بعض وسائل الإعلام منصفة، تعمل باحترافية عالية، طرحها موضوعي، تقدّم خدمات جليلة في تنوير الرأي العام بإبراز الحقائق، لكن في المقابل فيه بعض وسائل إعلام متشبعة بأفكار اليمينية المتطرفة، فهي تعمل لصناعة رأي عام بالتّخويف من الإسلام والمسلمين، وتنشر مشاعر الكراهية وتفتقد إلى أخلاقيات المهنة بالقصّ وتأويل الكلام وتعميم الأحكام وتضخيم الأحداث، وفي رأيي هذه تشكلّ خطرا على الأمن القومي للبلد على المدى البعيد.