انتقلت المملكة المغربية من مرحلة الاستفزازات إلى مرحلة “التهديد العسكري” الذي تثبت من خلاله “نواياها العدوانية” للجزائر فعلا، بعدما كان قولا، حيث تظهر خرائط شروع الرباط في إنشاء قاعدة عسكرية على مقربة من الحدود الجزائرية، والتي تعتبر دليلا قاطعا على أن المغرب، كما جهر به قنصله المطرود، يرى الجزائر بلدا عدوا. تبين الخريطتان بوضوح شروع المغرب في إنشاء قاعدة عسكرية، وهو يناقض ما سبق نفيه المطلق لفكرة تشييد قاعدة عسكرية قرب حدود “الجارة الشرقية”، بالموازنة مع الاستفزاز المتواصل للجزائر عبر شحن القيادة العامة المسلحة للمغرب حدودها الشرقية المتاخمة للجزائر بتعزيزات ومناورات عسكرية، كلما صعدت الرباط دبلوماسيا، بخاصة عبر خطابات الملك الذي لا يتردد في وصف الجزائر ب”خصوم الوحدة الترابية”. وحسب أبعاد الخريطة الأولى، تقع القاعدة العسكرية بمنطقة تسمى “جرادة”، وبالضبط ببلدية “لعوينات” المغربية، على بعد 38 كيلومترا عن الحدود الجزائرية بين ولايتي تلمسان والنعامة، إذ يفصل، وفقا للخريطة، بين الحدود الجزائرية ومقر القاعدة العسكرية الطريق الوطني المغربي رقم 17، وتحمل منشأة القاعدة العسكرية اسم “جرادة” إسقاطا على المنطقة المخصصة لإنشائها. وتوضح خريطة ثانية بالتفصيل وبدقة عالية، مقر القاعدة العسكرية المغربية من خلال المناطق المحيطة بها، وكذا قربها من الحدود الجزائرية، كما تحدد جميع المظاهر الجغرافية الطبيعية والخطوط والتقسيمات في المنطقة وما جاورها، أي أن القاعدة العسكرية أصبحت حقيقة تعبر عن “استفزاز حربي” واضح للجزائر من طرف المغرب، ما يؤكد توصيف “الدولة المعتدية” على المملكة المغربية، التي تكون بذلك قد انتقلت من التصعيد الدبلوماسي إلى التهديد العسكري. وتتجنب الجزائر دائما الدخول في صراع مع المغرب، على خلفية التصريحات الرسمية الاستفزازية الواردة في الغالب على لسان الملك محمد السادس وكبار المسؤولين في الدولة، خصوصا في قضية الصحراء الغربية، كون الجزائر متمسكة بتقاليدها الدبلوماسية التي تتفادى فيها التصعيد وعدم خضوعها للابتزاز وعدم ردها على الاستفزازات التي تعود عليها النظام المغربي، فالثابت بالنسبة للجزائر هو المحاولة المستميتة لحل الخلافات عن طريق الحوار. والثابت لدى النظام المغربي أنه يبحث دائما عن حل مشاكله الداخلية عبر الإثارة الدبلوماسية، وعن طريق التشهير وممارسة سياسة المغالطات، لذلك تحرص الجزائر دائما على تجنب سياسة التصعيد، استنادا إلى عوامل التاريخ والجغرافيا والقيم. وصار مؤكدا لدى الجزائر أن تصريحات القنصل المغربي بوهران، المطرود بناء على طلب منها، لم تجانب “صواب” نظرة النظام المغربي للجزائر، حين وصفها على أرضها، مخاطبا مجموعة من رعاياه المغاربة، ب”الدولة العدو”، فهذا الوصف تعكسه استعدادات المملكة لإنشاء قاعدة عسكرية على بعد كيلومترات فقط عن الحدود الجزائرية. وكان الوزير المستشار الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية، محند أوسعيد بلعيد، قد خاض في قضية “طرد” القنصل المغربي، مؤكدا خلال ندوة صحفية، الأسبوع الماضي، أن “القنصل المغربي قد غادر فعلا التراب الوطني بعدما طلبت الجزائر سحبه، لأنه تجاوز حدوده وحدود اللياقة بتصرفاته التي لم تكن مستغربة لأنه ضابط في المخابرات المغربية”. إلا أن محند أوسعيد أبرز في المقابل أن “الجزائر دولة تعمل من أجل تخفيف وطأة المشاكل الاجتماعية على مواطنيها، وهناك بالمقابل من ينتهج سياسة النعامة التي تخفي رأسها في الرمل لتفادي مواجهة الأخطار، فنحن نعمل لرفع المستوى حفاظا على العلاقات بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي”. وكان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد تحدث لأول مرة عن العلاقات الجزائرية المغربية، غداة فوزه في رئاسيات 12 ديسمبر الماضي، حين طالب النظام المغربي بالاعتذار للجزائر عن فرض التأشيرة على الجزائريين لدخول أراضيها، جراء الاتهامات التي وجهها للجزائر سنة 1994 وتحميلها وزر هجمات مراكش الإرهابية، غير أن الرئيس تبون شدد على حرص الجزائر على عدم إقحام الشعب المغربي الشقيق في الخلاف، بعد أن ربط “زوال العلة بزوال أسباب العلة”، في إشارة إلى الحدود المغلقة بين البلدين منذ عقود.