عندما يطلق الأطباء بمستشفيات الوطن ”صرخة” الإرهاق في مواجهة فيروس ”كورونا” اللعين، فذلك مؤشر ليس فقط على وجود لامبالاة في الشارع إزاء الإجراءات الوقائية، بل أيضا زيادة مخيفة في عدد قوافل المصابين الذين يلتحقون يوميا بمصالح الإنعاش المهددة بالتشبع، فلمن تقرع الأجراس؟ كتب البروفيسور سليم بن خدة في تدوينة بصفحته على الفيسبوك يقول ”أيادي بناتنا وأبنائنا الأطباء المقيمين بعد المناوبة.. 122 حالة جديدة في 12 ساعة بمصطفى باشا.. تعب الأطباء والممرضون أرهقوا في مواجهة هذا العدو الخفي. والله المستعان”. هذه الصرخة ليست الوحيدة، بل سبقتها عشرات النداءات من الأطباء والمختصين تحذر من ”تسونامي” قادم، بعدما أضحت بؤر الوباء تتسع يوميا في أهم ولايات البلاد على غرار سطيف وباتنة التي تحتل المراتب الأولى بعد العاصمة من حيث الكثافة السكانية. ويراد من هذه الصرخات للأطباء الذين دخلوا شهرهم الخامس في مواجهة فيروس كورونا اللعين، ليس فقط خلخلة المسؤولية الفردية والجماعية للمواطنين في وقف انتشار الفيروس، بالالتزام بالاحتياطات الوقاية، ولكن أيضا لإطلاق صفارات الإنذار بأن المستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب مصابين جدد لكونها وصلت مرحلة ”التشبع”. وعندما تصل المستشفيات حالة التشبع، في مفهوم المختصين في الطب، فهو مقدمة للدخول في ممارسة طب الحروب، بمعنى الفرز والاختيار بين من يترك لقدره وبين من يحظى بأولوية العلاج من بين المصابين بكورونا، وهو ما لا يريد أي طبيب ممارسته، لأنه يعتبر من أصعب الخيارات عند الأطباء. وتكشف مثل هذه الصرخات للأطباء، بأنه ليس من السهم توسيع أسرة الاستقبال للمرضى بالمستشفيات أو حتى خارجها، لأن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، حيث أكد مدير عام قسم المستشفيات وحلول الرعاية الصحية في شركة جنرال إلكتريك، بول مورتن، في تصريحات سابقة بأن ”التكلفة لكل سرير تكون بحدود 40 إلى 50 ألف دولار وذلك لمستشفى اعتيادي، لكن في مستشفيات تحتضن تقنيات حديثة ومتقدمة هذه التكلفة ترتفع إلى 100 ألف دولار لكل سرير، أي الضعف وهو فرق شاسع”، مما يزيد في صعوبة الوضعية بالنسبة للجزائر التي تمر بأوضاع مالية جد صعبة. وتكون الحكومة قد تفطنت ولو متأخرة، لمثل هذه النداءات التي أرسلها الأطباء، حيث شددت من الإجراءات الوقائية من خلال استعمال القوة العمومية لردع المخالفين ومنعت التجمعات الشعبية كالأعراس والجنائز التي أثبتت التحقيقات تسببها في انتشار الفيروس لدى عائلات بأكملها، كما وقع في بسكرة، ورقلة وتبسة، غير أن رفع مستوى الحس بالمسؤولية لدى المواطنين يتطلب تكثيف حملات التحسيس والتوعية، واسترجاع الثقة، خصوصا لدى شريحة في المجتمع ترى في الفيروس مجرد مؤامرة أو أكذوبة، وذلك حتى لا تذهب جهود أصحاب المآزر البيضاء الذين دفع بعضهم الثمن غاليا، أدراج الرياح، من خلال الإبقاء على البلد في حالة مغلقة اقتصاديا واجتماعيا.