تعدّ الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة الّتي أمر الله بها، وحثّ عليها المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وهي ما يُذبَح في يوم النّحر وأيّام التّشريق، من الإبل والبقر والغنم، تقرُّبًا إلى الله تعالى، وقد شرعت الأضحية إحياء لسُنّة خليل الله إبراهيم عليه السّلام، وشكرًا لله على ما سخّر لنا من بهيمة الأنعام. وقد اختُلف في حكم التّضحية، فذهب بعض أهل العلم إلى أنّها سُنّة، واستدلّوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمسّ من شعره وبشره شيئًا»، فقوله: «وأراد أحدكم أن يضحي» دليل على عدم الوجوب، وهذا رأي إمام دار الهجرة مالك رضي الله عنه، وذهب بعضهم إلى أنّها واجبة، واستدلّوا بأنّ الله ذكرها مقرونة بالصّلاة في قوله: «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ»، وقوله: «قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وكذا مداومة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليها، وأنّه كان يظهرها على أنّها شعيرة من شعائر الإسلام، حتّى إنّه يخرج بأضحيته ويذبحها بالمصلّى، وهو رأي السّادة الأحناف والحنابلة، ولعلّ القول بالسُّنية أظهر من القول بالوجوب، وأمّا العاجز الّذي ليس عنده إلّا مؤنة أهله، أو المدين فإنّه لا تلزمه الأضحية، بل إن كان عليه دَيْنٌ ينبغي له أن يَبدأ به قبل الأضحية. والأضحية لها شروط، فمن ذلك: أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم، لقوله تعالى: «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ»، وأفضلها الإبل، ثمّ البقر، ثمّ الضأن، ثمّ المعز، هذا عند جمهور أهل العلم، وقال الإمام مالك: الغنم أفضل؛ لأنّها أطيَب لحمًا، كما ذكر الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم، ومن شروطها بلوغ السنّ المعتبرة شرعًا: «لا تذبحوا إلّا مسنة (من الضأن: ما أتمّ ستة أشهر، ومن البقر: ما أتمّ سنتين، ومن الإبل: ما أتمّ خمس سنوات»، إلّا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن»، ومن شروطها أيضًا: السّلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، فلا يجزئ في الأضحية سوى السّليمة من كلّ نقص في خلقتها، فلا تجزئ العوراء، ولا العرجاء، ولا المريضة، ولا العجفاء (الهزيلة)، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظلعها، والكسير الّتي لا تنقى (لا مخّ في عظامها)». ومن شروط الأضحية كذلك أن تكون في وقت الذّبح، وهو من صباح العيد بعد الصّلاة إلى آخر أيّام التّشريق، فلا تجزئ قبل صلاة العيد لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَن ضحّى قبل الصّلاة فإنّما ذبح لنفسه، ومَن ذبح بعد الصّلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سُنّة المسلمين». وهناك أحكام أخرى تتعلّق بالأضحية، فيُسَنّ لمَن دخلت عليه عشر ذي الحجّة وأراد أن يُضحّي، فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتّى يُضحّي: «إذا رأيتم هلال ذي الحجّة، وأراد أحدكم أن يضحّي فليُمْسِك عن شعره وأظفاره»، والحكمة في ذلك التّشبُّه بالحجيج. ويُسَنّ التّضحية بكبش أملح أقرن، وهو الوصف الّذي استحبّه عليه الصّلاة والسّلام وضحّى به، ففي الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين»، وفُسِّر الأملح بأنّه الأبيض الّذي يخالطه سواد، وتجزئ الشّاة عن واحد، من حيث الثّواب عن المضحّي وعن أهل بيته، لأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان يُضحّي بالشّاة الواحدة عن جميع أهله، ويُستحبّ عند ذبح الأضحية أن توجَّه إلى القبلة مع التّسمية، لحديث جابر في الصّحيح أنّه صلّى الله عليه وسلّم ذبح يوم العيد كبشين، ثمّ قال حين وجّههما: «إنّي وجّهتُ وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمِرْتُ وأنا من أوّل المسلمين، باسم الله والله أكبر، اللّهم منك ولك، وعن محمّد وأمّته». وأمّا عن صفة الذّبح، فعند الشّيخين يقول أنس: «ضحّى صلّى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين، فرأيتُه واضِعًا قدمَه على صفاحهما، وسمّى وكبَّر»، قال الحافظ ابن حجر: «وفيه استحباب التّكبير مع التّسمية، واستحباب وضع الرِّجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتّفقوا على أنّ إضجاعها يكون على الجانب الأيسر فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذّابح»، ومن الأحكام: الإحسان في الذّبح، لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتُم فأحسنوا الذّبحة، وليحُدّ أحدكم شفرته، وليُرِحْ ذبيحَته»، ويُسنّ للمُضحّي أن يأكل من أضحيته ويتصدّق ويهدي: «فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ»، «كلوا، وأطعموا، واحبسوا، أو ادخروا». وأخيرًا: لا يجوز أن يُعطى الجزار أجرة عمله من الأضحية، لحديث عليّ رضي الله عنه قال: أمرني النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن أقوم على البدن، ولا أعطي عليها شيئًا في جزارتها.. والله وليّ التّوفيق. * إمام مسجد عمر بن الخطّاب- بن غازي - براقي