حتى هذه الساعة، لا يزال إقليم الكاليتوس وجهة أخرى مفتوحة على العديد من نقاط بيع الأضاحي (كباش وخراف) التي نمت عشية العيد، لكنها ليست على النحو الذي كانت عليه خلال السنوات الماضية، فقد غاب التدفق الكبير للزبائن وضجيجهم بعد أن اختفت أحواش بأكملها وفية للبيع والسمسرة، وفتر حماس العائلات التي كانت تحمل فرحة العيد وغابت فضاءات بيع أدوات ولوازم الذبح والجزارة والشواء وآليات شحذ السكاكين، تاركة السؤال للمكان بأي حال عدت يا عيد؟ من يوم لآخر، يبرز موقع آخر لبيع خرفان وكباش العيد في إقليم الكاليتوس التي كانت تعتبر أحد أهم نقاط البيع، لتصبح هذه الوجهة التي يمكن ترتيبها حسب قاموس السلطة الحالية، ضمن (مناطق الظل) من فرط غياب البنية التحتية للتنمية، حيث لا مسابح ولا ملاعب ولا مراكز للترفيه والتسلية، باعثة الأمل لمن يحلمون بالعيد في أوج الموت بوباء كورونا. فقبالة سوق الجملة للخضر والفواكه، وبالضبط على مستوى المزرعة الكائنة إلى الجهة اليمنى من الطريق الوطني رقم 8، نمت إحدى نقاط البيع وتحوّل الموقع إلى نقطة استقطاب بارزة بالنظر لعدد العربات المتوقفة به بعيدا عن الرصيف، على نحو استحسنه بعض سالكي الطريق الوطني المذكور، بعد أن كانت نقاط البيع تشكّل مصدر قلق وحيرة لما تسببه من اختناق مروري. ومع ذلك، فإن الداخل اليوم إلى الكاليتوس يستوقفه أيضا موقع بيع آخر على يسار الطريق قبالة الحي الذي يسميه أبناء الكاليتوس حي طلايحية، إذ أن الموقع لا زال يتردد عليه موالون كل مناسبة عيد أضحى قادمين من المدية والجلفة والمسيلة وبوسعادة وتيارت. وما عرفناه أن نقطة البيع هذه غير البعيدة عن مقر البلدية، انفرد بها هذه المرة مربون قدموا من ولاية تيارت، إذ قاموا بتصنيف خرفانهم وكباشهم إلى صنفين، ففيما تتراوح الأسعار في الأول بين 38 إلى 42 ألف دج، والثاني بين 45 و53 ألف دج. لكن عمر، الموال الذي قضى أزيد من أسبوع بهذا المكان بلباسه العروبي، بدا كما لو أنه غير مرتاح في مهمته هذه ويقول: "البيع هذه المرة ضعيف، بل غير موجود.."، قبل أن يضيف "أنظر من حولك، هل جاء أحد إلى هنا طيلة المهلة التي قضيتها هنا، هذه المرة المشتري غائب، الناس ما عادوا قادرين على المعيشة لأنهم لا يملكون المال..". لقد كان هذا الموال رفقة زملائه يحذوهم أمل كبير عند خروجهم من تيارت صوب العاصمة، في أن يتخلصوا من أكبر عدد ممكن من رؤوس الماشية، خصوصا أنهم يقولون: "اعتقدنا أننا تخلصنا من السماسرة المنافسين لنا، لأن مصالح الأمن عبر نقاط المراقبة هذه المرة لا تسمح بتنقل شاحنات المواشي إلا لمن يحملون بطاقة فلاح مربي، إلا أن وباء كورونا فرض منطقه..".
غاب الضجيج والفوضى
وما عدا موقع البيع هذا القريب من الطريق الوطني، فقد غاب مظهر الخيم (الإسطبلات) التي اعتادت شغل فضاءات هامة على يمين ويسار الطريق المذكور عند اقتراب موعد العيد، وغاب معها ضجيج تدفق الحشود البشرية إلى المكان لشراء الأضاحي، ما يكشف ولأول مرة عن غياب ظاهرة المتاجرة بالأضاحي من قبل كل من هبّ ودبّ عبر الأماكن والمحاور العمومية، وهو ما رأيناه على طول الطريق الوطني حتى مفترق الطرق باتجاه سيدي موسى والأربعاء والشراعبة.
متاعب كورونا..
ومع ذلك، فإن الزائر للكاليتوس يجدها غارقة في ضجيج آخر، ضجيج التشبث بالحياة والعودة لها بعد أن جرب الناس معنى العزل الصحي وحظر التجول الممزوج بحظر ممارسة منظومة واسعة من النشاطات لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر "أنا جربت معنى أن تدفع مستحقات كراء محل وبعدها تجد نفسك عاطل عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، ويعني ذلك المغامرة بفرحة العيد لدى أطفالي.."، يقول نبيل صاحب محل لبيع الملابس، ما يعني أن الأزمة الصحية الناجمة عن وباء كورونا ألحقت متاعب بعديد العائلات.
*نكهة العيد أفسدها كورونا..
ورغم ذلك، فإن مناسبة العيد التي هي على درجة وحساسية بالغتين لدى للجزائريين حتى في عز وباء كورونا اللعين، لا يزال هناك أوفياء لتقاليدهم. فرغم كون الوباء لا زال يضغط بثقله على الناس، إلا أن العديد من العائلات حولت أحواش منازلها لبيع أضاحي العيد، لعل الخوف يغيّر معسكره وتكبر فرحة العيد في عمق الأحياء. فإذا زرت أحياء لالة فاطمة نسومر وعدل و300 مسكن و1600 مسكن...الخ تقف على عديد الأحواش، لكن ما رأيناه هو أن فضول الناس المستفسرين عن الأسعار هو الغالب على الرغبة في الشراء. والحاصل أن هذه البرودة التي تأخذ شكل لامبالاة الناس وفتور حماسهم، يترجمها أيضا غياب المظاهر المكملة لبهجة العيد المعتادة الماثلة في بيع أدوات ولوازم الذبح والجزارة من ساطور وسكين وأخواتها المستعملة في السلخ والنفخ، مرورا بأدوات الشواء ولواحقها من مسامير وأخشاب وفحم، فبعدما كان التنافس على أشده بين العشرات من باعة هذه الأدوات، لم يتعد عددهم اليوم الثلاثة، كما اختفت آليات شحذ أنواع السكاكين بعد أن كانت تضفي سمفونية على المكان بضجيجها.