في الوقت الذي تصارع دول الجوار موجة ثانية أعادتها إلى المربع الأول وأجبرتها على اعتماد نظام الحجر المنزلي من جديد والعزل الشامل لعدة أقاليم وتعليق حركة الملاحة الجوية معها، تبرز الجزائر كدولة وحيدة في المنطقة لاتزال تعيش موجة أولى بإصابات ضئيلة ووضعية وبائية مستقرة، وهو ما طرح تساؤلات حول المرتكزات التي أدت إلى هذا الوضع، إن كانت تعود إلى تمسك الحكومة بمقاربة الاستمرار في غلق المجال الجوي وتأجيل الدخولين المدرسي والجامعي وتعليق المواصلات بكل أشكالها، أو استطاعة المنظومة الصحية استيعاب الأزمة نسبيا وغيرها من العوامل التي تجمعت وصبّت في الاتجاه الإيجابي. يرى الدكتور بركاني بقاط، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين وعضو اللجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا المستجد، أن مقاربة الحكومة في التعامل مع الأزمة عبر الإصرار على غلق المجال الجوي وفتح ممرات إجلاء تدريجية بالتنسيق مع اللجنة العلمية أثبتت نجاحها وجنبت الجزائر موجة ثانية قد تعصف لو حدثت بالآلاف، غير أنه صار من الضروري إعادة النظر في الشق المتعلق بالحالات الاستثنائية والضرورية والممرات الإنسانية للتخفيف على الجزائريين العالقين في الخارج، يضيف المتحدث. ويستدل بقاط في تبرير رأيه بخصوص طريقة تعاطي الحكومة مع الجائحة وغلقها المجال الجوي طيلة سبعة أشهر بالدول التي سمحت باستئناف الملاحة الجوية والنقل البري في ماي وجوان الفارطين، قائلا إنها وقعت في موجة ثانية رفعت من حصيلة الإصابات وضاعفت من الوفيات، ناصحا القائمين على قضية فيروس كورونا المستجد بتفعيل الممرات الإنسانية للحالات الضرورية دون فتح المجال بشكل كلي أو طبيعي مثلما كان قبل حدوث الأزمة. ويؤكد الطبيب، في اتصال هاتفي مع "الخبر"، أن قرار غلق المجال الجوي والمواصلات بكل أشكالها أساسه رؤية طبية وعلمية تنطلق من الحرص على صحة المواطن قبل أي اعتبار، ولو أنها تبدو في جوانب أخرى قاسية ولم تراع اعتبارات بعض المواطنين المتواجدين في الخارج، غير أن هذا لا يعني عدم تعديلها وتكييفها مع الراهن والمستجدات التي طرأت مؤخرا، من حيث فتح المجال أمام الحالات الضرورية للعودة أو للخروج للعلاج، فضلا عن إجلاء العالقين في الخارج. أما بخصوص فتح المدارس وبعض الأنشطة المرتبطة بالمناسبات، فيتعين دراستها من كل الجوانب وإخضاعها إلى تحليل عميق وضبطها ببروتوكولات وتدابير صحية، وإلا ستتسبب في حدوث موجة ثانية مثلما حدث مع دول الجوار. ويستبعد بركاني العودة إلى الحجر الصحي المنزلي في الوقت الحالي مادام أن الحالة الوبائية مستقرة، موضحا أن "الغلق الجوي جاء بنتيجة على أغلب الناس، وبالتالي لا يمكن فتح المجال الجوي على مصراعيه استجابة إلى مطالب البعض وبعدها نلقي اللوم بخصوص الموجة الثانية إن حدثت لا قدر الله". ولا يمكن تغيير الخطة المعتمدة حاليا في اعتقاد بقاط، وهي التي قدمت نتائج مرضية، لكن يمكن استحداث حلول جانبية للإشكالات العالقة. وعليه، يتابع المتحدث، "أقترح أنه يمكن فتح المجال الجوي للحالات الضرورية سواء أكانت إنسانية أو طبية". من جانبه يرى الطبيب بمصلحة "كوفيد 19" بمستشفى محمد لمين دباغين، بوشرمة حمانا، أن الجزائر سيطرت على الوضع عندما عدلت في البروتوكول الصحي الذي يضم عقار كلوروكين، وجعلت تطبيقه من بداية الإصابة وليس عند وقوع مضاعفات، مع التركيز على فحص نشاط القلب بشكل دائم، مشيرا إلى أن هذه الخطوة سمحت بتجنب مأساة حقيقية تشبه ما حدث بإيطاليا. وأفاد الدكتور بأن البروتوكول تم إقراره بشكل خاطئ في البداية، قبل أن يتم تعديله بعد تدخل كبار الأطباء الأخصائيين في الجزائر في الوقت المناسب، الذين نصحوا بإجراء تعديلات عليه، مثمنا استجابة الوزارة لهاته التنبيهات.