ما يحدث في بطولة "الاحتراف" في الجزائر، خلال عشر سنوات على الأقل، يستدعي التوقف والتأمل لتشريح وضعية "غير طبيعية"، للتعرّف على تواجد "دوري المليارات" في وضعية تسلل مقارنة ببقية "الدوريات"، سواء العربية أو الأوروبية، كون بطولة الاحتراف الجزائرية، التي تستنزف من المال العام، دون تأثير إيجابي، من الناحيتين الرياضية والاقتصادية، تحوّلت إلى "إشكالية" حقيقية، بل إلى "إعجاز" على فهم "العقم" الذي يلاحقها مقابل المليارات التي تلتهمها، دون أن تقوى على "تصدير" منتوجها من اللاّعبين نحو أقوى الدوريات والنوادي، دون الاحتكام إلى "وساطة" بطولات عربية. لم يعُد الأمر مجرّد "استثناء"، حين يمضي خريج البطولة "العرجاء"، مثل المدافع القوي جمال بن العمري، لأحد أكبر الأندية الفرنسية، نادي ليون، وهو في سن الثلاثين، وقادم من بطولة "خليجية"، هي البطولة السعودية، فنجومية "المنتوج" المحلي لم يكن لها أن تسطع فوق سماء أقوى البطولات الأوروبية، لولا سياسة "المناولة" التي لم تكن في الحقيقة إستراتيجية الأندية والاتحادية الجزائرية، كخطوة أولية قبل تحويل البطولة الجزائرية إلى واجهة رئيسية للاّعبين المحليين نحو أوروبا، إنما هي ظروف وعوامل "سلبية" اجتمعت جميعها في "الدوري الجزائري"، حين وجدت في سلبياته "البيئة" المواتية لتحويل بطولة الاحتراف إلى مرجع انحراف يستدعي الدراسة والمتابعة، بل وجعلها أسوأ النماذج التي يستوجب عدم إتباعها لوضع القدم على أولى درجات سُلّم النجاح. البطولة الجزائرية، ونحن ننظر إلى بروز جمال الدين بن العمري ويوسف بلايلي وبغداد بونجاح، على سبيل المثال لا الحصر، مع المنتخب الوطني في "كان 2019"، بعد سنوات من التألق والبروز في البطولة المحلية أو مختلف البطولات العربية، دون أن يشفع لهم ذلك في التواجد تحت الأضواء، هو أبرز دليل على أن الأزمة في البطولة الجزائرية أعمق وأخطر مما نتصوّر، فقد كان يكفي تعيين مدرّب جزائري يملك الشخصية والكفاءة والسلطة لفرض منطقه بمعايير احترافية محضة بعيدا عن "التدخلات الفوقية" أو "التفرقة" بين اللاعبين الجزائريين على أساس "المدارس الكروية"، لنكتشف في النهاية بأن المادة الخام في الجزائر موجودة، غير أن طريقة تسويقها هي التي حوّلت بطولة الاحتراف إلى مقبرة البطولات. ويجب الاعتراف بأن بروز بونجاح وبلايلي وبن العمري والحارسين مليك عسلة وعز الدين دوخة وكريم عريبي وحتى محمد بن يطو ولاعبين آخرين، وما أكثرهم، خارج البطولة الجزائرية، وتحديدا في البطولة التونسية والخليجية، من بين المؤشرات القوية التي تفرض علينا الاعتراف بأن البطولة الجزائرية انتزعت، وعن جدارة، لقب "النموذج الخاطئ"، كون الفوضى التي تشهدها هذه البطولة، من الناحية التنظيمية، ومشكل الملاعب الجزائرية، وسقوط المنظومة بين يدي المغامرين والمضاربين و"البزناسية"، جعل اللاّعب الجزائري، الفاقد للطموح في أداء مشوار رياضي في أقوى بطولة، بسبب الرغبة في كسب المال بأي وسيلة، فريسة سهلة لأشباه الوسطاء، حتى من رؤساء ومسؤولي الأندية أنفسهم، الذين "يبيعون" المنتوج الجزائري في السوق الموازية للأندية العربية لضرب الدوري الوطني، بنفس منطق مهربي الوقود عبر الحدود، ل"ضرب" الاقتصاد الوطني. وضع الأندية الأوروبية للاّعب المحلي الجزائري تحت الأضواء، في سنّ متقدّمة، بعد بروز هؤلاء خارج البطولة الجزائرية، هو إثبات دامغ بأن الخلل ليس في مستوى "البضاعة" المحلية، إنما كل الخلل يكمن في المنظومة المحلية التي تفتقر، إلى الفِكر والتنظيم وفضاء ممارسة اللعبة، بل هي تفتقر لرغبة وقدرة القائمين على شؤون كرة القدم، بمسؤولي الاتحادية والأندية والرابطة والسلطة العمومية، على خطف "النجومية" من بطولات تونس وقطر والسعودية، وجعل ما يُصرَف على البطولة الجزائرية من المال العام، له انعكاسات إيجابية ويجعل هذه البطولة ترفع سقف طموح لاعبيها ومسيريها ومسؤوليها وتنزع راية "بطولة المهانة" التي "تتمنى طريق السلامة" للمواهب الجزائرية في رحلة البحث عن النجومية، وتكتب على أسوارها "بطولة بوابة أوروبا ترحّب بكم..".