تشكل نسبة المشاركة المتواضعة جدا في الاستفتاء الشعبي حول التعديل الدستوري صدمة لأنصار السلطة ومشروع الجزائر الجديدة وقوى في المعارضة اندمجت في حملة معارضة التعديل. تبين الإحصائيات المؤقتة التي كشف عنها رئيس السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، محمد شرفي، تراجع الكتلة الناخبة المؤيدة للسلطة مقارنة بنتائج الانتخابات الرئاسية ل12 /12، فقد شارك في الاستفتاء الشعبي لأول نوفمبر 5.6 ملايين ناخب من كتلة ناخبة تضم 24 مليون ناخب، مقابل 9.6 ملايين ناخب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أي بانخفاض قدره 40 بالمائة تقريبا. وصوت لصالح التعديل الدستوري العزيز على السلطة ثلاثة ملايين وثلاثة مائة ألف ناخب، في انخفاض قدره مليون ونصف مليون تقريبا عن النتيجة التي حققها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون الذي جمع حوالي 5 ملايين صوت. وجاءت نسب المشاركة في استفتاء 1 نوفمبر أضعف مقارنة بنتائج الاستفتاء حول دستور 1996 الذي نظم في ظروف أمنية استثنائية، وسجلت فيه مشاركة 13 مليون ناخب، منهم 10 ملايين داعم للدستور. وقد حاول رئيس السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات، محمد شرفي، أمس، الإيحاء بأن الأرقام لا لبس فيها ولا تطعن في شرعية العملية بالنظر إلى الظروف التي جرت فيها ومنها وباء "كوفيد 19"، لكن هذا المبرر لا يعد كافيا لتفسير تراجع نسبة المشاركة في التصويت وتدني مستوى الدعم الشعبي للسلطة وسياساتها ولنخب معارضة انخرطت في الحملة الرافضة لمضامين التعديل. بالمقابل، تشعر قوى معارضة دعت لمقاطعة الاستفتاء بارتياح شديد، فالنتيجة المسجلة بالنسبة إليها تعتبر عملية سحب ثقة من الفريق المشرف على شؤون الدولة وهزيمة منكرة للموالاة. وعزا محللون تراجع نسبة دعم الدستور إلى مجموعة عوامل تضم في مقدمتها غياب الرئيس عبد المجيد تبون عن المشهد في الأيام الأخيرة، واستمرار عدم الثقة في قدرة منظومة الحكم الحالية على إيجاد حلول للتحديات الخطيرة التي تواجهها الجزائر، وضعف حجة السلطة في تسويق التعديل الدستوري، واعتمادها على رموز من مرحلة "العصابة" وخصوصا قوى الموالاة، حيث عززت عملية إعادة هيكلة هذه القوى التي كانت تروج قبل سنتين للعهدة الخامسة ودفعها للواجهة وسياسات القمع المسلط على النشطاء والمعارضين المستقلين، القناعات بأن لا شيء تغير عن فترة حكم العصابة، زيادة على زوال تأثير المحاكمات التي طالت بعض رموز فترة حكم الرئيس السابق. وشكلت النتيجة المحققة فشلا ذريعا للطبقة السياسية الداعمة للسلطة وخصوصا لحزب جبهة التحرير الوطني، التي اعتمدت خطابا منفرا واستفزازيا للرأي العام، ما يدعو السلطة لمراجعة عميقة لخياراتها في إدارة شؤون واجهاتها السياسية واستيعاب الرسائل التي حملتها النتيجة ومباشرة عملية تطهير في منطقتها الخاصة بدل ممارسة الغرق في حالة من النكران المؤدي إلى سياسات وحلول خاطئة. والأرجح أن تباشر السلطة مراجعة عميقة لخططها لتصويب الأوضاع الاقتصادية الحساسة والتي تعد محل انشغال شديد للجزائريين، وإعادة النظر في الأجندة السياسة، والذهاب إلى انتخابات تشريعية قد تفضي إلى بروز نخبة سياسية جديدة وحكومة تشارك فيها المعارضة بدل تدوير النخب الحاكمة. وبالنسبة لقوى المعارضة وخصوصا الإسلامية التي انخرطت في الحملة والتصويت ب"لا" للتميز عن التيارات التي دعت لمقاطعة الاستفتاء، فتشكل النتائج ورطة كبيرة لها لأن 1.6 مليون مصوت بلا يشكل تحجيما لهذا التيار الذي يصور ويرى نفسه صاحب أغلبية.