انتقل إلى رحمة الله، صباح اليوم، الكاتب والباحث في التاريخ خليفة بن عمارة أصيل مدينة العين الصفراء بولاية النعامة، عن عمر ناهز 74 سنة، بعد عمر كرسه للعطاء الأدبي والفكري والتاريخي. المرحوم خليفة بن عمارة، اشتغل في صمت ورحل في صمت أيضا، لولا أبناء مدينته الذين تذكروه في مارس من السنة الجارية، عندما نظمت له جمعية الشاعرة الراحلة صافية كتو، تكريما في المكتبة العمومية للمطالعة بغدادي بلقاسم. وهو الذي "نفض الغبار" عن إحدى أعرق مناطق الجنوب الجزائري بأبحاثه التاريخية والأركيولوجية وفي الأنساب والشخصيات التاريخية. ورغم أن أعماله التي يفوق عددها ال 15، وما تكشفه للقارئ من خفايا تاريخية وبطولات رجاله ونسائه، فإن خليفة بن عمارة لم يجر لم يهرول وراء الشهرة والمجد، وبقي ملازما لمدينته ولمكتبته وذويه، بعد أن طلّق الوظيفة العمومية في ثمانينات القرن الماضي، حفاظا على استقلالية قلمه وحرية أفكاره. وكان أول عمل أخرجه للجمهور في بداية ستينيات القرن الماضي. وهو نص مسرحي "قضية عادلة" كتبه عندما كان نشطا في الكشافة الإسلامية الجزائرية. وانطلق الراحل في الكتابة الجدية في 1985، بإصدار أول أعماله وهو نص تاريخي حوله إلى روائي "الانسلاخ"، يسرد فيه وقائع تاريخية حقيقة حول الثورة التحريرية، التي كان شاهدا على وقائعها في مدينته العين الصفراء. ترك المرحوم للمكتبة الجزائرية أزيد من 15 عملاً أدبيًّا وتاريخيا مكتوبا باللغة الفرنسية، منها عدد من الأعمال المترجمة إلى اللغة العربية. وتجول بين الرواية والقصّة والدّراسات التاريخية. ويقول عن نفسه في أحد الحوارات الصحفية، أنه ليس مؤرخا وإنما باحث في التاريخ، وكشف أنه بدأ يكتب عندما كان يدرس في الثانوية في مدينة معسكر، التي تم نقله إليها من طرف إدارة قطاع التربية في مدينة العين الصفراء، نظير تفوقه في الدراسة. وكانت بدايته بتدوين "صحيفته اليومية"، ضمنها كل الأحداث التي كان يعيشها في يومياته. وبعد رواية الانسلاخ، أصدر سنة 1990 رواية، "وجدت متاعب قبل نشرها" وكان عنوانها الأصلي "وقائع جريمة موظف" تم إيداعها لدى المؤسسة الوطنية للنشر (إينال) سنة 1988، لأنها تناولت قضية فساد في مؤسسة اقتصادية عمومية في جنوب البلاد واتفق في الأخير على نشرها تحت عنوان "الكلمة المخنوقة". ثم رواية ثالثة "يوميات ثائر" صدرت سنة 2005، تناولت مسلسل عنف التسعينيات. وخلال انزوائه في مسقط رأسه العين الصفراء، صب المرحوم اهتمامه على تاريخ المنطقة، وتركه كإرث من خلال كتاباته التي تناولت "إيزابيل إيبرهارت" ثم تاريخ الجنوب الغربي الجزائري الأعلى، تاريخ القبيلة البوبكرية، وأنساب المنطقة وغيرها من الأعمال التي تحولت إلى مراجع للباحثين في التاريخ الجزائري.