في مقابلة مع "الخبر"، أكد المجاهد صالح ڤوجيل، رئيس مجلس الأمة، أن الاستقلال لم يكن هدية منحت للجزائريين وأنه يتوجب علينا التصدي لمن يناصبون الجزائر العداء كالبنيان المرصوص، مستبشرا بمبادرة "لمّ الشمل" التي طرحها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مؤخرا، من أجل تقوية صفوف الجبهة الداخلية والانطلاق سويا في إرساء دعائم جزائر جديدة وقوية. وعبر "الخبر"، وجه ڤوجيل نداء للمؤرخين والباحثين لبذل الجهود اللازمة لإعادة كتابة تاريخ الجزائر ردّا على التهجمات الصادرة عن أطراف حاقدة على الجزائر وتريد تشويه ذاكرتها الجماعية. وعن العلاقة بين الجزائروفرنسا، أكد رئيس مجلس الأمة أن نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرتين بفرنسا دليل واضح على وجود لوبيات وأوساط ذات طابع كولونيالي جديد، مشددا على أن حلم الشهداء والمجاهدين قد تحقق باسترجاع الجزائر حريتها وسيادتها واستقلالها، رافضة كل شكل من أشكال الخضوع والتبعية، وكل ذلك يذكرنا ويلزمنا بالحفاظ على رسالة وأمانة الشهداء الذين كانت وصيتهم المحافظة على الجزائر، قائلين دوما "تهلاو في الجزائر".
أيام فقط تفصلنا عن إحياء الجزائر للذكرى ال60 لاسترجاع السيادة الوطنية والاستقلال. باعتباركم الرجل الثاني في الدولة.. لو طُلب منكم تقييم ما الذي تحقّق وما الذي ما زال ينتظر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا؟ في هذا اليوم المجيد، بودّي أن أترحّم بكل خشوع وإجلال على أرواح شهدائنا الأمجاد الذين ناهضوا مظالم الاستعمار، عبر مختلف مراحله، بكفاحهم وتضحياتهم إلى أن استعادت الجزائر سيادتها الوطنية وحريتها واستقلالها.. وفي هذه السانحة المباركة، الواجب يقتضي أيضا أن أتوجّه بالتحية والتقدير إلى أخواتي المجاهدات وإخواني المجاهدين الأحياء منهم، منوّها بتضحياتهم من أجل استقلال الجزائر واعترافا بإسهاماتهم الكبيرة في الجهاد الأكبر من أجل تشييد الوطن وإعماره. فالاستقلال لم يكن هدية مُنحت لنا، بل جاء نتاج ثمن باهظ من قوافل الشهداء، دفعته الأجيال تلو الأجيال في مواجهة الغزو الاستعماري، ومن خلال مقاومات مستمرة، وكذا نضال سياسي كبير بهدف كسر أغلال الاحتلال. لذلك أقول إن الصمود المتواصل لأسلافنا ونضالهم في وجه طغيان المستعمر ولّد ثورة نوفمبر المجيدة، ثورة صُنّفت ضمن أقوى وأعظم الثورات التحررية في التاريخ المعاصر لكفاح الشعوب من أجل الحرية والاستقلال. كما أن إحياءنا اليوم الذكرى المزدوجة الستين (60) للاستقلال وعيد الشباب، هو تذكير بأنّ ثورة نوفمبر المجيدة، قام بها شباب ثائر بعد أن اختار الاستشهاد بدل العيش تحت وطأة أقدام المحتل وإهاناته المتكررة. من هذا المنطلق، نقول إن بلادنا حسنا ما فعلت حينما كرّست خيار ربط تاريخ 5 يوليو بعيدي الاستقلال والشباب، وبذلك تكون قد رسمت جسور التواصل بين الأجيال في الكفاح والنضال من أجل الوطن. وقد تمكنت بلادنا خلال ما يزيد عن ستة عقود من الاستقلال، من تحقيق أشواط ومكاسب معتبرة، يحق لشعبنا أن يفتخر بها، رغم الصعاب والعراقيل التي واجهتنا غداة الاستقلال، ورغم قلة الإمكانيات المالية والقدرات البشرية.. ومع ذلك، تفوّقت الجزائر بفضل الله وبفضل شعبها العظيم على كل الأوضاع الأزموية وتجاوزت كل المحن والتحديات التي اعترتها في مراحل مختلفة، إلى أن وصلت إلى مرحلة مميزة في تاريخها المعاصر وهي مرحلة الولوج في مسار بناء الجزائر الجديدة الذي انطلق مع انتخاب السيد عبد المجيد تبون رئيساً للجمهورية. وفي هذا الإطار، شرعت بلادنا في مسار التشييد والبناء المؤسساتي للجزائر الجديدة، تنفيذا لالتزامات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في خضم التطورات الدستورية والانتخابية التي عرفتها الجزائر منذ التعديل الدستوري لسنة 2020، ملبياً بذلك تطلعات الشعب الجزائري التي رفعها خلال حراكه الأصيل والمبارك والمنادية بالتغيير والقطيعة مع الفساد والممارسات السلبية للماضي. وإلى هذا الوقت بالذات، ما زالت الجزائر ماضية قُدُماً في بناء الجزائر الجديدة في جانبها التنموي اقتصادياً واجتماعياً، وسط محيط جيوسياسي إقليمي ودولي تعتريه أزمات ونزاعات ورهانات وتهديدات، ورغم هذه الظروف الحساسة، تسهر الجزائر على حماية حُرمة ترابها وسلامة شعبها، وذلك بفضل تضحيات شبابها المنضوي في صفوف الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة، وضمن مختلف أسلاكنا الأمنية والمرابطة على حدودنا، متصدياً لأية مخاطر ومستمراً في مكافحة بقايا الإرهاب المقيت في الأحراش والجبال.. وبمناسبة هذا اليوم المميز، فإنّه لا يفوتني أن أُجدد تحية الإكبار والإجلال لجيشنا الوطني الشعبي وباقي أسلاكنا الأمنية المختلفة، وأن أترحم على أرواح شهداء الواجب الوطني. إنّ الجزائر الفخورة بماضيها المجيد، تستذكر تلك اللحظة التاريخية التي تقرّر فيها تحويل تسمية جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي كونه مرتبط بالشعب والوطن على العكس من الجيوش النظامية الأخرى في العالم، ذلك ما يفسر تلك الرابطة القوية جيش-أمة. كما تفخر أيضاً بحاضرها وستفخر إن شاء الله بمستقبلها الواعد.. تفخر بحاضرها بالنظر لما يتحقق في جميع الأصعدة وشتى الميادين.. ولعلّكم تابعتم وتتابعون النجاح الباهر الذي حقّقته الطبعة التاسعة عشرة (19) لألعاب البحر الأبيض المتوسط بشهادة المشاركين والمتابعين والجمهور الرياضي العريض في الداخل والخارج.. فجزائر النضال والتحديات لطالما أثبتت حضورها القوي في كُبرى المواعيد والمناسبات، وما ذلك على سلالة الشهداء والمجاهدين بغريب.. فهنيئاً للرياضيين على وجه الخصوص وللشعب الجزائري والمتوسطي عموماً بهذه التظاهرة التي ميّزها التنافس الشديد والروح الرياضية العالية.. وأنا على يقين بأنّه ومثلما كان حفل الافتتاح عرساً متوسطياً مبهراً ومفاجأة سارة للجميع، فسيكون حفل الاختتام دون شك -والمقرر بعد أيام قلائل (الأربعاء 6 جويلية)، مسك ختام هذه التظاهرة الرياضية العريقة..
رجع الحديث بقوة، بعد 60 سنة استقلال، عن ضرورة صون الذاكرة وكتابة تاريخ الثورة. ما الذي أحال دون تحقيق هذا المسعى. وكيف ترى المطلوب من الجزائر فعله لإرغام فرنسا على الاعتراف والاعتذار عن جرائمها؟ إنّ المحافظة على الذّاكرة الجماعية للجزائريات والجزائريين وتعريف الأجيال بما صنعه الأجداد، يمثل رهاناً كبيراً ومهمة وطنية تخُصّنا جميعاً، مما سيسمح بنقل رسالة الشّهداء وترسيخها في أذهان الأجيال الصّاعدة.. فإذا كانت كتابة التاريخ تساهم بلا شك في صون الذاكرة التاريخية الجزائرية، فإن ترسيم 8 مايو يوماً وطنياً للذاكرة يُعد هو الآخر متغيراً هاماً يصبّ في هذا التوجه، ذلك ما ينسجم مع توجيهات السيد رئيس الجمهورية، الذي كرّس أيضاً منطق التعامل بندية مع الجانب الفرنسي في كل ما يتصل بملف الذاكرة.. وفي هذا الصّدد، فإنّ أبلغ رد على فرنسا الاستعمارية وكل الأوساط والمنابر التي تحنّ لها، يتم بواسطة تثمين تاريخنا وإبراز بطولات الجزائريين وما عانوه من ويلات الاستعمار، عبر الكتابة الموضوعية للتاريخ واستغلال كل المعلومات التي بحوزة المؤرخين والباحثين من أجل إعادة كتابته بصورة أكاديمية مدققة ودون تزييف. كما يتعيّن من جانب آخر، تثمين الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدولة الجزائرية في مجال صون الذاكرة، من خلال فتح المتاحف التاريخية أمام المواطنات والمواطنين وتنظيم الملتقيات والندوات التي تساهم في تعميق الدراسات والبحث المتعلق بتاريخ الثورة بمختلف محطاته، وكذا إثراء رصيد الشّهادات الحية لمن عايشوا الأحداث وكانوا فاعلين فيها للتعريف بأهم المحطات التاريخية. وعليه، فإنّ المؤرّخين والباحثين ينتظرهم عمل كبير في مجال إعادة كتابة تاريخنا للردّ على التهجمات التي تصدر من أطراف حاقدة على الجزائر وتريد تشويه ذاكرتها الجماعية التي صنعها الأمجاد والشرفاء طوال عقود من الزمن.
كنت من السباقين للدعوة إلى دعم مبادرة رئيس الجمهورية للمّ الشمل. ما هي أبعاد هذه المبادرة؟ وما هي الغايات منها ومن هي الجهات الموجهة إليها؟ بالفعل، فقد أكدنا على مستوى مجلس الأمة انخراطنا في سياسة رئيس الجمهورية الرامية إلى لمّ الشمل والاحتواء، الحاضنة لجميع بنات الوطن وأبنائه، من منطلق أن اليد الممدودة للسيد الرئيس، تستمد إلهامها ومرجعياتها من بيان أول نوفمبر 1954. إذا بحثنا في عمق هذه المبادرة، سيتضح جليا أنها مقترنة ببصيرة الشعب الجزائري ومدى وعي وإدراك وفهم المكونات الوطنية لغاياتها النبيلة عبر الاستلهام من خصال رواد الحركة الوطنية، الذين تنازلوا حين اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح نوفمبر 1954 عن انتماءاتهم الضيقة وغلّبوا مصلحة البلاد العليا، الأمر الذي أثمر أعظم ثورات العالم في التاريخ المعاصر. من هذا المنطلق نقول إنّ (مبادرة لمّ الشمل) التي دعا إليها السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تستدعي من الجزائريات والجزائريين الالتفاف حول هذه المبادرة لتعزيز استقرار وأمن البلاد والمحافظة على استقلالها مثلما التف الشعب الجزائري حول ثورته المظفرة. في هذا السياق، نقول أيضا إن انخراطنا في مبادرة السيد رئيس الجمهورية يتماشى مع دعمنا المستمر والمتواصل له في إطار جميع الخطوات المتخذة من طرفه منذ اعتلائه سُدّة الحكم، انطلاقا من الالتزامات ال (54) التي تعهّد بها أمام الشعب الجزائري ضمن برنامجه الانتخابي، مرورا بالإجراءات التي أقرّها لحماية الذاكرة الوطنية كتكريس الثامن من ماي يوماً وطنياً للذاكرة، ووصولا إلى التعديل الدستوري لنوفمبر 2020، إلى غير ذلك من الخطوات التي تعد "تثمينا صريحا للموروث النوفمبري"، وهو ما يساهم بقوة في توطيد رابطة الوصال بين الرئيس والشعب، علاوة على أن ذلك سيعزز أسس الجزائر الجديدة والسعي بخطى واثقة نحو تمتين استقلالية اقتصادها وجعله دعامة وركيزة لاستقلالية قرارها السياسي.
البعض يشكك في حقيقة المؤامرات الخارجية التي تتربص بالجزائر. بماذا ترد على هؤلاء بحكم تجربتك الطويلة كمجاهد وكمسؤول في الدولة وكقيادي في الأفالان؟ ما يُعدّ مؤسفاً بحق، أننا نجد من يفتقدون بُعد النظر ويتميزون بتبنيهم القراءات القاصرة والمضللة، في ظل تراكم العديد من المؤشرات التي تدل بما لا يدع أيّ مجال للشك، عن وجود مخططات عدائية تستهدف الوطن بشكل مباشر، سيما من طرف بعض الجهات المتذمرة والناقمة على الجزائر المستقلة في قراراتها والسيّدة في خياراتها ومواقفها. بل أكثر من ذلك، بإمكاننا القول إنّ هذه المخططات التهديمية والتخريبية قد تفاقمت في ضوء الحركية النشطة التي تشهدها الجزائر منذ ما يقارب الثلاث سنوات، والخطوات الواثقة من أجل تحقيق مستقبل واعد بصفة متدرجة، ذلك ما يفرض علينا مواجهة من يناصبون العداء للجزائر النوفمبرية، من خلال لمّ الشمل وتوحيد الصف وتعزيز اللُحمة الوطنية وتغليب المصالح الوطنية العليا، وهذا بُغية الوقوف والتصدي لكل المؤامرات والمناورات والحملات العدائية الدنيئة المستهدفة لمؤسسات الدولة ورموزها واستقرارها.
ما الذي تغيّر في عمل مجلس الأمة بعدما وسّع الدستور الجديد من صلاحياته التشريعية؟ بداية، ومن وجهة نظرٍ دستورية ومنهجية صِرفة، اسمحوا لي أن أُشير إلى أن ما شهدته الجزائر في نوفمبر 2020 هو تعديل دستوري عميق، وليس دستور جديد كما يشير له سؤالكم، هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، فإن الصلاحيات التشريعية التي تؤول لمجلس الأمة تتمثل في المبادرة باقتراح وتعديل مشاريع القوانين في المجالات المتصلة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي. وبالرجوع إلى التعديل الدستوري لسنة 2020، فقد عزّز بشكل واضح صلاحيات البرلمان كسلطة دستورية، أي ما يتعلق بالغرفتين وليس فقط ما يتعلق بصلاحيات مجلس الأمة. وفي هذا الصدد، يمكن أن نشير على سبيل المثال لا الحصر إلى مسألة تحديد التمثيل البرلماني في عهدتين اثنتين (02)، ذلك ما يُشَجع على تجديد الطبقة السياسية، وكذلك الضبط الدقيق لمسألة التشريع بموجب الأوامر الرئاسية، مما يُعزز بالتأكيد مبدأ الفصل بين السلطات، علاوة على تعزيز صلاحيات البرلمان في مسائل الرقابة أو حق التدقيق في الحالات الاستثنائية، وهو ما يُعد تكريساً للسيادة الشعبية التي يمارسها ممثلو الشعب. كما يتوجب تثمين ما جاء به التعديل الدستوري لنوفمبر 2020 فيما يخص إعادة صياغة امتياز الحصانة البرلمانية وقصرها على المهام المتعلقة حصراً بالممارسة البرلمانية، ذلك ما يشكل خطوة نوعية في تكريس المساواة للجميع، بالإضافة لمسألة إلزام الحكومة بتقديم المستندات والوثائق اللازمة إلى البرلمان لممارسة مهامه الرقابية وغيرها من المواضيع.. ما يمكن ملاحظته في هذا الباب أنّ جُلّ هذه التدابير الدستورية جاءت لتُمَكن البرلمان من ممارسة مهامه بشكل كامل في مراقبة وتقييم أعمال الحكومة وهو ما سيعزز ويدعم السلطة التشريعية بدون شك. كما لا يفوتنا في هذا المقام التنويه في جانب آخر بما جاء به هذا التعديل الدستوري الأخير فيما يتصل باستحداث محكمة دستورية عوضاً عن المجلس الدستوري وتمكينها من صلاحيات رقابية واسعة تشمل النصوص القانونية والتنظيمية، وهو ما يُعد إضافة نوعية في إرساء أسس وقواعد دولة الحق والقانون.
البعض يرى أن مجلس الأمة منغلقٌ على نفسه ويعيش في برج عال بعيدا عن انشغالات المواطنين، بماذا ترد على هؤلاء؟ لقد ساد لدى البعض هذا الرأي فيما سبق، على غرار التشكيك الذي عرفه مجلس الأمة أيضا خلال السنوات الأولى من تأسيسه، باعتباره جهازا غير فعّال حسب البعض، واعتبار البعض الآخر بأنه يقيّد من نطاق عمل الغرفة الأولى (المجلس الشعبي الوطني). لكن في نظرنا يخطئ من يتبنّى هذا التصور، وذلك بالنظر للمكانة التي يتبوؤها مجلس الأمة اليوم ضمن المؤسسات العليا للجمهورية، فضلاً عن تأثيره الذي يتجلى من خلال وظائفه ونشاطاته المختلفة داخل الفضاء المؤسساتي للدولة، كما أن الفترة الماضية منذ تأسيسه كافية لتقييم العمل البرلماني الذي اضطلع به مجلس الأمة في إطار نظام البيكاميرالية (ثنائية الغرفة)، والمعترف به اليوم، بالنظر إلى تكامله وفعاليته في أداء مهام التشريع والرقابة. علاوة على ذلك، فإن مجلس الأمة يحظى اليوم باعتراف داخل الوطن وخارجه، باعتباره الغرفة العليا التي ساهمت في إثراء العمل البرلماني، ليس فقط في المجالين التشريعي والرقابة، بل أيضا من خلال تصدّيه لعدة نشاطات إضافية في إطار المهام المتعددة التي أنيطت به.. فقد أصبح مجلس الأمة ناشراً للثقافة البرلمانية في إطار القانون البرلماني والعلوم الاقتصادية والاجتماعية وكونه كذلك المدافع عن الديمقراطية وسيادة القانون، إضافة إلى دوره في حماية السلطات المؤسساتية للبرلمان الجزائري عند الضرورة. من جانب آخر، يمكننا التأكيد على المستوى الدستوري، أن مجلس الأمة يُعد مؤسسة ضرورية تضمن استمرارية الدولة وتساهم في مواجهة الصعوبات المحتملة التي قد يشهدها مسارنا الوطني.. وإذا ما أردنا إجراء تقييم كمّي للعمل الذي قام به مجلس الأمة خلال السنوات الماضية في مختلف مهامه البرلمانية، فإن ما تم تسجليه يفوق الأربعين دورة برلمانية وخمس دورات استثنائية للبرلمان المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معاً، ثلاثة منها كانت من أجل المصادقة على تعديلات دستورية. كما يمكن تأكيد هذا الأداء البرلماني، من خلال عقد العديد من الجلسات المخصصة لطرح الأسئلة الشفوية على أعضاء الحكومة وتوجيه العديد من الأسئلة الكتابية، وإن كانت أقل عدداً، فهي الأخرى مفيدة، وكلّها تتعلق بالقضايا الراهنة أو اختلالات محتملة في إدارة الشأن العام، وأنّ المراد من كل ذلك هو خدمة البلاد والشعب.
كيف ترون العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة على ضوء شكوى النواب من "تهميش" الحكومة لأسئلتهم الشفوية والمكتوبة وعدم الرد عليها في الآجال القانونية؟ وجب التذكير بأن العلاقة بين البرلمان ممثلا في غرفتيه والحكومة يحددها الدستور بشكل دقيق، كما تنظّمها أيضا أحكام القانون العضوي رقم 16-12 المؤرخ في 25 أوت سنة 2016 الذي يحدد تنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، وعملهما، وكذا العلاقات الوظيفية بينهما وبين الحكومة، علماً أنّ هذا القانون العضوي هو حالياً محل مراجعة، إلى جانب ضرورة تحيين النظام الداخلي لمجلس الأمة مواءمة مع الأحكام الجديدة التي أتى بها التعديل الدستوري لسنة 2020. من هذا المنطلق، فإن كلّ ما يتصل بآليات ومحددات هذه العلاقة الثلاثية مفصول فيها دستورياً وقانوناً، وهي ملزمة للجميع، ناهيك عن كون أن التنسيق والتكامل بين الأطراف الثلاثة، قائمٌ بالشكل الذي يخدم المصلحة العامة ووفق ما يتطابق مع مبدأ الفصل المتوازن بين السلطات. وأمّا فيما يتصل ببعض الاختلالات البسيطة التي قد تطرأ بين الفينة والأخرى، فهذا أمر طبيعي قد نجده في عديد الدول، وعادة ما يتم حلّها وفق القنوات والإجراءات التي يحددها الدستور والقانون في كنف الاحترام والتكامل ما بين مؤسسات الجمهورية.. فموضوع التنسيق بين الحكومة والبرلمان، سواء في تسيير الآلية الرقابية للسؤال الشفويّ و/ أو الكتابي أو في غيرها من الآليات الأخرى التي ينص عليها الدستور، لا يمكن أبداً أن يكون سببا في وجود أيّ خلاف، على الرغم من وجود "تأخير" في بعض الأحيان في الرد على بعض الأسئلة الشفوية و/ أو الكتابية، وعليه، فإنّ العمل جار بالتنسيق مع الحكومة من أجل تجاوز هذا.. طالما أنّ الجميع يصبو إلى تحقيق المصلحة العامة خدمة للبلاد والشعب، وتماشيا مع رؤية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وفق ما يستجيب لتطلعات الشعب الجزائري الطموح لبناء الجمهورية الجديدة.. لذلك نقول، إنّ الجزائر تتقدم بخطوات ثابتة وواثقة نحو بناء دولة القانون والديمقراطية، رغم العراقيل والصعوبات التي يضعها في طريقنا أولئك الذين يفكرون فقط في زعزعة البلاد، وتلك التي تفرزها من جانب آخر عولمة اقتصادية هي في خدمة الأقوياء في هذا العالم. كما نقول بأننا نسير وفق وتيرتنا التي لا يمكن أن تكون نفس وتيرة البلدان التي أمضت مئات السنين في بناء الديمقراطية والاعتراف بحقوق الإنسان، ونحن كجزائريين ندرك بعض الشيء في هذا المجال.. فالديمقراطية ونظيرها في الحريات الدستورية يتطوران دائما اعتمادا على التنمية البشرية والإنجازات الاجتماعية والسياسية، ويتعين ألاّ ننسى أنه باسم الديمقراطية تعاني اليوم بلدان شقيقة من الفوضى السياسية والاجتماعية وتفكك مجتمعاتهم وبؤس شعوبهم.
من بين النشاطات غير المعهودة على مجلس الأمة تشكيله لجنة تحقيق في ندرة المواد الاستهلاكية الأساسية. هل ستكون هناك مبادرات أخرى مماثلة حول قضايا تهم الرأي العام يقتضي التحقيق فيها؟ وما الذي تحقق من نتائج لجنة التحقيق التي بقي تقريرها النهائي سريا؟ إنّ استحداث مجلس الأمة للجنة الاستعلام والتحقيق يصب في صميم صلاحياته الدستورية في مجال الرقابة من أجل الوقوف على عمل مؤسسات الدولة والمؤسسات التمثيلية الأخرى، ومن أجل تحسس انشغالات المواطنين والوقوف على مدى تطبيق القوانين والأنظمة.. وفي هذا الإطار جاء استحداث هذه اللجنة تناغماً مع سياسة رئيس الجمهورية ووجاهة غاياتها، فضلا عن جهده الجهيد وإرادته في محاربة آفة الاحتكار والمضاربة غير المشروعة التي أخذت أبعادا استفزازية تهدد الاستقرار والتماسك والمناعة المجتمعية للأمة، علاوة على أن ذلك جاء وفق ما يتطابق مع المسؤوليات الدستورية لمجلس الأمة في الوفاء لثقة الشعب وتطلعاته. هذه اللجنة عملت على التحقيق والتقصي في مشاكل الندرة والاحتكار الذي طال بعض السلع والبضائع من المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع في الجهات الأربع للجمهورية، كما حرصت على الوقوف على دوافع هذه الأزمة ومسبباتها الرئيسية ومن يُغذّيها ويحوم حولها بهدف السعي لصد أي مناورات من قبل المضاربين وسلوكياتهم الكيدية المتكررة وأنانياتهم الفردية وطمعهم الشخصي على حساب المنتج والمستهلك على حد سواء. وفي هذا المقام، ينبغي التنويه إلى أنّ استحداث هذه اللجنة على مستوى مجلس الأمة، جاء مواءمةً مع التوجيهات السامية للسيد رئيس الجمهورية، كما يأتي تنفيذاً لمخرجات اجتماع مكتب مجلس الأمة المنعقد يوم 08 يناير 2022 والذي تمخّض عنه اجتماع توجيهي بتاريخ 13 يناير من نفس الشهر.. وبناء على ذلك، فقد اضطلعت اللجنة (التي تشكلت بما يربو عن 50 عضواً) بعملها إلى غاية 09 فبراير 2022، وأنها قد رفعت تقريراً مرحلياً إلى السيد رئيس الجمهورية بتاريخ 20 يناير وتقريراً نهائياً بتاريخ 10 فبراير 2022.. كما يهمني إعلامكم بأن اللجنة قد نزلت لغرض القيام بمهامها هاته إلى بعض الدوائر الوزارية (الداخلية، التجارة، الفلاحة والصناعة) والمصالح ذات الصلة (الجمارك والضرائب) وتنقلت إلى جميع الولايات الحدودية (14 ولاية) ومعها الحواضر الكبرى (06 ولايات).
أين وصلت أشغال اللجنة البرلمانية العليا المشتركة بين مجلس الأمة ومجلس الشيوخ الفرنسي. وكيف تقيم عملها؟ وما دور هذه اللجنة في إعادة الدفء للعلاقات بين الجزائروفرنسا التي تعرف تذبذبا؟ نشير أولا إلى أن التعاون الثنائي على العموم، والبرلماني على وجه الخصوص، القائم بين البلدين يتم في إطار الاحترام التام لسيادة الدولتين.. وبخصوص العلاقات الجزائرية -الفرنسية، في شقّها البرلماني، فهي علاقات جيدة تجمع مجلس الأمة بمجلس الشيوخ الفرنسي، لاسيما أن ثمّة بروتوكول تعاون أُبرم بين المجلسين، شهر سبتمبر 2015. كما تعتبر مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية -الفرنسية، في البلدين، إحدى الآليات التي تساهم في تطوير وترقية العلاقات البرلمانية البينية، زيادة على ذلك، فإنّ تكثيف الحوار والتعاون وتبادل زيارات الوفود البرلمانية كلها عوامل من شأنها المساهمة في تطوير وترقية العلاقات البرلمانية بين البلدين، حيث يمكن للعلاقات الإنسانية البرلمانية أن تكون قاعدة صلبة لتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.. ولكن ينبغي في هذا الجانب، أن أوضح فكرة أساسية مفادها بأنه إلى غاية اليوم، لا تزال فرنسا تواجه مناورات وضغوطات صادرة من بعض اللوبيات والأوساط الممثِلة لبقايا الكولونيالية والتي تتميز باستمرارها بالبكاء على الفردوس الضائع ووهم الجزائر الفرنسية، وتحِن إلى الحقبة الاستعمارية محاولة بذلك تبرير وتمجيد جرائم الاستعمار الفرنسي وما اقترفته منظمة الجيش السري. لذلك نعتبر أنّ نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرتين بفرنسا دليل واضح على وجود هذه اللوبيات والأوساط ذات الطابع الكولونيالي الجديد ، بالرغم من أن كفاح ونضال الشعب الجزائري لم يكن ضد الشعب الفرنسي، ولكن ضد النظام الاستعماري بكل مضامينه.
هل تحقق في نظركم حلم المجاهدين والشهداء الأبرار؟ من المؤكد أنّ حلم الشهداء والمجاهدين قد تحقق باسترجاع الجزائر لحريتها وسيادتها واستقلالها، وتمكنت من إعادة بناء ذاتها التي أراد الاستعمار الفرنسي طمسها وإزالتها، وهذا ما يُعد مصدر فخرنا واعتزازنا، وفي الوقت ذاته، معالم مكّنت وتمكن الجزائر من البقاء ثابتة وشامخة، رافضة لكل شكل من أشكال الخضوع والتبعية، وكل ذلك يذكرنا ويلزمنا بالحفاظ على رسالة وأمانة الشهداء الذين كانت وصيتهم المحافظة على الجزائر قائلين دوما "تهلاو في الجزائر".. وأنّ الجزائر المستقلة تُبدي حرصاً شديداً على صون ذاكرة الشهداء والمجاهدين، ذلك أنّ الذاكرة الجماعية للجزائريات والجزائريين هي مطلبٌ شعبي يتوخى الحفاظ على مآثر وبطولات أسلافنا الميامين، فضلاً عن غاياته في فضح وتعرية الممارسات المقيتة التي اقترفها الاستعمار الغاشم.. وأختم بالقول بأنّ الجزائر الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد أولت ملف الذاكرة العناية التي تليق به وتعتمده أساساً ومنهجاً لن تحيد عنه أبداً، وذلك من منطلق أنّ الحاضر هو غرس الماضي والمستقبل جنيُ الحاضر.