من الصعب التنبؤ بحدوث انفراج كبير في العلاقات بين الجزائر والمغرب بعد خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الذي قدمه للشعب المغربي يوم 30 جويلية الماضي، والذي قوبل بصمت من طرف السلطات الجزائرية، خاصة وأن المغرب قطع أشواطا مهمة في تنويع أشكال استفزازاته وعدوانه للجزائر. ولعل توالي الزيارات الرسمية للمسؤولين العسكريين والأمنيين للدولة العبرية إلى المملكة، جعل الطرف الجزائري ينظر لهذا التطبيع بمثابة تهديد أمني من الصعب أن يمحوه خطاب مهما كانت نواياه تبدو حسنة. طلب رئيس الأركان الإسرائيلي خلال إقامته التي استمرت ثلاثة أيام بتاريخ 18/07/22 في المغرب أن يتمكن جيشه من استخدام القواعد العسكرية المغربية! ويبدو جليا أن التعاون العسكري الجديد بين الرباط والكيان الصهيوني بدأ يأخذ منعرجات أمنية خطيرة بالنسبة للجزائر بصفة خاصة ومنطقة شمال إفريقيا بصفة عامة. ما طلبه رئيس الأركان الإسرائيلي للتو من نظرائه المغاربة، هو سبب إضافي للدول المجاورة، بما في ذلك الجزائر، لعدم الترحيب بالتقارب العسكري المتزايد بين إسرائيل والمغرب. يحدث هذا في وقت لاتزال المنظمات والأحزاب المغربية المناوئة لهذا التطبيع، تنظم العديد من التظاهرات والفعاليات المناهضة لهذا التحالف مع الشيطان الصهيوني. لكن ماذا يحاك في الخفاء من وراء هذا التحالف العسكري؟ البداية كانت في ديسمبر 2020 عندما أعلنت إسرائيل والمغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما التي توقفت عام 2000 بسبب اندلاع "الانتفاضة" الفلسطينية الثانية. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه، وقعت الحكومة المغربية "إعلانا مشتركا" مع إسرائيل والولايات المتحدة، خلال الزيارة الأولى لوفد رسمي إسرائيلي أمريكي إلى العاصمة الرباط. وفي مارس 2022 وقع الجيش الإسرائيلي على مذكرة "تعاون عسكري" مع المغرب خلال الزيارة الأولى لوفد عسكري إسرائيلي إلى المغرب. ويجب أن نذكر أن الروابط بين أجهزة المخابرات في البلدين، لم تنقطع منذ إنشاء الدولة اليهودية. وقد حافظ العديد من اليهود من أصل مغربي على هذا الارتباط في أحلك الظروف. وذكر الجيش الإسرائيلي حينها في بيان ورد إلى وكالة الأناضول، أن التوقيع جرى بعد لقاء بين رئيس السلطة الاستراتيجية والدائرة الثالثة بالجيش "تل كيلمان" وقائد لواء العلاقات الخارجية "آفيدافرين" والقائد لواء تنشيط جهاز المخابرات (الذي لم تكشف هويته) في المغرب. وقال البيان: "التقى القادة خلال الزيارة باللواء "دكور دارمي الفاروق بلخير" المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقادة هيئة الأركان العامة". ولكن التطور الجديد جاء عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي "أفيف كوخافي". وكان في استقباله رئيس الأركان "حرس الشرف" وعدد من المسؤولين لدى وصوله. وخرجت مظاهرة عارمة للتنديد بزيارته، وهي دليل على رفض شرفاء المغرب لهذه الزيارة وكل سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني التي ينتهجها المخزن. ويجب التذكير أن "أفيف كوخافي" هو أول رئيس أركان إسرائيلي يزور المغرب في رحلة رسمية. وحظي "كوخاني" بتشريفات ومقابلات على أعلى مستوى، حيث التقى بوزير المالية المغربي "عبد اللطيف الوديي" وقائد القوات المسلحة الملكية "بلخير الفاروق" ورئيس إدارة المخابرات المغربية "إبراهيم حسني" ومسؤولين بارزين آخرين في وزارة الدفاع. وتناولت اللقاءات مناقشة فرص التعاون العسكري، سواء من حيث التدريبات، وسبل تطوير المجالات العملياتية والاستخباراتية. كما يجب أن نذكر أنه في نوفمبر الماضي، وقع وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس" مذكرة تفاهم مع نظيره المغربي في الرباط - وهي أول اتفاقية من نوعها على الإطلاق بين الدولة اليهودية ودولة عربية، وأضفى هذا الاتفاق طابعا رسميا على العلاقات الدفاعية بين البلدين، ما سمح بتعاون أكثر سلاسة وسهل على إسرائيل لبيع الأسلحة للمملكة المغرية. وليس ببعيد وفي الشهر الماضي، شارك ضباط وممثلون إسرائيليون عن وزارة الدفاع في مناورة الأسد الإفريقي 2022 العسكرية، وهي الأكبر في القارة الإفريقية، والتي شارك في تنظيمها المغرب والولايات المتحدة كمراقبين. وبات هذا التحالف الاستراتيجي والعسكري، الذي أبرم بمباركة واشنطن، يثير قلقا متزايدا للجزائر التي تلعب حاليا دورا إقليميا بارزا لاسيما دعمها الثابت لتقرير مصير كل من الصحراء الغربية ودعمها المطلق للقضية الفلسطينية، حيث حط الكيان الصهيوني رحاله على مقربة من حدود الجزائر الغربية، فهو على الأبواب بمباركة المخزن. وتضمنت اتفاقية التعاون الأمني قسما لتطوير الصناعة العسكرية التي تهدف إلى منح المغرب ميزة تكنولوجية وعسكرية على جارتها الجزائر، ما أدى إلى مزيد من التدهور في العلاقات المتوترة للغاية بالفعل بين المغرب والجزائر، وصلت إلى حد قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، بعد تصعيد المخزن لسلسلة من الأحداث ذات الصلة بالأمن الداخلي ووحدة التراب الوطني، ونذكر بشكل خاص التنصت على المكالمات الهاتفية للمسؤولين الجزائريين باستخدام برنامج التجسس المعروف ببيغاسوس Pegasus أو دعوة السفير المغربي لدى الأممالمتحدة لصالح الحكم الذاتي لمنطقة القبائل - والتي تعتبرها الجزائر خطا أحمر. ولعل أبرز النوايا العدوانية التي عبر عنها المخزن ببشاعة هو "تعرض ثلاثة رعايا جزائريين في 1 نوفمبر 2021 لاغتيال جبان في قصف همجي لشاحناتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة في إطار حركة مبادلات تجارية عادية بين شعوب المنطقة". وكان بيان رئاسة الجمهورية الذي أورد الخبر قد كشف أن "عدة عناصر تشير إلى ضلوع قوات الاحتلال المغربية بالصحراء الغربية في ارتكاب هذا الاغتيال الجبان بواسطة سلاح متطور". وأكدت عدة مصادر أن المغرب استعمل على ما يبدو سلاح "درون" إسرائيليا. وقالت الرئاسة الجزائرية في بيانها إن "اغتيالهم لن يمضي دون عقاب"، مشيدة ب"الضحايا الأبرياء الثلاثة لعمل إرهاب الدولة". ولتبيان درجة التعاون والتنسيق بين الجيشين المغربي والإسرائيلي، نذكر بما نقلته قناة تلفزيونية إسرائيلية رسمية، حيث أفادت "أن طائرة تابعة للقوات الجوية المغربية من طراز F-16 هبطت في قاعدة "حتسور" الجوية الإسرائيلية في جويلية 2021". وبحسب وكالة الأناضول التركية التي نقلت المعلومات، زعمت مصادر إسرائيلية أن طائرة نقل من طراز Hercules C-130 هبطت على مدرج القاعدة المذكورة وعلى متن الطائرة، مقاتلة ف 16 تابعة لسلاح الجو الملكي. وشارك الجيش المغربي في مناورة عسكرية مخطط لها في إسرائيل، ويفترض أنها كانت تهدف إلى محاكاة رد على عدوان "إيراني أو جزائري مفترض". لم تذكر السلطات المغربية ولا وسائل إعلامها مثل هذه الخطوة، التي من الواضح أنها بقيت سرية بسبب الإحراج. ومع ذلك، فإن تحليل التعاون الإسرائيلي المغربي فقط من خلال المنظور الجزائري المغربي فقط، سيكون بمثابة خطأ في التقييم وفهم أبعاد هذا التحالف. في الواقع، فإن جل البلدان حول البحر الأبيض المتوسط ، بدءا من إسبانيا، تشعر بالقلق أيضا. فالتعاون العسكري الجديد بين الرباط وتل أبيب يمكن أن يغير الوضع "الجيوأمني" في المنطقة.. كيف؟ يمكن للمغرب أن يكون أكثر جرأة واستفزازا بسبب علاقاته الجديدة مع إسرائيل وواشنطن، وبالتالي سيجعل التغول العسكري أكثر عدوانية في مواجهته مع إسبانيا. حتى الآن، يحاول المغرب يائسا تعزيز صورته كحليف موثوق به مع المجتمع الدولي، على الرغم من كونه أكبر مصدر في العالم للقنب واحتلاله للصحراء الغربية منذ انسحاب إسبانيا من تلك المنطقة في عام 1975 ليجعل نفسه في وضع غير قانوني بموجب القانون الدولي. ويؤكد الكثير من المحللين وحتى الصحافة الدولية أنه على المستوى الإقليمي، من المحتمل أيضا أن يكون للاتفاق مع إسرائيل عواقب مهمة. فالمغرب بتسليح أفضل يكون أكثر عرضة للدخول في نزاع عسكري، حتى في أضيق الحدود، مع الجزائر أو مع جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية وهذا حدث بالفعل، والمغرب الكبير، وكذلك منطقة الساحل وإفريقيا الناطقة بالفرنسية ككل، ستشعر بصدماتها في قلب أوروبا على المديين المتوسط والبعيد. لأن زعزعة الاستقرار في شمال إفريقيا سيؤدي حتما إلى موجة هجرة إلى أوروبا على نطاق لم يسبق له مثيل من قبل. علاوة على ذلك، وبسبب أهمية المجتمع الفرنسي المغاربي الحي في فرنسا، فإن أي نزاع مسلح ضد الجزائر يغذيه وهم اكتساب تفوق عسكري مستمد من هذا التحالف العسكري بين إسرائيل والمغرب، حتى لو كان منخفض الشدة، لا يمكن أن يكون له سوى تداعيات جد خطيرة على الأمن الداخلي في فرنسا. ويمكن لباريس، على وجه الخصوص، أن تضع نفسها كمحاور وشريك مفترض في جميع أنحاء المنطقة المغاربية إذا أنهت دعمها غير المشروط للاحتلال المغربي للصحراء الغربية. تطور سيكون أكثر فائدة لأنه في الوقت الذي يبحث فيه الأوروبيون عن بديل للغاز الروسي، يمكن للجزائر أن تثبت أنها بديل مهم في هذا المجال. وبحسب صحيفة "لو ديسك" المغربية اليومية الإلكترونية، طلب رئيس الأركان الإسرائيلي خلال إقامته التي استمرت ثلاثة أيام في المغرب أن يتمكن جيشه من استخدام القواعد العسكرية المغربية! وحتى نضع القارئ في الصورة لفهم خبايا تودد المخزن للكيان الصهيوني، سنسرد بعض الوقائع التي تبين جزءا قليلا من خبايا هذا التحالف مع إسرائيل. فلقد استضاف الجيش الإسرائيلي الصيف الماضي وحدة "كوماندوس" من القوات المسلحة الملكية للمشاركة في مناورة لقوات العمليات الخاصة متعددة الجنسيات تسمى "HD ANNUAL-21"، والتي جرت في القاعدة العسكرية الإسرائيلية في "الياكيم" في الفترة من 5 إلى 8 جويلية 2021. باعت إسرائيل للمغرب أنظمة أسلحة مختلفة في الماضي، بما في ذلك طائرات من دون طيار وبرامج إلكترونية وأنظمة دفاع صاروخي. نحن نتحدث عن حجم صفقات قدره مليار دولار في عام 2021. في نفس السياق ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن الرباط مهتمة اليوم بشراء نظام صاروخ أرض-جو متوسط المدى Barak-MX. وهو نظام متكامل لمواجهة مجموعة واسعة من التهديدات الجوية التي تتراوح من طائرات الهليكوبتر والطائرات إلى الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز. كما تهتم دول الخليج بالحصول على النظام كجزء من نظام الدفاع الإقليمي الناشئ مع إسرائيل. اشترى المغرب في عام 2014، ثلاث طائرات من دون طيار من طراز Heron من صنع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية مقابل 50 مليون دولار. "طائر المالك الحزين"، الذي وصل السوق في عام 2000، يمكنه البقاء في الهواء لمدة 45 ساعة والوصول إلى ارتفاع 35000 قدم. وفقا للمعلومات المتاحة للجمهور، لم تكن الصفقة لطائرات من دون طيار مسلحة، ولكن من أجل Heron 1، المزودة بأجهزة استشعار، وحسب موقع صناعات الطيران الإسرائيلية، فالطائرة لها القدرة على "جمع المعلومات الاستخباراتية المعقدة والمراقبة والدوريات وتحديد الأهداف وتنفيذ مهام في مختلف التضاريس". من جهة أخرى، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية في نوفمبر 2021، أن المغرب استحوذ على طائرات "هاروب" من دون طيار، التي تصنعها شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، مقابل 22 مليون دولار. وعلى عكس الطائرات من دون طيار التي تم تطويرها للمراقبة أو الهجوم، والتي تم تصميمها للعودة إلى الوطن بمجرد اكتمال مهمتها، فإن Harop هي طائرة من دون طيار "ذخيرة"، والمعروفة باسم "طائرة من دون طيار Kamikaze"، بمعنى آخر، تدمر نفسها بنفسها مثل الصاروخ عندما تهاجم الهدف المحدد لها. وإذا لم يجد Harop هدفه، فيمكن إعادته إلى قاعدته الرئيسية. وتشمل الصفقة بيع أنظمة الرادار المصنعة من طرف شركة Elta System وتشمل الصفقة أيضا نظاما مضادا للطائرات من دون طيار من إنتاج شركة Skylock. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على مشروع لتحديث الطائرة المقاتلة من طراز F-5 تابعة لسلاح الجو المغربي. وصلت هذه الطائرات، التي كانت تستغلها القوات الجوية الأمريكية أثناء حرب فيتنام، إلى المغرب في السبعينيات، وهذه الطائرات القديمة مستخدمة منذ ذلك الحين وتحتاج إلى تحديث. أما الآن، فالجيش الإسرائيلي صاحب النزعة العدوانية، يسعى جاهدا إلى وضع قدمه في المغرب باستغلال قواعد عسكرية، وهو مؤشر على تصعيد عسكري وأمني ستكون له تداعيات وخيمة على المغرب واستقرار شمال إفريقيا. وهو بمثابة إعلان حرب ضد الجزائر التي من حقها أن تتحفظ على تودد الملك محمد السادس لها في وقت لم يزل الأسباب الحقيقية وراء تصاعد الأزمة وقطع العلاقات بين البلدين.