بعد 8 سنوات من انعقاد الطبعة الأولى التي انتظمت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، تحتضن الولاياتالمتحدة الطبعة الثانية من القمة الأمريكية الإفريقية ما بين يومي 13 و15 ديسمبر الجاري، يأتي الحدث في سياق تغيرات عالمية عميقة رسمت بشكل نهائي الانتقال من نظام الأحادية القطبية إلى عالم متعدد الأقطاب تتصارع فيه واشنطن مع قوى صاعدة على غرار الصينوروسيا على مناطق النفوذ عبر العالم. الرئيس الأمريكي، جو بايدن، استبق الحدث الذي يشارك فيه ممثلو 49 دولة من أصل 55 دولة إفريقية، بإطلاق إعلانين الأول عبر فيه عن دعمه لانضمام الاتحاد الإفريقي لمجموعة ال230 الاقتصادية التي تضم أكبر الاقتصاديات في العالم، والثاني بخصوص تقديم 55 مليار دولار للقارة الإفريقية، أي بعدد الدول الأعضاء في الاتحاد، كإعانات خلال السنوات الثالثة القادمة. خطوات بايدن تدخل في إطار محاولات إدارته إعطاء زخم للعلاقات بين بلاده والقارة الإفريقية التي أصبحت مسرحا لصراع حول النفوذ آخذ في الاشتداد بين القوى الدولية التقليدية والصاعدة، خاصة وأن إفريقيا تعد مصدرا كبيرا للمعادن خاصة منها النادرة، وسوقا اقتصاديا كبيرا ينظر إليه كأحد الأسواق الأكثر نشاطا عبر العالم. وتجد الولاياتالمتحدة نفسها متأخرة مقارنة بغريمتها الصين التي غزت الأسواق الإفريقية وأخذت موقعا متقدما منذ أكثر من عقد، حيث تعد بكين الشريك الاقتصادي الأول مع إفريقيا منذ سنة 2009، وبلغ إجمالي التجارة الثنائية أكثر من 254 مليار دولار عام 2021، بزيادة 35 في المائة عن عام 2020، متفوقة على الولاياتالمتحدة وكل الدول الغربية، كما تعتبر أكبر دائن للدول الإفريقية، ومن أكبر المستثمرين في مجال البنى التحتية الذي تعزز من خلال مبادرة "الحزام والطريق". ويبرز تنامي الاهتمام الأمريكي بالقارة الإفريقية، وهو ما تكشف عنه تنظيم هذه القمة، في إطار الصراع على النفوذ بين الولاياتالمتحدةوالصين وبدرجة أقل روسيا، ليس حول إفريقيا فقط بل في كل المناطق عبر العالم، على غرار الصراع حول بحر الصينالجنوبي بغرض التحكم في مسارات التجارة العالمية ومصادر الطاقة والمعادن والأسواق التجارية يكشف حجة الصراع بين القوتين. وتدفع الولاياتالمتحدة اليوم ثمن تأخرها بإفريقيا نتيجة سياساتها تجاه القارة التي حصرتها فقط في التعاون الأمني والعسكري على حساب الحضور الاقتصادي الذي يعد عصب تثبيت النفوذ في العالم، مع الإشارة إلى أن الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب همش القارة بل أطلق تجاهها تصريحات عنصرية بعد وصفه المهاجرين القادمين من القارة بالحثالة. وفي سبيل استدراك هذا التأخر وضعت واشنطن إستراتيجية "إفريقيا الجديدة" التي أميط اللثام عنها الصيف الماضي، في إطار إصلاح شامل للسياسة الأمريكية في دول إفريقيا جنوب الصحراء لمواجهة الوجود الصيني والروسي الذي زاد حجمه خلال السنوات الأخيرة خاصة عسكريا وتجلى ذلك في إفريقيا الوسطى ومالي وحاليا ببوركينا فاسو عن طريق دعم التعاون الأمني والعسكري.