رسالة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بمناسبة الدورة السابعة عشر (17) لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.. بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين يُسعدني الترحيبُ بكم في بلدكم الجزائر، في ضيافةِ الشَّعبِ الجزائري، الذي يَتطلَّعُ مع شعوبِ عالمنا الإسلامي إلى بَعْثِ رُوحٍ جَديدة في عملكم الجماعي، لِعزَّةِ ديننا وأوطاننا. إنَّكُم تَلتقون - اليوم - أَنْتُم حَامِلي تَطلُّعَاتِ شُعُوبِنا الإسلاميةِ- في سِياقٍ دَوْليٍّ وإقليميٍّ يَشْهَدُ نِزاعاتٍ وصراعاتٍ مُعقَّدة، وأزماتٍ متعددة أبرزها ما يتعلق بالطاقة والغذاء، التي تعصف بكامل المعمورة، بالإضافة إلى أخطار محدقة أخرى، مثل الإرهاب والاختراقِ الفكريِّ المُراد بِه المَسَاسُ بِمرْجِعِيَاتِنا، وتَفْكِيكِ مُجْتَمَعاتِنا. ولَقَد وُفِّقْتُم في اختيارِ شعار ِهذه الدّورة " رهاناتُ الحداثة والتنمية "، في ظلِ التهديداتِ المُتَفاقِمةِ، وتأثيرات العالم الافتراضي، التي فرضتْ واقعًا يَسْتَوْجِبُ تَعزيز أواصر التعاون بين شعوبنا وتفعيل آليات العمل التضامني في البحث عن الأساليب الكفيلة بإيجاد الحلول الملائمة، وتغليبِ لغةِ الحوار بعيدًا عن كل أشكال التعصب والتطرف. إن التحديَّاتِ الكبيرة التي يفرضها الوضع العالمي المتأزم لا تُنْسينا الأزمات السياسية والأمنية، وبؤر التوتر ورهانات التنمية، التي يُعاني منها عالمنا الإسلامي والتي تشكل - بالتأكيد - أُمَّهاتِ القضايا المطروحةِ على أجندة اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. وبهذا الصدد فإن القضية الفلسطينية، ستبقى القضيةَ المركزية الأولى للأمة الإسلامية، ولمنظمة التعاون الإسلامي واتحاد مجالس دوله الأعضاء .. وإنّنا في هذه السانحة، ندعو إلى مضاعفة الجهود لحشد المزيد من الدعم السياسي والمادي لتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود إزاء ما يتعرض له من جرائم ممنهجة واسعة النطاق، خاصة في ظلِّ تعنُّتِ الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار انتهاكاته الجسيمة من خلال توسيع مستوطناته، وآخرها انتهاك مقدسات المسجد الأقصى. وفي هذا السياق، فإن الجزائر إذ تُجدد تمسكها والتزامها بمبادرة السلام العربية بكافة عناصرها الرامية إلى ضمان تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة، ستعمل مع الأشقاء في العالم الإسلامي .. ومع كل الدول المناصرة للحق والحرية في العالم على تكريس العضوية الكاملة لدولة فلسطين في منظمة الأممالمتحدة. وإنني في هذا المقام، وفي الوقت الذي أُجدد التهاني الصادقة للإخوة الأشقاء الفلسطينيين على التوافُقِ حول "إعلان الجزائر التاريخي" للمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، أدعو اتحادكم الموقّر إلى مرافقة الإخوة الفلسطينيين نحو استكمال هذا المشروع الوطني، وتنفيذ الاستحقاقات الوطنية المنصوص عليها في خارطة الطريق المعتمدة. إن الجزائر وهي تتابع باهتمام التطورات الحالية في بعض بلدان العالم الإسلامي الشقيقة (اليمن، ليبيا، سوريا والسودان)، تَظلُّ على استعداد دائمٍ للمساعدة في البحث عن السبل المُفضية إلى التوافق والاستقرار، وتبقى حريصةً على الدعوة للحوار الشامل والمصالحة الوطنية. واسمحوا لي أن أنتهز هذه الفرصة، ونحن نعتَزُّ جميعًا بما تزخر به أُمَّتُنا الإسلامية من علماء، نساءً ورجالًا، مُتشبِّعين بفضائل الحوار، ونجاعة الدِّبلوماسية الوقائية، وأُلْفِتُ كريمَ نظركم إلى التفكير في استحداث لجنة للعقلاء، تساهم في فض النزاعات، وتغليب لغة الحوار لحل الأزمات في عالمنا الإسلامي. أيتها الأخوات .. أيها الإخوة، إنّ مظاهر العداء والكراهية ضد المسلمين التي تسببت في تَزايُدِ التمييز والتهميش والإقصاء، تستلزم مضاعفةِ الجهود والاجتهادات لإيجاد صِيَغٍ حضاريةٍ، نَتصدى بها للتمييز الممنهج ولمشاعر معاداة الإسلام والكراهية واللاتسامح. فالإسلام السمح هو دين الوسطية والاعتدال، والمُثُلِ الإنسانية العليا، وإنني في الأخير أضع تحت نظركم هذه المبادرة بآليات عملية لتعزيز التعاون والتضامن الإسلامي، وهي: 1- إنشاء مركز بحث لتعزيز المناعة الفكرية، إزاء التحولات الرقمية المتسارعة التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، ويكون هذا المركز ضمن جهاز الاتحاد، والجزائر مستعدة لاحتضانه. 2- بعث استراتيجية للتعاون الفكري، والإلكتروني والسيبيراني بين الدول الأعضاء في الاتحاد. 3- إنشاء حاضنة لاستقطاب وترقية المؤسسات الناشئة والمشاريع المبتكرة لفائدة الشباب. متمنيًا لكم إقامة طيبة بين إخوانكم في الجزائر .. أدعو الله تعالى أن يُكلل أعمالكم بالتوفيق. ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ صدق الله العظيم