يجيب عبد الوهاب يعقوبي، عضو المجلس الشعبي الوطني، ممثلا للجالية الجزائرية بالخارج، تحديدا المنطقة الأولى باريس، على أسئلة طرحتها عليه "الخبر"، تتعلق بمصير ملف "الاشتغال على الذاكرة" مع فرنسا، بعد تشكيل حكومة يسيطر عليها اليمين، المعروف بمعارضته الشديدة لما يعرف ب"مصالحة الذاكرتين"، وفق تعبير الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. كما يعرض توقعاته بشأن تعامل وزير الداخلية الجديد، برونو روتايو، مع المهاجرين الجزائريين، قياسا إلى مواقفه المعلنة بالتصدي للهجرة.
يبدو التوجه اليميني طاغيا على الحكومة الفرنسية الجديدة، والمعروف أن لممثليه مواقف معادية من مسألة "مصالحة الذاكرتين"، التي يطرحها الرئيس ماكرون. هل تتوقع أن يتم تضييق هامش المناورة عليه، في هذا الملف، خصوصا أنه عبّر منذ يومين، عن رغبته في تحقيق تقدم بخصوص أعمال "لجنة الذاكرة"؟ نعم، يمكن أن يؤدي توجه الحكومة الجديدة بقيادة ميشال بارنييه، التي تتسم بطابع يميني، إلى تضييق هامش المناورة أمام الرئيس ماكرون في ملف "مصالحة الذاكرتين"، المتعلق بفترة بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر إلى اندلاع حرب التحرير. أبرز شخصيات هذه الحكومة تعبر بوضوح عن تحفظها، بل رفضها، لمبادرات ماكرون الهادفة إلى معالجة الجراح التاريخية بين فرنساوالجزائر. وتعتبر القيادات اليمينية أن "مصالحة الذاكرتين" تثير توترات داخلية، حيث يرون في إحياء هذا الملف مخاطرة سياسية قد تعمق الانقسامات المجتمعية. ويعزز هذا الموقف الضغط على ماكرون للحد من طموحاته في هذا الشأن، خاصة أن التيار اليميني يعارض بشدة أي إعادة نظر في تاريخ الاستعمار الفرنسي، باعتبار أن ذلك يمس بالهوية الوطنية ويغذي الحركات المناهضة للاستعمار داخل فرنسا، بالتالي، قد تواجه رغبة ماكرون في المضي قدما في أعمال "لجنة الذاكرة" تحديات كبيرة في ظل وجود شخصيات قوية في الحكومة تعارض هذا المسعى علنا. ورغم إصراره على تحقيق تقدم في هذا الملف، فإن المناخ السياسي الحالي قد يعرقل خطواته، ما قد يضطره إلى تبني نهج أكثر حذرا أو تأجيل التقدم في هذه المبادرة.
رأس الحربة في هذا التوجه، هو وزير الداخلية، برونو روتايو، المنتمي إلى اليمين الليبرالي المحافظ، والمدافع عن اتباع سياسة حازمة تجاه الهجرة. أنت كبرلماني يمثل المهاجرين في فرنسا، هل تتوقع مزيدا من التضييق عليهم وتصعيد الضغط على الجزائر في مسألة إصدار التراخيص القنصلية لإبعاد "الحراڤة"؟ من المتوقع أن يواجه المهاجرون في فرنسا، وخاصة "الحراڤة" (المهاجرين غير الشرعيين)، تضييقا أكبر مع توجهات الحكومة تحت قيادة وزير الداخلية برونو روتايو، فهو معروف بانتمائه إلى اليمين المحافظ، ويدعو إلى سياسة صارمة تجاه الهجرة، ويؤيد تشديد الرقابة وفرض المزيد من الضغوط على الدول التي لا تتعاون لاستعادة مواطنيها، مثل الجزائر. في إطار تصعيد الضغط على الجزائر بخصوص إصدار التراخيص القنصلية لإعادة المهاجرين غير الشرعيين، يُتوقع أن تتخذ الحكومة الفرنسية إجراءات أكثر تشددا. روتايو، وغيره من الشخصيات اليمينية، يرون أن الجزائر لا تبدي تعاونا كافيا في هذا المجال، ما قد يدفع فرنسا إلى تقليص عدد التأشيرات، بما في ذلك التأشيرات الدبلوماسية، كما أشار إليه السفير الفرنسي السابق، كزافييه دريانكور، في كتابات صحفية. هذا التشدد قد يزيد من صعوبة الدفاع عن حقوق المهاجرين، خاصة إذا واصلت الحكومة اتباع سياسات أكثر حدة تجاه الهجرة. كما أن العلاقة بين فرنساوالجزائر قد تشهد توترا إضافيا، إذا استمر الضغط في قضية "الحراڤة". وعليه، من الضروري تعزيز الحوار بين الطرفين لتجنب تصعيد قد يؤثر سلبًا على هذه الفئة الهشة من المهاجرين، ويزيد من التوترات بين المجتمعين الفرنسي والجزائري.
في 26 جوان 2023، قدّم روتايو، كسيناتور، مقترح لائحة بمجلس الشيوخ، يطالب فيه بإلغاء اتفاق الهجرة 1968. هل تتصور أن يفعّل هذا التوجه بعد أن أصبح على رأس الوزارة المكلفة بتسيير الهجرة؟ بداية وجب التذكير بخلفيات الاتفاقية الثنائية التي أمضيت في ديسمبر 1968، والتي تنظم دخول وإقامة الجزائريين في فرنسا. بعد توقيع اتفاقيات إيفيان بين الجزائروفرنسا، عام 1962، التي اعترفت باستقلال الجزائر وضمنت للجزائريين المقيمين في فرنسا حقوقا مشابهة لتلك التي يتمتع بها المواطنون الفرنسيون، شهدت هذه الحقوق تراجعا تدريجيا، على الرغم من أن الاتفاقيات الأصلية كانت تضمن حرية التنقل والمساواة، إلا أن التعديلات الإدارية والتشريعية اللاحقة فرضت قيودا متزايدة على دخول وإقامة الجزائريين في فرنسا. تضمنت هذه القيود أربع مراحل رئيسية، بدأت باتفاقية 1968 التي فرضت متطلبات جديدة مثل إلزامية جواز السفر وتصاريح الإقامة، وتبعتها ثلاثة تعديلات في 1986 و1994 و2001، التي زادت من صرامة نظام دخول وإقامة الجزائريين. كما شهدنا فترة بعد فترة تراجعا كبيرا في أعداد التأشيرات الممنوحة. وعلى مر السنين، انتقل الجزائريون من نظام ييسّر حركتهم إلى نظام صارم ومعقد، وهو ما يستدعي إعادة النظر في هذه التراجعات بما يتماشى مع روح اتفاقيات إيفيان، التي ضمنت للجزائريين المساواة في الحقوق مع الفرنسيين، خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية وحرية التنقل. وبالعودة إلى سؤالكم، نعم من المحتمل أن يسعى روتايو، بعد توليه وزارة الداخلية، إلى تفعيل اقتراح إلغاء اتفاق الهجرة لعام 1968. فمواقفه السابقة كرئيس كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ تعكس توجهه الحازم تجاه قضايا الهجرة والاتفاقية الثنائية خصوصا، ولعله سيستخدم صلاحياته الوزارية لدفع هذه السياسات قُدما من خلال تشديد القوانين المتعلقة بالهجرة، وزيادة الضغوط على الدول "المصدّرة" للمهاجرين. هذه الإجراءات قد تشمل تعزيز عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتعديل القوانين ذات الصلة. في غضون ذلك، تبقى معادلة البرلمان غير مستقرة، حيث يمكن أن تواجه الحكومة الفرنسية معارضة قوية من أحزاب مثل "فرنسا الأبية" و"التجمع الوطني". وهناك احتمال حقيقي لسقوط الحكومة خلال مناقشة قانون المالية لعام 2025، حيث يُتوقع أن تتعرض لضغوط كبيرة.