لم يكن فوزا جميلا، ولكن الفوز المثير الذي حققه نادي بوروسيا دورتموند الألماني في الوقت المحتسب بدلا من الضائع ليصل إلى المربع الذهبي لبطولة دوري أبطال أوروبا الثلاثاء أصبح أحدث فصول الانتصارات الدرامية في كتب تاريخ كرة القدم. ولم يكن هدفا ماركو ريوس وفيليبي سانتانا اللذان جاءا خلال الوقت المحتسب بدلا من الضائع في إياب دور الثمانية بدوري الأبطال الثلاثاء أمام ملقا الأسباني سببا في تأهل دورتموند إلى الدور قبل النهائي، لتفوقه 3-2 في مجموع مباراتي الذهاب والعودة، وحسب، ولكنهما اعتبرا خطوة أخرى نحو فرض نوع من السيطرة الثنائية، كالتي يتمتع بها برشلونة وريال مدريد في أسبانيا، على الكرة الألمانية بالاشتراك مع بايرن ميونيخ. وما أن تمكن يورغن كلوب مدرب دورتموند من إلتقاط أنفاسه عقب المشاهد الأخيرة المحطمة للأعصاب بمباراة الثلاثاء حتى قال: “كانت هذه أسوأ مباراة قدمناها بدوري الأبطال، ولكنكم أيضا رأيتم حرص الفريق على التأهل”. وأضاف: “لا تخلد المباريات العظيمة في كرة القدم في ذاكرتنا لأنها كانت رائعة الأداء بل لأنها كانت متقاربة المستوى ومثيرة، لأنها تحتوي على تغيرات وتحولات لم يكن أحد يتوقعها، لن أنس هذه المباراة أبدا”. وفي الوقت الذي تحدثت فيه صحف مثل “سويدويتشه تسايتونج” عن وجود غصة في الحلق بسبب هدف دورتموند الأخير الذي جاء من تسلل واضح مما أثار موجة من الغضب ونظريات المؤامرة في ملقا وأسبانيا بصفة عامة، فقد اكتفت صحف أخرى مثل “بيلد” بالتحدث عن “معجزة دورتموند”. فبطريقة أو بأخرى، يعتبر ما وصل إليه دورتموند حاليا معجزة حقيقية، فقد أحرز الفريق لقب الدوري الألماني (بوندسليغا) في عامي 2011 و2012 وهو الآن يتطلع لإحراز لقب دوري الأبطال الذي سبق له الفوز به في عام 1997 . ولكن قبل ثمانية أعوام، بدا دورتموند وكأنه سيدفع ثمنا غاليا للغاية لإنفاقه على نجاحاته وعلى استاده العملاق الذي يسع 80 ألف متفرج، الذي أنشأه في تسعينات القرن الماضي، عندما أشهر إفلاسه. وأجبر برنامج تقشف قاس النادي الألماني وقتها على الاعتماد على المواهب الشابة بالفريق بدلا من شراء أي نجوم جدد، وهذا ما تحول، متزامنا مع برنامج تطوير ناشئي كرة القدم في ألمانيا لتحقيق النجاح الدولي، إلى مفتاح النجاح بالنسبة لدورتموند تحت قيادة كلوب. وتألق العديد من اللاعبين الشباب مثل ماريو غوتزه وكيفين جروسكرويتس من خلال اللعب لفترات طويلة، وأصبح دورتموند أول فريق ألماني يطبق بنجاح نفس طريقة أداء برشلونة المعتمدة على التمريرات القصيرة السريعة. وإن كان الأمر تطلب من دورتموند العودة إلى الطرق العتيقة في اللعب من حيث التمريرات الطويلة إلى داخل منطقة الجزاء لكي يحقق فوز الثلاثاء. ومازال دورتموند هو الفريق الوحيد الذي لم يتعرض لأي هزائم بهذا الموسم من دوري الأبطال رغم وجوده في مجموعة صعبة في البداية تضم ريال مدريد ومانشستر سيتي وأياكس أمستردام، كما تغلب دورتموند على شاختار دونتسيك الأوكراني في دور ال16 قبل أن يفلت من الهزيمة أمام ملقا في دور الثمانية. ولا يخشى دورتموند مواجهة أي فريق بالدور قبل النهائي لدوري الأبطال والذي ستكون المنافسة فيه أسبانية ألمانية بعد انضمام بايرن ميونيخ وبرشلونة الأربعاء إلى دورتموند وريال مدريد في هذا الدور على حساب يوفنتوس الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي. كما رفع التأهل للمربع الذهبي لدوري الأبطال دخل دورتموند من البطولة الأوروبية إلى نحو 50 مليون يورو. وهذا الأمر بخلاف احتلاله المركز الثاني حاليا بترتيب البوندسليغا بما يمنحه بطاقة التأهل المباشر لدوري الأبطال بالموسم المقبل، يزيد من مخاوف ارتقاء بايرن ودورتموند بمستواهما بعيدا عن باقي فرق ألمانيا. ويفرض برشلونة وريال مدريد حاليا سيطرتهما تماما على منافسات الدوري الأسباني، ويتوقع الكثيرون مشاهدة سيناريو مماثل في البوندسليغا الذي رغم استئثار بايرن وحده ب22 لقبا من ألقابه خلال 50 عاما ، لطالما افتخر بتعادل موازين القوى لديه. ويقول هيربرت بروشهاغن رئيس نادي آينتراخت فرانكفورت إن “الفجوة بين الفرق الألمانية المشاركة في دوري الأبطال والفرق الأخرى أصبحت كبيرة، وتزداد اتساعا”. وفي الوقت الذي مازال بايرن يحافظ فيه على مكانته كأغنى نادي في ألمانيا ونجح في إبراز قوته هذا الموسم بحسم لقب الوبندسليغا في زمن قياسي جديد، فإن قيادة النادي البافاري تعتبر دورتموند منافسا حقيقيا له خلال السنوات المقبلة. وباتت مواجهات الفريقين سويا تحظى باهتمام دولي، أما إذا أوقعتهما قرعة مباريات المربع الذهبي لدوري الأبطال في مواجهة أحدهما الآخر فهذا يعني أنهما سيلتقيان ثلاث مرات خلال 11 يوما بما أنهما سيلتقيان على أي حال ضمن منافسات البوندسليجا في بداية أيار/ مايو المقبل. وأكد مسئولو دورتموند أن النادي لن يقوم بأي مجازفات مالية بسوق انتقالات اللاعبين هذا الصيف، ولكنهم أيضا أبدوا استعدادهم لمنح كلوب عمقا أكبر وقدرة إنفاقية أكبر إذا كان ذلك ضروريا. وقال مايكل زوك مدير الكرة في دورتموند: “نريد الاستقرار على أعلى مستوى للمنافسة” مشيرا إلى رغبة فريقه في المحافظة على مكانه المتميز بقمة الكرة الألمانية حاليا. ولاشك في أن تفضيل ريوس وغوتزه البقاء مع دورتموند عن الانتقال إلى بايرن يؤكد النجاح والمكانة التي وصل إليها ناديهما الألماني حاليا، ولكن دورتموند مع ذلك عليه دائما أن يحتاط لاهتمام الأندية الأوروبية الكبيرة مثل برشلونة وآرسنال بضم لاعبيه، بعكس بايرن الذي يشعر دائما أن لاعبيه في مأمن من محاولات اصطياد الأندية الأوروبية الكبيرة لهم لأنه واحد من هذه الأندية بالفعل.