العقلية الاستعمارية أبعد ما تكون عن حماية حقوق الانسان، وهي على العكس من ذلك تتخذها سجلا تجاريا تخدم بها مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وتجعل منها كما يقول المثل عندنا "قميص عثمان" ترفعه عندما تجد في ذلك حاجتها. ذات القوى الاستعمارية الداعمة لاسرائيل والمدافعة عن حقها في الدفاع عن نفسها "ضد ضحيتها" تدخلت في شؤون البلدان الداخلية باسم حماية حقوق الإنسان بأبعادها العرقية والثقافية والدينية والمذهبية، وهي اليوم متقاعسة عن التحرك لحماية الفلسطينيين وسكان غزة بالخصوص من إبادة جماعية أخرجتها اسرائيل بتمويل ودعم وتسليح غربي استعماري. إن التجارب أثبتت على جميع الأصعدة أن الغرب الاستعماري لا يهمه من حقوق الانسان إلا ما يخدم مصالحه، وقد دأب تاريخيا على احتلال البلدان الضعيفة أو المستضعفة وإبادة سكانها عن بكرة أبيهم كما حدث في القارة الأمريكية، وما حدث في إفريقيا وعلى الخصوص في الجزائر، حيث كانت الآلة العسكرية الفرنسية تحصد أرواح الأبرياء بعشرات الآلاف في اليوم الواحد، وتلاحقهم في ملاجئهم بالجبال والكهوف لتحرقهم أحياء. واسرائيل منذ احتلالها لفلسطين وهي ترتكب الجريمة تلو الجريمة، وتنتقل من بشاعة إلى بشاعة إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم في غزة متحدية الضمير الانساني إن كان هناك ضمير وهي تفعل ذلك لأنها ربيبة الاستعمار الغربي وجبهته المتقدمة في الشرق الأوسط، وسكينها المغروس في خاصرة العالم العربي. فلا ينتظرن أحد أن تتدخل هذه القوى لإنقاذ الفلسطينيين من هذه المحرقة إلا إذا كانت خسائر اسرائيل تزداد، أو إذا أوشكت على الانهزام ليس أمام الأسلحة المدمرة ولكن أمام الإرادة التي تقهر أسلحة الدمار الشامل.