شاركت السيدة نزيهة رقيعي، مختصة في طهي الأطباق التقليدية من ولاية تبسة، في مهرجان إبداعات المرأة بكسكسي "البتشيش" الذي لم يتمكن كل المشاركين بالمعرض من مختلف الولايات من التعرف عليه كونه يعتبر من أقدم الأطباق التقليدية وأعرقها التي كانت ولا تزال تزين المائدة التبسية. بكثير من الفخر والاعتزاز، حدثتنا الطاهية نزيهة عن كسكسي "البتشيش" الذي تشتهر به ولاية تبسة قائلة: "نعد كسكسي البتشيش من حبات الشعير، ولعل هذا أول ما يميز هذا النوع من الكسكسي الذي تشتهر به الولاية، حيث ما إن يتم حصد الشعير حتى تقوم النساء "بتشويطه"، أي وضعه فوق النار، إلى أن يتغير لونه نوعا ما، بعدها ينظف ويرحى بالطاحونة الحجرية القديمة، لتأتي مرحلة تصفيته بعزل ما هو خشن منه عما هو ناعم، ومنه فتله وتفويره، ويعد مرقه الذي يشترط أن يكون أحمر معدا من لحم الخروف بالنظر إلى الطابع الرعوي للمنطقة، كما يحضر بالفول الأخضر، القرع وحبات الحمص، وبعد تحمير المرق نستعين بالدهان العربي الذي تدهن به حبات كسكسي الشعير لمزيد من اللمعان والطراوة، ثم يسقى بالمرق ويزين بالخضر، فكل من يتذوق هذا الطبق يتلذذ بنكهة الشعير التي تطغى على الطبق، الأمر الذي يجعل هذا النوع من الكسكسي مميزا وفريدا من نوعه من حيث طريقة إعداده أو بّنته. ولم تبخل الحرفية نزيهة على زوار قصر "رياس البحر" بالكشف عن مختلف أنواع الكسكسي الذي تشتهر بها الولاية، حيث شاركت أيضا بطبق "السفة" الذي يختلف هو الآخر عن غيره من أطباق "السفة" الذي اشتركت بها باقي الولايات، وحدثتنا عنه بالقول بأن "السفة" التبسية تعد من حبات الكسكسي الكبيرة، على خلاف ذلك الذي شاركت به بعض الولايات، على غرار تلمسان التي عرضت طبق "السفة" من حبات الكسكسي الرقيق، وإذا كان هذا الاختلاف الأول، فإن الميزة الثانية ب«السفة" التبسية كونها ذات نكهة حامضة، حيث يفتل كسكسي "السفة" من حبات القمح المطحونة فيستخدم سميدها في فتل حبات الكسكسي، ويفصل منه في عملية الفرز الخشن الذي يعد منه طبق "السفة"، ولعل الاختلاف الثالث حسب محدثتنا والذي يجعله يكتسب ميزة منفردة كونه يسقى "بالشكشوكة "المكونة من مزيج من حبات الطماطم، البصل والفلفل، فبعد أن يتم تحضير "السفة" وتفويرها، توضع جانبا إلى أن يجهز مرق "الشكشوكة" الممزوجة مع "الدرسة" والمكونة من الثوم والكروية. وإذا كانت طريقة التحضير تلعب دورا هاما في تحقيق معادلة البنة المطلوبة بالنسبة لكسكسى "السفة"، فإن تقديمه لأفراد العائلة يتطلب أيضا الكثير من التفنن لفتح الشهية، حسب محدثتنا التي أشارت إلى أن كسكسى "السفة" يقدم في صحن مصنوع من الخشب أو الفخار، حيث يرص الكسكسي ويسقى بالشكشوكة ويزين بحبات الفلفل الحار، ويكثر طبخ هذا النوع من الأطباق بحلول موسم الصيف، حيث تكثر الخضر المطلوبة لطبخ هذا النوع من الأطباق من الفلفل والطماطم والبصل. ختمت الطباخة نزيهة مشاركتها بطبق حلو لتحقق التنوع المطلوب، فإلى جانب كسكسى "لبتشيش" المالح وكسكسي "السفة" الحامض، ارتأت أن تكشف عن نوع آخر من الأطباق التقليدية التي تشتهر بها ولاية تسبة والذي أكدت محدثتنا بأنه غير معروف أيضا في باقي الولايات، والمتمثل في طبق المتلوخة "كعكة التمر" الذي يشكل من فتات الكسرة التي تسمى بالمنطقة "الحرشاية"، فبعد "تبسيسها" بالزيت جيدا وطهيها في الطاجين المصنوع من الطين، تفتت ويضاف إليها معجون التمر، ثم تعجن بالسمن ولا تأخذ أي شكل، إنما تأخذ شكل الصحن الذي توضع فيه، بعدها يتم حفر الطبق في الوسط ويسقى بالسمن العربي أو العسل كل حسب ذوقه. خصوصية الأكلات التقليدية لا تتحقق إلا بوضعها في الأطباق التقليدية الخشبية، أو تلك المصنوعة من الطين، لذا تختار النساء بولاية تبسة وتحددا في المواسم والأعياد الأطباق الفخارية الكبيرة، حيث يلتف أفراد العائلة للأكل من طبق واحد. فتل الكسكسي حسب الطاهية نزيهة كان ولا يزال من الأعمال التي ظلت المرأة التبسية متمسكة بها لأنه ببساطة يحمل الكثير من الدلالات الاجتماعية، ولعل أهمها أن عملية الفتل في حد ذاتها تعكس مدى التلاحم والتضامن بين أفراد المجتمع، و أحسن مثال على ذلك التحضير ل«عولة" الشتاء أو لإقامة الأفراح، حيث نجد أن كل النساء يقبلن في صورة تضامنية للفتل مع صاحبة الوليمة في جو يسوده الفرح، بالتالي فإن فتل الكسكسي يزيد في قيمة الروابط الاجتماعية.