كشف سفير الجزائر بمالي السيد عبد الكريم غريب عن احتضان الجزائر للقاء نهاية الشهر الجاري يجمع طرفي الأزمة المالية يخصص لتقييم الخطوات التي تم الاتفاق عليها في اجتماع 21 جويلية الماضي، وأشار في حوار أجرته معه "المساء" الى ان الحكومة المالية ستتخذ قريبا خطوة لإطلاق سراح المحتجزين لديها من الموالين لحركة التحالف الديمقراطي 23 ماي من اجل التغيير، واكد ان الجزائر مصممة على لعب دور المسهل لانهاء النزاع. المساء: حركة التحالف الديمقراطي 23 ماي من اجل التغيير أفرجت قبل أيام عن 21 أسيرا من الجيش المالي، هل يفسر ذلك على انه بداية لتطبيق ما اتفق عليه في 21 جويلية الماضي بالجزائر؟ السفير عبد الكريم غريب: بالطبع، فهو بداية لتطبيق ما تم التوصل اليه في آخر اجتماع انعقد بالجزائر، حيث خرج بأربع توصيات تهدف كلها الى خلق اجواء الثقة بين الجانبين بعد تدهور الأوضاع منذ اكثر من سنة، واولى التوصيات كانت وقف إطلاق النار الشيء الذي تم، وكذا عودة العائلات المهجرة ثم نزع الألغام المضادة للافراد المزروعة في العديد من المناطق بشمال مالي والنقطة الرابعة الإفراج عن الاسرى لدى الطرفين. فإطلاق الأسرى ال21 هي بداية تعبيد الطريق نحو ايجاد الحلول والمخرج للازمة، وتعتبر تلك الخطوة إشارة قوية من حركة التحالف الديمقراطي 23 ماي من أجل التغيير و-بإيعاز من الجزائر- للتعبير عن حسن النية لمتابعة تنفيذ تلك التوصيات ومواصلة الحوار خاصة وان من بين هؤلاء الأسرى المفرج عنهم ضابط برتبة رائد. وتمت طريقة الإفراج عبر الوساطة الجزائرية حيث سلموا للطرف الجزائري الذي تكفل من جهته بتسليمهم الى ممثلي الحكومة المالية. المساء: وماذا عن أسرى التحالف لدى السلطات المالية؟ السفير عبد الكريم غريب: للعلم فإن عدد أسرى التحالف من اجل التغيير لدى الحكومة المالية يبقى ضئيلا جدا، وكلهم من المدنيين الذين تم اعتقالهم بشبهة تقديم مساعدات وتشكيل جماعات إسناد لقوات عناصر التحالف. ونعتبر ان هذا الجانب لا يشكل عائقا في تطبيق اتفاق السلام ونتوقع ان تٌقدم الحكومة المالية قريبا على اتخاذ خطوة مماثلة لتلك التي اتخذتها حركة التحالف، حيث يتم من خلاها إطلاق سراح المحتجزين لديها. المساء: إلى أي مدى الجزائر مستعدة لمواصلة جهود وساطتها بين الطرفين المتنازعين لاحترام بنود الاتفاق واحلال سلام شامل في المنطقة علما أنها علقت في وقت سابق دورها كمسهل؟ السفير عبد الكريم غريب: حقيقة بعد ان لاحظنا عدم احترام الطرفين لاتفاق الجزائر بما في ذلك من قبل الحكومة المالية قررنا تعليق وساطتنا، لكن بعد رسائل وُجهت إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة من طرف سكان المنطقة يدعونه الى استئناف الوساطة ودور المسهل قررنا الاستجابة، بغرض إحلال السلام بالمنطقة، ونحن مستعدون للمواصلة في نفس النهج لتنفيذ كل ما تم التوصل إليه بين الطرفين المتنازعين. المساء: نجحتم في جمع طرفي النزاع في مالي بعد قطيعة دامت أكثر من سنة، ورغم النتائج المحققة إلا أن متتبعين يرون أن الوضع لا يزال هشا، فما هي الضمانات والدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر للحيلولة دون العودة إلى وضع ما قبل شهر جويلية الماضي؟ السفير عبد الكريم غريب: كما سبق وأن قلت لكم فإن الجزائر مصممة على بذل المزيد من الجهود على النحو الذي يمكن من تقريب وجهات نظر الجانبين خاصة وأنّ اتفاق الجزائر أصبح الحَكَم بينهما وصمام أمان للوضع كونه حدد جميع التفصيلات الخاصة بإنهاء النزاع، ودور الجزائر هو المساعدة على تطبيق تلك البنود على أرض الواقع. فنحن من حين لاخر نسجل تأويلات متباينة بين الطرفين حول بنود الاتفاق ودورنا يتمثل في تقريب وجهات النظر وتقديم التفسير الصحيح لروح البند المختلف حوله. ولكن لا تعتقدوا أن هذه المهمة سهلة بل معقدة وصعبة للغاية، غير أن جهودا مضنية تُبذل باستمرار في سبيل إقصاء كل عامل قد يؤدي إلى تدهور الأوضاع. المساء: الا ترون بأن الخلاف العرقي هو الذي يؤجج الوضع دائما؟ السفير عبد الكريم غريب: الخلاف بين الحكومة المالية والتحالف من أجل التغيير يعود إلى أكثر من قرن ولا يقتصر على دولة مالي، بل إن دولة النيجر المجاورة تعاني من الأوضاع نفسها أيضا. فبالنسبة للوضع في شمال مالي فإنه مرَّ بعدة مراحل تميزت بالمد والجزر بين الجانبين حيث تهدأ الأوضاع تارة وما تلبث أن تعود المواجهات، ويقترن سبب هذا التدهور في الغالب بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وحالة الفقر التي يعاني منها سكان شمال البلاد بالنظر إلى بعدهم عن عاصمة الولاية والمدن الحضرية، وغالبا ما يقترن هذا التأجيج بموسم الجفاف حيث يفتقر السكان في تلك المناطق إلى أدنى ظروف العيش ممّا يعيد الأوضاع إلى درجة الصفر. وكثيرا ما تثير بعض الأطراف الخلافات العقائدية والعرقية بين الطرفين لكن هذين العاملين ليسا المحرك الرئيسي في هذا النزاع، بل يبقى ثانويا مقارنة بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية، وعليه تسعى الجزائر في إطار وساطتها بين طرفي النزاع إلى المساعدة على معالجة أسباب التوتر. المساء: قلتم إن إطلاق سراح الأسرى خطوة من بين خطوات أخرى أعلنتم عنها في اجتماع الجزائر الشهر الماضي، فماذا عن إجراءات الثقة الأخرى المتفق عليها مثل وضعية المهجّرين واللاجئين؟ السفير عبد الكريم غريب: بالنسبة لقضية المهجّرين واللاجئين فإن هناك مجهودات تبذل من طرف السلطات الجزائرية في سياق مساعدة هؤلاء للعودة إلى مساكنهم، حيث يتواجد بالمنطقة في الوقت الراهن فريق تابع للهلال الأحمر الجزائري -الذي نوجه له الشكر بالمناسبة للعمل الجبّار الذي يقوم به هناك- بغرض مساعدة العائلات التي فرت من منازلها بسبب المعارك، على العودة. ولكن هذه المهمة تبقى صعبة بالنظر إلى الوضع في الميدان المتسم بوجود مناطق ملغمة تشكل خطرا على هؤلاء السكان، وتدفع بالكثير منهم إلى عدم المغامرة بالعودة المساء: وهل هناك عمل يتم في الميدان للتخلص من هذه الألغام كما جاء في اتفاق الجزائر، ومن يتكفل بهذه المهمة؟ السفير عبد الكريم غريب: نعم هناك عمل يتم التحضير له من أجل إزالة تلك الألغام، والحكومة المالية أبلغتنا بأنها قادرة على تنفيذ هذا البند دون الاستعانة بالخبرة الأجنبية بما في ذلك الجزائرية، وأكدت أن لديها من خبراء إزالة الألغام المضادة للأفراد ما يمكنها من تطبيق البند الخاص بذلك. المساء: أين وصلت التحضيرات الخاصة بإنشاء لجنة من الطرفين تضم 200 عضو مهمتها متابعة تطبيق بنود اتفاق الجزائر؟ السفير عبد الكريم غريب: صحيح أن اللقاء المنعقد الشهر الماضي نص على إنشاء هذه اللجنة لكن إلى غاية اليوم لم يتفق الطرفان على بعض التفاصيل حيث برز خلاف بينهما حول الموقع الذي يحتضن مقر هذه اللجنة فكل طرف يقترح مكانا لا يحظى بموافقة الطرف الآخر وعليه كوّنا لجنة تتكون من ضباط جزائريين وماليين من جهة ولجنة أخرى تضم ضباط جزائريين وممثلين عن حركة التحالف من أجل التغيير، تتمثل مهمتهما في التنقل الى المناطق المقترحة لاحتضان مقر اللجنة ومن ثمة مهمة الطرف الجزائري هو العمل على تقريب وجهات النظر بين الجانبين على النحو الذي يمكن من التوصل الى اتفاق حول تأسيس هذه اللجنة. وينتظر أن يتم الإعلان عن جميع الخطوات المتبعة والنتائج المحققة في اجتماع يعقد بالجزائر آخر الشهر الجاري يسمح بتقييم الخطوات التي قطعها كل طرف والعمل على تذليل بعض العقبات. المساء: هل ترون بأن هناك عوامل خارجية تعمل على تأجيج الوضع؟ السفير عبد الكريم غريب: المعروف أنه في أية منطقة من العالم تبرز فيها أزمة أو مرض إلاّ وظهرت أياد هدفها إطالة هذا المرض أو الأزمة.