بين العقوبات الاقتصادية والتوسع الاستيطاني السرطاني تشتد القبضة على الشعب الفلسطيني، وتزداد معاناته في غياب موقف عربي ودولي حول هذه الأزمة المزمنة التي أخذت أبعادا خطيرة أصبح معها ما عرف ب"عرب 48" مهددين بالترحيل تمهيدا لتصفية العرق العربي من الأراضي المحتلّة لإقامة الدولة العبرية. ولأن القرار الأممي مرهون بالفيتو الأمريكي والدعم الغربي فإن حقوق الشعب الفلسطيني ضاعت في أروقة الأممالمتحدة ومجلس الأمن، وما بقي منها قد تضيعه الممارسات الصهيونية الحالية على المستويين الاقتصادي والجغرافي الرامي إلى تهويد جميع الأراضي المحتلة بما فيها الضفة الغربية وعلى رأسها القدس الشريف، بالوتيرة السريعة والمكثفة لبناء المستوطنات. إن الغرب الذي صنع الكيان الصهيوني وساعده ودعمه لاحتلال فلسطين وضمن تفوقه العسكري لا يمكن أن يعول عليه في إنصاف الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، كما لا يمكن أن يغيّر من طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا من الانحياز المفضوح للكيان الصهيوني حتى بالانضمام إلى محكمة العدل الدولية. فالقضية الفلسطينية اليوم، في حاجة إلى إعادة نظر وتحديد للأولويات بعيدا عن الاتفاقات السابقة التي تتنصل اسرائيل منها قبل أن يجف حبرها، ومنها المبادرة العربية لحل الدولتين التي وصفتها إسرائيل يوم طرحها بالميّتة، ومع ذلك مازالت عند الطرف العربي والفلسطيني مرجعا وهدفا تشير كل المعطيات على الميدان بأنها لن تتحقق. لقد ضيّع الفلسطينيون كثيرا من الحقوق التي وعدوا بها لجرهم إلى المفاوضات وعلى رأسها حق العودة، الذي يعد حجر الزاوية في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والذي كاد يسقط حتى من بنود المبادرة العربية المصادق عليها في بيروت، لولا الاعتراضات التي أبداها الرئيس اللبناني آنذاك بعد أن رأى أن في إسقاطه خطرا على لبنان الذي سيصبح مضطرا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في بلده، وتكريس مؤامرة اسرائيلية غربية تهدف إلى غلق باب عودة اللاجئين الفلسطنيين إلى بلدهم. حل القضية الفلسطينية ليس في يد الفلسطينيين وحدهم، وليس في أروقة الأممالمتحدة وحدها، بل هو مسؤولية مشتركة يتحمّل فيها العرب القسط الأكبر لأنها في نهاية المطاف القضية العربية الأم، وأن ما يشهده العالم العربي من اضطرابات ونزاعات مسلحة هو عبارة عن انعكاسات استمرار هذه الأزمة، والسعي إلى طيّها بالتمكين لاسرائيل لإقامة دولة عبرية عنصرية في المنطقة.