لم تتمكن السلطات العراقية، كتم غيضها من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، اشتون كارتر، الذي اتهم الجيش العراقي بافتقاده للإرادة القتالية في التصدي لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"، مفضلا الفرار أمامه. وكانت الاتهامات قوية ومدوية إلى الحد الذي جعل الوزير الأول العراقي حيدر العبادي، لا يستطيع التزام الصمت تجاهها وقال إنه تفاجأ لمثل هذه التصريحات الأعنف من نوعها لمسؤول أمريكي تجاه السلطات العراقية منذ عدة أشهر. وقال العبادي، لقد تفاجأت لمضمون تصريحات المسؤول الأمريكي التي تكون قد بنيت على أساس معلومات خاطئة وصلته. ويعد هذا أول شرخ في علاقة بغدادواشنطن منذ شروع الإدارة الأمريكية في أوسع عملية عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا العام الماضي، وشكّلت لأجله تحالفا دوليا للقضاء عليه. وحتى وإن كانت تصريحات اشتون افتقدت ل«الدبلوماسية" المطلوبة من مسؤول في رتبته في كيفية التعامل مع قضية بمثل هذه الأهمية، إلا أن الوزير الأول العراقي، سبق وأن اعتبر الأسبوع الماضي، تخلي القوات العراقية عن مواقعها بمثابة "انتكاسة"، وطالب بمحاسبة قادتها الذين سمحوا بالفرار من مواقعهم بمدينة الرمادي عاصمة محافظة الانبار بمجرد وصول عناصر الدولة الإسلامية إليها. ويمكن القول إن المسؤول العسكري الأمريكي يدرك وقع الصدى السلبي لمثل هذه التصريحات، ولكنه أراد أن يقطع الطريق أمام الانتقادات التي بدأت عديد الأطراف توجهها للإدارة الأمريكية واستراتجيتها التي فشلت بعد قرابة عام منذ بدء تنفيذها لملاحقة عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية". وأبان اكتفاء الولاياتالمتحدة على خيار القصف الجوي كبديل وحيد ضد مواقع ما يعرف باسم تنظيم "داعش"، عدم فعاليته منذ البداية وحكم عليه بالفشل بالنظر إلى معطيات الواقع العسكري العراقي، وأيضا بالنظر إلى طبيعة المواجهة بين تنظيم إرهابي مسلّح وبين جيوش نظامية غير مؤهلة لمثل هذه الحروب. وراهن البنتاغون على خيار القنبلة الجوية لإضعاف هذا التنظيم، ولكنه تأكد بعد قرابة ثلاثة أشهر منذ بدء عملياته أن نتائج ثلاثة آلاف عملية قنبلة بقيت عديمة الفائدة بدليل المكاسب الميدانية التي يحققها التنظيم في مختلف المحافظات الإستراتيجية العراقية، وبكيفية عزّز مواقعه على حساب القوات النظامية التي فشلت في وقف هذا الزحف. وشعر البنتاغون بفشله الذريع وخاصة وأنه حمل على عاتقه تدريب القوات العراقية لمواجهة تحديات تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في السنوات التي تلت الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، قبل أن يتأكد أن ذلك كان مجرد ذر للرماد بدليل عجز هذا الجيش عن مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي ولد من العدم قبل أن يتحول إلى خطر داهم على كل الدول العربية. وهو الشعور الذي يفسر التصريحات "العنيفة" لوزير الدفاع الأمريكي الذي استبق الجميع بمثل هذه الانتقادات، وراح يكيل للجيش العراقي مسؤولية مباشرة على كل ما وقع. والتقفت إيران هذا التشنج في علاقة بغدادواشنطن عبر تصريحات الجنرال قاسم السليماني، قائد قوة "القدس" المكلفة بالعمليات الخارجية لجيش النخبة الإيراني، الذي انتقد الولاياتالمتحدة لأنها لم تقم بأي شيء لمساعدة الجيش العراقي في الرمادي. وذهب السليماني، الذي سبق له أن عمل في العراق ودرب وحدات الجيش العراقي إلى حد القول أن ذلك كان مقصودا ضمن مؤامرة أمريكية لإحكام قبضتها على المنطقة العربية. ومهما كانت حسابات الأطراف الدولية والإقليمية في معادلة الوضع في الرمادي، فإن ما حصل سينعكس على معنويات الجيش العراقي الذي يخوض الآن أكبر عملية عسكرية لدحر مقاتلي تنظيم "داعش" من هذه المدينة الاستراتيجية.