يبقى سوق مقطع خيرة الفوضوي بالقليعة، الذي عجزت السلطات عن ضبطه، ممونا رئيسيا لبعض القصابات ومحلات اللحوم الحمراء والبيضاء التي تقتني بضاعتها من هناك بأسعار منخفضة وتعيد تسويقها. فبمجرد وصولك إلى المنطقة تلاحظ عددا كبيرا من السيارات المتوقفة بالقرب من السوق، وحركة كثيفة للمواطنين الذين يقصدون المكان للتزود بالديك الرومي واللحوم الحمراء الطازجة بأثمان جد منخفضة، في ظل وجود جيش من الشباب مدجج بسكاكين وخناجر يترصد أي شخص يحاول أن يلتقط صورة عن المنطقة المحظورة على الصحفيين. حيث وبمجرد أن اقتربنا وحاولنا أخذ صورة هدّدنا هؤلاء بالقتل وجرّدونا من كل وسائل التصوير التي كانت بحوزتنا بالقوة. يستهلك الجزائريون يوميا كميات معتبرة من اللحوم مجهولة المصدر من عند قصابات معتمدة بالعاصمة وضواحيها، دون أن يعلموا بأن هذه اللحوم لم تخضع لأية مراقبة بيطرية أو تجارية، وقد تكون فاسدة أو مريضة، في الوقت الذي تبين فيه أن عدة قصابات لا تقتني لحومها من المذابح المعتمدة بل تقصد سوق مقطع خيرة الفوضوي للتزود بفضل انخفاض الأسعار به، لتعيد بيعها بأسعار مرتفعة وكأنها اقتنتها من مذابح قانونية حسبما أكده ل"المساء” بعض تجار سوق مقطع خيرة للحوم الحمراء والديك الرومي ، خلال جولة استطلاعية قمنا بها للسوق، تظاهرنا خلالها وكأننا زبائن جئنا لاقتناء اللحم واغتنمنا الفرصة لتبادل أطراف الحديث معهم دون أن يتفطّنوا بأننا صحفيون. وكانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ونصف صباحا عندما دخلنا السوق الخاص ببيع الديك الرومي في البداية، حيث شاهدنا حركة غير عادية وكثرة الإقبال للزبائن الذين قدموا من ولايتي تيبازة والعاصمة حسبما تؤكده لوحات ترقيم سياراتهم. 2000 ديك رومي يذبح ويباع يوميا بمجرد اقترابنا من التجار داخل هذا السوق المغطى الذي كتبت عليه لافتة ”السوق البلدي للديك الرومي”، شعرنا وكأننا أمام خلية نحل نظرا لنشاطهم وعملهم السريع.. فهناك من يذبح ومن ينزع الريش والأمعاء ومن يقطع ومن يبيع، غير أن الروائح هناك لا تطاق ومجار من الدماء والفضلات تغطي الأرضية في ظل انعدام شروط النظافة. ففي الجهة الخلفية للسوق هناك غرفة صغيرة جدا يقبع فيها مجموعة من الأطفال والشباب تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة، يذبحون الديوك وينزعون عنها الريش ليقدموها للبائعين خلف الطاولات الخشبية الذين يقومون بدورهم بتقطيعها وبيعها حسب رغبة الزبون. فالديك الرومي الذي يسوّق بأسعار جد منخفضة مقارنة بالمحلات القانونية شجّع المواطنين على اقتناء كميات كبيرة منه خاصة في أولى أيام رمضان، فالمواطن أصبح لا يعير أي اهتمام لشروط النظافة والصحة في ظل التهاب أسعار اللحوم بمختلف أنواعها بأسواقنا بسبب قلّة العرض وكثرة الطلب خاصة في المواسم والمناسبات الدينية. وصرح لنا بعض التجار الذين قصدناهم على أساس أننا زبائن جئنا لأول مرة للسوق وتفأجئنا بأسعاره وكثرة العرض والإقبال، بأن كل تاجر على الأقل يذبح يوميا ويسوّق 100 ديك رومي خاصة في الأيام الأولى لشهر رمضان، والأسعار تختلف حسب الأجزاء المرغوب في شرائها من الديك الرمي، فسعر الرقبة يختلف عن الفخذ ويختلف عن الصدر الذي يباع ب400 دينار للكيلوغرام، وبعملية حسابية بسيطة يمكن القول بأن باعة سوق مقطع خيرة يسوّقون يوميا ما يعادل 2000 ديك رومي، جزء كبير منه يوجّه لأصحاب المحلات الذين يتحايلون على مصالح الرقابة ويعيدون بيع هذه اللحوم على أساس أنها قادمة من المذابح المعتمدة، إذ يكتفون بشراء كميات محدودة فقط من المذابح المعتمدة للحصول على فواتير يبررون بها باقي سلعتهم في حال قدوم أعوان الرقابة التجارية. ماشية تذبح بدون مراقبة بيطرية وفضلات وروائح تصنع المشهد خرجنا من سوق الديك الرومي وتوجهنا نحو سوق اللحوم الحمراء التي تباع بمحلات مبنية تجعلك تظن أنها سوق قانونية مرخص لها، وتفاجأنا بوجود مركبات نصف مقطورة محمّلة بالمعاز والكباش مركونة أمامها يحضرها التجار كمخزون حتى لا يقل العرض عن الطلب ويقومون بالذبح قبل بيع كل بضاعتهم. وبتواجدنا هناك لاحظنا مواطنين يقدمون طلبياتهم لاقتناء اللحوم حتى قبل ذبح الماشية وخاصة الماعز الذي يلقى إقبالا خلال شهر رمضان من طرف بعض الزبائن المصابين بأمراض الكولسترول نظرا لاحتوائه على نسبة ضعيفة من الدسم. وحتى إن كانت هذه الماشية تذبح دون عرضها على مصالح الطب البيطري للتأكد من أنها غير مصابة بأمراض، وفي أماكن تنعدم فيها شروط النظافة والتبريد فإن الإقبال عليها يبقى منقطع النظير بفضل أسعارها التي كسّرت أسعار المنافسة في الأسواق الشرعية، حيث يباع الكيلوغرام الواحد من لحم البقر ب900 دينار والكيلوغرام الواحد من لحم الخروف ب800 دينار. ويبقى امتياز السعر المنخفض الذي يجلب المواطن يواجه خطرا آخرا وقد يكون ضحية غش إذا علمنا أن بعض التجار والموالين يقومون بذبح النعاج التي يبقى سعرها أقل من سعر الكبش ويبيعونها بنفس سعر الكبش بعد سلخها، دون أن يصرحوا بأنها نعاج ويربحون أموالا إضافية بطريقة غير شرعية، ويقتنيها المواطن ظنا منه بأنها لحم خروف بسعر منخفض. 20 بالمائة من اللحوم المسوّقة مصدرها المذابح الفوضوية وفي هذا السياق يؤكد الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، أن الجزائريين يستهلكون سنويا كميات تقدر ب500 ألف طن من اللحوم الحمراء 20 بالمائة منها أي ما يقارب 100 ألف طن تمر عبر المذابح والمسالخ الفوضوية التي تغيب فيها مصالح الرقابة التجارية والبيطرية، لتوجه فيما بعد للبيع بالأسواق الفوضوية التي تتجاوز 50 سوقا عبر التراب الوطني، المنتشرة بالطرقات تحت أشعة الشمس مع غياب شروط التبريد والحفظ. مواش مريضة تباع للمذابح الفوضوية وأكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد الحاج طاهر بولنوار، في تصريح ل"المساء” أن حوالي 40 طنا من اللحوم الفاسدة تسوّّّق سنويا بعد خروجها من المذابح الفوضوية التي تنعدم فيها مصالح الرقابة البيطرية والتجارية، ويقتنيها المواطن دون أن يتفطن لذلك وهو ما يهدد صحته إما بالإصابة بتسمّمات غذائية أو أمراض خطيرة تظهر على المدى المتوسط أو البعيد. وأشار محدثنا إلى أن الكثير من الموالين ومربي المواشي لما تصاب ماشيتهم بأمراض يقومون بذبحها بهذه المذابح الفوضوية ويبيعونها دون التصريح بأنها مريضة حتى لا يخسرون، حيث يتفادون نقلها إلى المذابح الشرعية لأنهم يدركون بأنها ستخضع للفحص البيطري والمراقبة التجارية وبالتالي فلا يرخص لهم ببيعها هناك. ويبقى ارتفاع سعر اللحوم الحمراء والبيضاء بسبب كثرة الطلب وقلّة العرض السبب الرئيسي وراء إقبال المواطن على المذابح والأسواق الفوضوية بحكم انخفاض أسعارها مقارنة بأسعار القصابات المعتمدة، لأن هذه الأسواق الفوضوية لا تدفع تكاليف الضرائب والكراء وغيرها، متجاهلا بذلك الأضرار التي قد تلحق به في حال تناول لحوم فاسدة أو مصابة بفيروسات خطيرة. الصحفيون يمنعون بالخناجر من دخول مقطع خيرة وواجهنا خلال إعداد هذا الموضوع خطرا كبيرا كاد يودي بحياتنا لولا تحكمنا في الوضع ومواجهة الأمر بالتعقّل، ففي البداية تظاهرنا وكأننا زبائن وكانت الأمور عادية تسير على ما يرام، غير أنه وبمجرد أن أخرج زميلي المصور آلة التصوير من بعيد وحاول التقاط بعض الصور انقلبت الأمور وعاش كل من كان في السوق فيلم رعب، وحدث ما لم يكن في الحسبان عندما أحاط بنا عدد من الشباب حاملين السكاكين والخناجر واعترضوا طريقنا وجردونا من آلة التصوير وهواتفنا الذكية وقاموا بحذف كل الصور التي التقطناها، حيث هدّدونا بالضرب والقتل في حال محاولة التقاط أي صورة كما قال أحدهم ”الصور ممنوعة منعا باتا، وهذه المنطقة ممنوعة على وسائل الإعلام، فالسوق غير شرعي وأنتم تحاولون توريطنا وقطع رزقنا بالحديث عنّا في الجرائد”، وطردونا بالقوة مطالبين إيّانا بعدم العودة. ويبقى الواقع يؤكد كلامهم في غياب تام للأمن في هذا السوق الفوضوي الذي تسيّره سيوف وخناجر الجزارين الفوضويين الذين أسسوا إمبراطورية وفرضوا قوانينها الفوضوية بالقوة يأكل فيها القوي الضعيف أمام مرأى السلطات.