يبقى اسم محمد توري راسخا في الذاكرة الفنية الوطنية، تتذكر الأجيال مآثره ومواقفه التي واجه بها الاستعمار، لقد اختار الوقوف إلى جانب قضية شعبه متحملا في ذلك أبشع أنواع التعذيب الذي لم يتحمله بدنه الهزيل، كان لهذا الرجل شرف تلحين وأداء نشيد قسما الذي أدته زوجته السيدة وهيبة، وهو الذي التزم بالنضال من خلال المسرح كغيره من الفنانين أبناء جيله، كما ساهم في التأسيس لحركة فنية رائدة استمر إشعاعها حتى بعد الاستقلال. وانطلقت أمس بالمركز الثقافي الجيلالي بونعامة بولاية البليدة فعاليات الأيام المسرحية محمد توري من تنظيم اللجنة الولائية لتحضير وتنظيم التظاهرات والنشاطات الثقافية، والتي تدوم إلى غاية 18 من الشهر الجاري. تعتبر التظاهرة تخليدا وتكريما لعميد الكوميديا الاجتماعية الراحل محمد توري وستعرف عرض عدة مسرحيات على غرار مسرحية "بدون تأشيرة" للتعاونية الثقافية فن الخشبة لسيدي بلعباس، بالإضافة إلى مسرحية "المشعوذ" لتعاونية بذور الفن تيزي وزو ، وعرض مسرحي بعنوان "ليلة القبض على جحا" للجمعية الثقافية بن شنب للمسرح والموسيقى بالمدية. كما نظمت أمس ندوة حول حياة الفنان محمد توري والمسرح إبان الثورة التحريرية وجذور الحركة المسرحية بالبليدة من تقديم الأستاذة نوال إبراهيم والفنان حميد رابية وعمر ركابي.. وسيسدل الستار على هاته الأيام المسرحية يوم 18 سبتمبر بتكريم عائلة الفنان محمد توري وكذا تقديم عرض مسرحي بعنوان "أنا نيّة" لجمعية المسرح لمدينة فوكة بتيبازة. الفنان الراحل محمد توري بن عمر ولد يوم 09 نوفمبر 1914 بالبليدة من عائلة محافظة. انخرط في سن مبكرة أي في سنة 1933 في جمعية الموسيقى والتمثيل بعد تجربته مع فرقة الأمل الكشفية ليؤسس المرحوم أول فرقة تمثيلية بالبليدة أنتجت العديد من السكاتشات والمسرحيات منها "مصائب الفقير" من تأليف موسى خداوي. وقد كتب الراحل أولى مسرحياته بالعربية الفصحى ونظرا لتفشي الأمية في الأوساط الشعبية، رجع إلى اللهجة العامية فكتب مسرحية (الكيلو) والتي كانت سببا في شهرته وقد عرضت في كل من العاصمة ووهران وقسنطينة، ثم أتبعها الراحل بتأليف مسرحيات اجتماعية أخرى منها "زعيط وعيط ونقاز الحيط" و"ديكة وديك" و"بوحدبة" وغيرها من الأعمال الناجحة، علما أن توري كان يكتب بلغة دارجة راقية وكان يقسم العروض إلى فصول ومشاهد ويضمنها عقدا يختمها دائما بحلول لصالح الخير وأهله وللمصلحة الجماعية وللأخلاق الفاضلة. في سنة 1942 انتقل توري إلى العاصمة والتحق بفرقة التمثيل بالإذاعة بدعوة من محي الدين بشطارزي. وابتداء من سنة 1947 انضم إلى فرقة المسرح العربي بقاعة الأوبرا بالعاصمة برئاسة بشطارزي ليتعامل مع مجموعة من الفنانين منهم مصطفى كاتب وجلول باش جراح وعلاّل المحب ورويشد وغيرهم ليشتهر بقدرته في الأداء وبأسلوبه الهزلي، ومن جهة أخرى، أدى الراحل أدوارا سينمائية منها "معروف الإسكافي" الذي صور في الأربعينيات بالمغرب. في سنة 1956 اعتقل من طرف السلطات الفرنسية نتيجة مواقفه الوطنية وعذب بسجن سركاجي. ورحل الفنان يوم 30 أفريل 1959 إثر مرض عضال عن عمر لم يتعد ال45 تاركا وراءه العشرات من الأغاني الفكاهية والمسرحيات والتمثيليات القصيرة.