اهتزت العاصمة التركية أمس، على وقع تفجير مزدوج يعد الأعنف من نوعه يشهده قلب مدينة أنقرة، عندما فجر انتحاريان نفسيهما وسط متظاهرين معارضين كانوا يتوافدون على المدينة للمشاركة في مظاهرة سلمية من أجل السلام خلّف مقتل ما لا يقل عن 86 شخصا ومئات المصابين. ولأن الحادث مأساوي وشكل أكبر ضربة لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده الرئيس طيب رجب أردوغان، فقد أعلنت السلطات التركية الحداد ثلاثة أيام كاملة. وتزامن التفجيران اللذان وقعا في حدود الساعة العاشرة صباحا بمحيط محطة النقل الرئيسية بالعاصمة التركية، مع وصول آلاف المتظاهرين الذين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد تلبية لدعوة أطلقتها نقابات عمالية وأحزاب سياسية يسارية من بينها الحزب الديمقراطي من أجل الشعوب وهو قوة سياسية كردية صاعدة في تركيا من أجل التنديد بعودة النزاع المسلح بين الجيش التركي والمتمردين الأكراد والدعوة إلى وقف كل اقتتال بينهما. وكان المشهد مرعبا عندما تطايرت أشلاء القتلى وسالت الدماء في مختلف زوايا المحطة، وسط فوضى عارمة مما جعل رجال الإسعاف الذين هرعوا إلى مكان وقوع التفجيرين يجدون صعوبة كبيرة في نقل الجرحى إلى مختلف مستشفيات المدينة. وتعد هذه أعنف عملية تفجير تستهدف العاصمة التركية منذ عدة سنوات، وعكست درجة الانفلات الأمني الذي تتخبط فيه تركيا وعدم تحكم سلطاتها الأمنية في الوضع الأمني الذي بدء يتدهور منذ إعلان الرئيس طيب رجب أردوغان، قبل ثلاثة أشهر الحرب على مقاتلي حزب العمال الكردي الذي تصنّفه أنقرة في قائمة التنظيمات الإرهابية. ولم تكن عملية سروج التي راح ضحيتها 30 قتيلا قبل ثلاثة أشهر سوى بداية مسار أمني متفاقم في تركيا التي لم تسلم من تداعيات الصراع المسلح في الجارة سوريا، وزاد الوضع تأزما دخولها في نزاع مسلح ضد المقاتلين الأكراد. ورغم أن العملية وإلى غاية يوم أمس، لم تتبنّها أي جهة إلا أن السلطات التركية أكدت أنها إرهابية وسترد بالحزم الذي يستدعيه هذا الفعل الإجرامي. وسارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى إدانة التفجير الدامي بشدة ووصفه ب«الهجوم المشين" دون أن يتهم أي جهة معينة، ولكنه أكد في المقابل أن "الرد على العملية سيكون قويا مهما كانت هوية المنفذين وتبريراتهم، أو أهدافهم". وهو ما جعله يدعو كل الأتراك إلى التعامل بكل مسؤولية من خلال تبنّي مواقف معارضة للإرهاب ونبذه، متوعدا بإلقاء القبض على المنفذين وتقديمهم للعدالة. لكن صلاح الدين دميرتاس، زعيم الحزب الديمقراطي للشعب الكري الذي دعا إلى تنظيم المظاهرة فقد ذهب إلى تحميل الحكومة التركية المسؤولية في وقوع الهجوم الذي وصفه ب«البربري". وقال "نحن في مواجهة دولة قاتلة تحولت إلى مافيا". وتعد هذه ضربة قوية للحكومة التركية الذي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وحتى لشخص الرئيس أردوغان، الذي أراد أن يمسك بيد من حديد السلطة في تركيا لكن جاءت هذه العملية لتخلط عليه حساباته بما قد يعكر الأجواء على مقربة من موعد تنظيم الانتخابات التشريعية المسبقة المقرر إجراؤها في الفاتح نوفمبر القادم. وهي الانتخابات التي يعول أردوغان، بفوز حزبه فيها وحصوله على الأغلبية في البرلمان الجديد بما يمكنه من تمرير كل مشاريعه وسياساته دون معارضة، وبالتالي تفادي الوقوع في فخ البحث عن تحالفات سياسية كما حدث له في انتخابات شهر جوان الماضي، بسبب عدم حصوله على الأغلبية المطلقة التي أرغمته على الدعوة إلى انتخابات مسبقة. ولكن مثل هذا التفجير يطرح أكثر من تساؤل حول الجهة الواقفة وراءه وأهدافه وتوقيته خاصة وأنه جاء ساعات قبل إعلان حزب العمال الكردي، الذي يخوض حربا مفتوحة مع القوات التركية بشمال شرق تركيا وعبر الجبال الحدودية مع العراق عن تعليق عملياته العسكرية. وقال حزب ال "بي.كا.كا" على موقعه أنه قرر وقف عملياته العسكرية ولن يستأنفها إلا في حال أرغم على صد أية هجمات للقوات النظامية التركية ضد مقاتليه. وبرر الحزب الكردي موقفه بأنه أراد أن "يمنح الفرصة لتنظيم انتخابات عادلة".