يرى العديد من الأساتذة الجامعيين أن واقع الترجمة ببلادنا، لايزال في بداية الطريق بالرغم من الأهمية التي تشكلها هذه الأخيرة؛ باعتبارها وسيلة من وسائل الإقلاع الحضاري، وأداة من أدوات التنمية الثقافية. وعلى هامش الملتقى الوطني الأول حول "الترجمة والتنمية الثقافية في الجزائر" الذي احتضنه مؤخرا قصر الثقافة بسكيكدة، التقت "المساء" بعدد من الباحثين المتخصصين للحديث في هذا الشأن العلمي والثقافي. أشار الدكتور تليلاني أحسن عميد كلية الآداب واللغات بجامعة سكيكدة، إلى أن الترجمة كما يعلم العام والخاص، لها دور كبير في تحقيق الإقلاع الحضاري، وبالتالي أصبح لزاما على الجزائر والأمة العربية التي تعاني من التخلف، اللحاق بركب الدول المتقدمة، وذلك من خلال الاطّلاع على مختلف الأفكار العلمية والثقافية المنتجة في العالم المتطور. وفيما يخص واقع الترجمة في الجزائر يرى المتحدث أنها تعاني كثيرا؛ نظرا لغياب إرادة سياسية، وكذا عدم وجود الظروف المواتية لتحقيق القفزة النوعية المنشودة. أما الدكتور حميد عدايسية أستاذ الدراسات الفكرية بكلية الآداب بجامعة سكيكدة، فأكد أن الترجمة هي أحد أهم أركان التواصل الحضاري، ومن هذا المنطلق علينا أن نحسن اختيار ما يلائمنا من معروض الفكر التواصلي المستمَد من الحضارات والأمم واللغات المختلفة على النحو الذي نهجه أسلافنا المفكرون القدامى عند تأسيسهم الحضارة العربية الإسلامية، التي خضعت لعامل الاختيار المدروس منذ فجر الإسلام، وخير مثال عن ذلك إسهام المسلمين في وضع منهاج في التواصل الحضاري؛ حيث أخذوا من تجارب وقواعد وتراتيب الحضارات الأخرى المشترك الإنساني العام، وأضافوه إلى الخصوصيات الإسلامية. الأستاذة سهيلة مفروش من نفس الجامعة في تخصص اللسانيات، أشارت في حديثها ل "المساء"، إلى أن الترجمة في الجزائر تعيش الحضور المحتشم؛ ذلك لأننا لا نقرأ ولا نترجم، وبالتالي فهناك فرق حضاري شاسع بيننا وبين العالم المتطور؛ لذا رأت أنه من الواجب علينا تغيير النظرة إلى الترجمة؛ بمعنى أن لا نعتبرها فنا ومجرد ترف بقدر ما يجب اعتبارها ضرورة علمية ومنهجية ومعرفية يجب أن نوليها الاهتمام الكبير، بدءا من منظومتنا التربوية، في حين قال الأستاذ ابن مختاري هشام من جامعة بجاية تخصص ترجمة، إن هذه الأخيرة لم تأخذ حقّها بعد في بلادنا، كما أن القائمين عليها ليسوا كلهم من ذوي التخصص، إلى جانب أن السياسة المتّبعة في التكوين الأكاديمي هي سياسة ارتجالية، والدليل على ذلك إغلاق جل أقسام الترجمة في الجامعات الجزائرية، لكن هذا حسبه لا ينفي وجود بعض المحاولات الفردية الجادة للنهوض بالترجمة في الجزائر، التي تبقى مقارنة مع الدول المتقدمة، بحق متأخرة جدا على مستوى الترجمة كصناعة قائمة بذاتها إذ لم تعد تقتصر على ترجمة الكتب والروايات ولم تعد حبيسة الفضاء الأكاديمي، بل أصبحت تخصصا رائدا في المؤسسات العلمية والاقتصادية؛ حيث ظهرت، مثلا، في الجامعات الأجنبية تخصصات منها الترجمة الاقتصادية والترجمة الطبية والترجمة القانونية. في هذا الصدد، أضاف المتدخل أن الغرب استفاد فعلا مما ترجمه العرب في عصر نهضتهم العلمية الذهبية، لكننا نحن لم نأخذ العبرة من التاريخ للأسف. أما الأستاذة الشاعرة زهرة خفيف من جامعة سكيكدة في تخصص الأدب الحديث والمعاصر، فقالت إن الترجمة هي القلب النابض في حياة أية ثقافة مهما كانت وفي بلادنا. وبالرغم من الشوط الذي قطعته الترجمة حاليا إلا أنّها مازالت تسير بخطى متثاقلة في عالم كلّ ما فيه يتحرك بسرعة قصوى، علما أنّ الجامعة الجزائرية تمتلك طاقات علمية هامة، وبالتالي فإن الطموح في مستقبل أفضل هو واجب لتحقيق الأهداف التي تسمح بالولوج إلى عالم العولمة الرقمي، كما أنها أيضا إبداع، وهي الوسيط الذي يُعرّف بالآخر وبما ينتجه من وسائل الحضارة.