يحيي الشعب الجزائري اليوم الذكرى ال61 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر العظيمة، التي سجل التاريخ المعاصر عظمتها وخلد وقائعها وأحداثها، ولازال يسجل للشعب الأبي الذي صنعها صلابته وقوته في التشبث بمبادئها والتحصن بقيمها من كل العواصف والاهتزازات التي تضرب من حين لآخر أطراف سفينة الجزائر التي أبت التحول عن مسارها.. فذلك المسار الموصل إلى بر الأمان والإزدهار، رسمت منحاه سطور بيان نوفمبر الخالد، الحصن الواقي لأبناء هذا الوطن الذين عقدوا العزم أن يبقوا على العهد..عهد على أن تحيا الجزائر آمنة مستقرة مزدهرة بين الأمم.. هي محطة متجددة اليوم للافتخار وللاعتزاز بكوننا جزائريون، وبكوننا من أبناء أولئك الذي قهروا الحلف الأطلسي وأثبتوا للعالم أجمع بأنهم من طينة الأخيار ومن سلالة الأحرار، مقاومون ومجاهدون ووطنيون لا يبغون لوطنهم بدا عن الحرية والعيش في كنف السيادة، والاعتزاز بأصولهم الأمازيغية العربية الإسلامية.. محطة لابد من الوقف عندها لتأدية واجب تخليد ذاكرتنا الوطنية، وتعريف الناشئة بمآثرها وتلقينهم دروسا عن صمود أسلافهم أمام المستعمر الغاشم الذي سعى بكل ما أوتي من وسائل تقتيل وآليات تدمير لمسخ هوية الشعب الجزائري، فما أفلح في ذلك..لأن الشعب الذي تسلح بالإيمان بربه وبحب الوطن والتمسك بمبادئ العزة والكرامة، عرف كيف يفسد كل مخططات ومكائد المستعمر ويطهر أرضه الطيبة من دنس أقدامه التي وطأتها ظلما لمدة 132 سنة من الزمن.. هي ثورة نوفمبر المجيدة التي تبقى اليوم مرجعا ومعلما خالدا لكافة التحولات التي تعرفها البلاد، لتسجل مرة أخرى ثبات الجزائريين على مبادئهم الحصينة وتجندهم الدائم لتقوية الجبهة الداخلية والتصدي لكافة الاضطرابات التي تتهدد استقرار الوطن، والدفاع عن حريته الثمينة، التي لا أحد في هذا المعمورة يفهم قيمتها الغالية أكثر من هذا الشعب الذي دفع لأجلها مليون ونصف المليون من الشهداء. وبالعودة إلى الحدث التاريخي لتفجير ثورة التحرير المجيدة، لا بد من التذكير بأن هذه الثورة العظيمة التي اندلعت ليلة الفاتح نوفمبر 1954، كانت نتاجا لمسار تاريخي مفعم بالتضحيات، بدأ بمرحلة المقاومة الشعبية التي دارت رحاها في مختلف المناطق الجزائرية من أطراف الصحراء والتلال، إلى سهول المتيجة وجبال منطقة القبائل، وأفرزت حركة وطنية قوية وواعية ونشطة عملت على تعبئة الجماهير وتنمية الوعي الوطني، الذي تمخضت عنه فكرة الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وقادت جبهة التحرير الوطني التي إلتف حولها الشعب الجزائري برمته المهام التاريخية بتفجير الثورة وتحديد معالمها وأهدافها، مكسرة شوكة العدو الغاشم وغروره بقوته وجبروته. كما تصدت بثبات وحنكة لكل الأساليب والمكائد التي استخدمها المستعمر الفرنسي لإخماد لهيب الكفاح المسلح وإرادة الثوار، وحرصت على توفير عوامل الانتصار من خلال تجنيد كل الإمكانيات المادية والمعنوية.. واصطدمت كل أساليب الغطرسة التي لجأ إليها المستعمر الفرنسي من إحراق للقرى والمداشر وتخريب الديار والممتلكات وإقامة المحتشدات وتوسيع السجون والمناطق المحرمة وتشييد الأسلاك المكهربة والنفي والتفنن في التعذيب بصمود وثبات الثوار الجزائريين، وتنظيمهم المحكم في شن الضربات الموجعة للعدو وتكبيدهم الخسائر تلو الخسائر إلى أن اضطرت قيادته للهروب عبر باب المفاوضات.. ومن جهتها، كرست مفاوضات إيفيان التي جمعت إدارة المستعمر الفرنسي بقادة الثورة التاريخيين، ثبات الشخصية الجزائرية على قيمها وتشبثها بمبادئها، ومنها مبدأي الوحدة الوطنية والسيادة الكاملة على أرض الجزائر ورفضها لأي وجود أجنبي على ترابها، وهي المبادئ التي لازالت الجزائر عليها اليوم، وتعمل على إعلائها والدفاع عنها في كافة المحافل الدولية وتبني عليها مواقفها وأرائها حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية المطروحة.. وإذ يعود الفضل لهذه المبادئ التي تتأسس عليها الشخصية الوطنية، فيما تحقق للجزائر والجزائريين من مكاسب وإنجازات منذ الإستقلال إلى يومنا، بما فيها تجربتها التاريخية في تحقيق المصالحة الوطنية بين أفراد الشعب الذي ابتلي بمأساة وطنية دامية كلفته خسائر جسيمة وقوافل أخرى من شهداء الواجب الوطني، فإن التمسك بهذه القيم يشكل السلاح الواقي من الصدمات الظرفية المترتبة عن عوامل خارجية، كما يشكل حافزا دائما للمضي في تثمين وتعزيز مسيرة البناء والتنمية المتواصلة التي خطتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، وتجاوز كافة الظروف الصعبة التي تعترض طريقها.. ويكفي الجزائريون اعتزازهم بثورتهم الغراء، للنجاح في كافة مساعيهم الوطنية الرامية إلى كسب معركة البناء الاقتصادي، التي تنتظر منهم رفع مستوى الإنتاجية وتحقيق التنافسية والنهوض بمكانتها الإقتصادية إلى المستوى الذي حقق للشعب الرفاه المنشود ويخلصه من مخالب التبعية لقطاع واحد أنساهم مزايا المكتسبات الأخرى المتنوعة والمتعددة التي تزخر بها بلادهم.