ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3481 شهيدا و 14786 مصابا    توافد "أزيد من 4 ملايين زائر" على صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته ال27    تصفيات كأس إفريقيا/الجزائر- ليبيريا (5-1): ''الخضر'' يختتمون مشوارهم بالطريقة المثلى    تمكين الشباب من صنع القرار ودعم الميثاق الإفريقي    إرهاب الطرقات خلّف 2894 قتيل خلال 9 أشهر    تيبازة : امتلاء سد كاف الدير بالداموس بنسبة 76 بالمائة    وزير الداخلية يشرف على تنصيب الوالي الجديد لولاية برج باجي مختار    ممثل البوليساريو بالأمم المتحدة : 49 عاما تمر على اتفاقية مدريد في "تجاهل تام" لدعوات الأمم المتحدة لإنهاء الاستعمار    اختتام الاجتماع البرلماني حول المناخ بأذربيجان بمشاركة وفد مشترك من غرفتي البرلمان الجزائري    مباراة الجزائر/ليبيريا: مدينة تيزي وزو تتزين بالألوان الوطنية في لقاء تاريخي    جامعة عنابة : ندوة تاريخية إحياء للذكرى ال 70 لاستشهاد باجي مختار    عرقاب يعطي إشارة انطلاق أشغال فتح منجم الفوسفات    وزير المالية يبشّر بإصلاحات في 2025    مباراة تاريخية على ملعب آيت أحمد    لقاء بمجلس اللوردات حول الشراكة الثنائية    قوجيل يُخطر المحكمة الدستورية    وهران تحتضن أياما دولية للطب الفيزيائي وإعادة التأهيل    إزالة 480 ألف متر مكعب من الأوحال    مخطط النجدة بورقلة: تنفيذ تمرين محاكاة تدخل إثر وقوع كارثة طبيعية    السيد عطاف يتلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكي    مئات الفلسطينيين تحت الأنقاض في جباليا    ندوة حول ثورة الجزائر في الكتابات العربية والعالمية    إبراز دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الطبعة الثانية للصالون الدولي للتمور: أكثر من 180 عارضا منتظرون من 21 الى 23 نوفمبر بقصر المعارض    الزراعة الصحراوية: مشاركة 40 متنافسا في مسابقة الابتكار للمدرسة الوطنية العليا للفلاحة    هلاك ثلاثة أشخاص وإصابة اثنان آخران بجروح متفاوتة    دور الإعلام في سفارة فلسطين بالجزائر    فلسطين: 286 مستوطنا صهيونيا يقتحمون المسجد الأقصى المبارك    صايفي يرافق الخضر    طلبة في ضيافة البرلمان    إقبال واسع على جناح جامع الجزائر    بن عراب تتوّج بجائزة في الإمارات    احتجاجات عارمة بالمغرب    الابتكار في التكنولوجيا الرقمية حماية للسيادة الوطنية    المغرب مازال مستعمرة فرنسية.. وأوضاعه تنذر بانفجار شعبي    "عدل 3".. أقطاب سكنية بمخططات مبتكرة    124 أستاذ جديد بوهران استلموا القررارات النهائية    سيدات اليد الجزائرية يرفعن الرهانات بحجم الدعم والمرافقة    نخبة الكانوي كياك في مهمة التأكيد بتونس    أواسط "المحاربين" لتحقيق انطلاقة قوية    استراتيجية صحية جديدة لفرملة داء "السكري"    الوالي الجديد يحدد الأولويات التنموية    شعراء يلتقون بقرائهم في "سيلا 2024"    عدالة الثورة الجزائرية فرضت علي الانضمام لصفوفها    لطفي حمدان أول جزائري يترجم "1984" إلى العربية    "ميناء بجاية" لمشهد ب"داليمان"    الرابطة الأولى موبيليس/الجولة التاسعة: اتحاد الجزائر يلتحق بجاره مولودية الجزائر في صدارة الترتيب    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    توقيف 12 مطلوبا لدى الجهات القضائية    الصيدلي يلعب دورا محوريا في اليقظة الاستراتيجية للدواء    انطلاق أشغال المؤتمر الوطني ال8 للفدرالية الجزائرية للصيدلة    اليوم العالمي للسكري: تنظيم أنشطة تحسيسية وفحوصات طبية طوعية بأدرار    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التزام بثورة التحرير ومشاركة في الاستقلال الوطني
تكريم القس الراحل بيرينغي في المعرض الدولي للكتاب
نشر في المساء يوم 07 - 11 - 2015

بادر الصالون الدولي للكتاب مؤخرا وفي إطار إحياء الذاكرة الوطنية، بتكريم القس بيرينغي الذي أبلى البلاء الحسن أثناء الثورة التحريرية، فساندها منذ الرصاصة الأولى، وكان ممثلها الرسمي في العديد من المحافل الدولية. ظل هذا المناضل الرمز مرتبطا بالجزائر، ومساهما في معركة بنائها الوطني بعد الاستقلال، ليترك بعض المؤلفات التي لا تخل من هذا الرصيد الثوري الذي طبع حياته منذ أن وقف بصدر عار أمام النازية.
احتضنت اللقاء قاعة المحاضرات للمديرية العامة لقصر المعارض، وقد تم بحضور المؤرخ عمار بلخوجة والسيد هنري تيسيي رئيس أساقفة سابق بالجزائر، واللذين استعرضا جوانب من حياة هذا المناضل بحضور جمهور نوعي مهتم بهذا الجانب التاريخي الذي لم يكتب عنه الكثير. بالمناسبة، قدّم الأستاذ بلخوجة محاضرة عن بيرينغي، استهلها بالتنويه ببعض المواقف المشرّفة لبعض رجال الدين المسيحيين بالجزائر إبان الفترة الاستعمارية، الذين فضّلوا الوقوف مع الجزائريين حتى قبل اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، فكان يندد بعضهم بالقهر والتعذيب، وكان من هؤلاء فرانسوا مورياك الذي ندد بالتعذيب، مستشهدا بآلام المسيح عليه السلام، الذي لاقى التعذيب وعانى منه، وبالتالي فإن هذا السلوك الوحشي تنبذه المسيحية وتتبرأ منه. رجال دين آخرون ومناضلون شهدوا جرائم النازية، وكيف أن فرنسا أدانت ألمانيا في ذلك، ثم تطلق "أحرارها" و«مناضليها" يفعلون ما يشاءون على أرض الجزائر.
أكد المحاضر أن الصدمة الكبرى التي تسببت في استمالة المثقفين ورجال الدين الفرنسيين للقضية الجزائرية العادلة، كانت مجازر 8 ماي 1945، حينها أدرك هؤلاء الوجه البشع ل "فرنسا الحرة"، وعلى الفور تنبّه رجال الدين وأدانوا، وقال بعضهم: "لسنا من الذين يقولون دائما آمين لتزكية فرنسا الاستعمارية"، وهكذا رفض هؤلاء الركوع، وكان منهم الراحل بيرينغي، الذي قال: "ما أقسى أن يفقد الإنسان كرامته!".
التحق بيرينغي بالثورة مع الرصاصة الأولى؛ أي في سنة 1954، ودونما تردد أو تفكير فقد كان وعيه السياسي في أوجّه، ووصل إلى أن أصبح ممثلا عن الحكومة المؤقتة في العديد من الدول، خاصة بأمريكا اللاتينية، وقد بلغ صيت هذا المناضل الأصقاع، فاستدعاه فيدال كاسترو وأهداه جواز سفر كوبي، كما كان للراحل نشاطه المكثف في الصليب الدولي، وكان أيضا من مؤسسي الهلال الأحمر الجزائري. لم يكفّ بيرينغي عن مهاجمة نفاق "الغرب المتحضر" الذي ينتهج المكيال غير المتوازن بين أبناء الإنسانية الواحدة. أكد بلخوجة أن الراحل عمل مستشارا خاصا للرئيس بن بلة بعد الاستقلال، ثم اقترح عليه بومدين منصبا أسمى عند تولّيه الرئاسة، فرفض وعاد إلى تلمسان ليشتغل بالتدريس حتى سن التقاعد سنة 1972. بعد الاستقلال استقبل الراحل صديقه تشي غيفارا بالجزائر وكذلك كاسترو، لتظل الجزائر وفيّة لذكراه، علما أن شارعا بوهران يحمل اسمه، ويُنتظر أن يطلَق اسمه على معلم آخر بالعاصمة.
من جهته، أسهب الأب هنري تيسيي رئيس أساقفة الجزائر سابقا في الحديث عن هذا المناضل، الذي هو واحد من بين الفرنسيين الشرفاء الذين اختاروا الجزائر، وراح المتدخل يستعرض جوانب من حياة هذا الرجل منذ ولادته سنة 1915 بمنطقة العمرية (على الطريق بين وهران وتلمسان) من أبوين إسبانيين (الأندلس)، ثم انتقل للعيش بفرندة، وقبلها بأرزيو، وزاول مهنة الميكانيك كوالده، ثم تنقّل بين المدن، منها معسكر، وأخيرا استقر بالرمشي واحتك في كل ذلك بالجزائريين وأحبهم وأحبوه. ثم قرأ المحاضر بعضا من رسائل هذا القس المناضل، جاء في إحداها مايلي: "أنا مقتنع بأنه ليس من حق فرنسا أن تأخذ الجزائر كرهينة وتقيّدها وتنشر فيها اللاعدل وتسلب منها الحرية. وأنا مقتنع أيضا بأن الجزائر ليست فرنسية، ولن تكون فرنسية حسب قوانين التاريخ وعلم الاجتماع، فهي جزائرية وكفى". وقد نشر الكثير من رسائله منذ 56، وهو الذي كان متبنيا أهداف الثورة جملة وتفصيلا.
كانت خطاباته جريئة في الكنيسة، لذلك نُفي إلى وهران، بعدها حُكم عليه ب 10 سنوات حبسا وإسقاط الجنسية الفرنسية عنه، ليسافر إلى إيطاليا، ثم عمل ممثلا للهلال الأحمر الجزائري في أمريكا اللاتينية وفي الأمم المتحدة، وكذا ممثلا للحكومة المؤقتة باعتباره يتقن الإسبانية، فجال عبر الدول للتعريف بالقضية الجزائرية، منها الأرجنتين والمكسيك والأورغواي وكوبا وغيرها، واستغل سنة 1959 التي خصصتها الأمم المتحدة للحديث عن اللاجئين الجزائريين، وأنشأ لجان مساندة، وحين تفطنت فرنسا لذلك أرسلت مبعوثها المعروف مانغو للتشويش على الجزائر بهذه المناطق، لكنه فشل أمام قوة بيرينغي.
كان للراحل بيرينغي جواز سفر ليبي وآخر تونسي؛ كي لا يثير حساسية بعض الدول للجواز الكوبي ولقول إن الجزائر تقود ثورة ضد محتل وليس من أجل أي إيديولوجيا. أشار المحاضر الأب تيسيي إلى أن الراحل عاش بتونس، ثم دخل الجزائر بعد الاستقلال، وكان عضوا في المجلس التأسيسي، كما كان صديقا مقربا لبن بلة وعمل مستشاره الخاص حتى 65، لينسحب من العمل السياسي ويدرّس بتلمسان، علما أنه كان حاصلا على ليسانس في الأدب، وكان مولعا بالتاريخ. وبعد تقاعده سنة 1972 عاد إلى وهران وأشرف على كنيسة "الروح المقدس"، ثم التحق سنة 1994 بدار السلام بتلمسان، حيث له ذكريات نضال بها حتى آخر أيامه. وبعد فترة علاج قضاها بفرنسا توفي على إثرها سنة 1996، وطلب أن يُدفن على أرض الجزائر، وخُصصت له مراسيم دفن رسمية، وكان في استقباله حينها السيد عبد المالك سلال والأب تيسيي.
من بين الذكريات تحدّث الأب تيسيي عن سفره مع بيرينغي سنة 1969 إلى بيروت باسم لجنة مسيحيي الجزائر، للمشاركة في مؤتمر دولي هناك، وكان معهما سفير الجزائر ببيروت حينها امحمد اليزيد، كما ضم الوفد بيار شولي، وحضر أيضا مالك بن نبي والمؤرخ قداش وبوعبد الله (12 عضوا)، واستطاع هذا الوفد التوغل إلى الأردن ومقابلة ياسر عرفات في سرية تامة. ذكر المحاضر أن الراحل ورغم تواضعه وبساطة عيشه، رفض أي امتيازات نظير خدماته للثورة. وأثناء المناقشة تناول تيسيي حديثا خاصا بأسقف الجزائر الكاردينال دوفال أثناء الثورة التحريرية، الذي تدرج في الانضمام للثورة؛ حيث بدأ بالتنديد بالتعذيب، ثم كانت له إعلانات رسمية باسم الكنيسة، وقد صدر كتاب عنه ضم 30 شهادة، منها شهادة للرئيس بوتفليقة وأخرى لياسف سعدي.
تناول الحديث أيضا "فوج حسين داي" الذي تكوّن سنة 1951 برئاسة الأب سكوتو(علم اللاهوت)، وشارك فيه أعضاء من الكشافة وغيرها، منهم شولي وأدانت ممارسات المستعمر، ومنهم من قُتل في الثورة بعد انضمامهم لجبهة التحرير، خاصة على يد منظمة اليد الحمراء، كان منهم ماندوز وأندري قاليس، هذا الأخير الذي حوكم سنة 1957. قام الأب تيسيي بمناسبة هذا اللقاء التكريمي، بعرض بعض الكتب التي تناولت نضال الفرنسيين بالجزائر، منها كتاب "مسيحيو الجزائر" الذي ضم 50 شخصية انضمت للثورة، وكتاب رشيد خطاب الذي أنجز قاموسا عن الأوروبيين الوطنيين بعنوان "رفقاء وأصدقاء"، كما تناولت المناقشة بعض ما كتب بيرينغي، منها كتابته عن مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.