عاد الرعب النووي ليخيم من جديد على شبه الجزيرة الكورية ضمن تصعيد جديد بين بيونغ يونغ وسيول وبعلاقة متعدية مع واشنطن ضمن حلقة جديدة من مسلسل الحرب الباردة المتواصلة بين الشقيقتين العدوتين منذ سنة 1953. ولم يكن إقدام بيونغ يونغ على تنفيذ رابع تجربة نووية الأسبوع الماضي لتمر هكذا دون أن تجعل الولاياتالمتحدة، الحليف الوفي لسيول لأن تتحرك بقاذفة ال«بي 52 " الإستراتيجية للتحليق في المجال الجوي الكوري الشمالي ضمن رسالة قوية حملت رائحة نووية ضد نظام الرئيس كيم جونغ وان. وهي ثاني عملية تحليق لهذه المقنبلة نفذت مباشرة بعد إقدام النظام الكوري الشمالي على تفجير ثالث قنبلة نووية سنة 2013 ولكنها عادت أدراجها إلى قاعدتها الجوية بقاعدة جزيرة غوام في جنوب المحيط الهادي، في وقت واصلت كوريا الشمالية تجاربها غير عابئة بتلك الرسائل الردعية. وتعد التجربة النووية الكورية الشمالية نهاية الأسبوع الأخير بمثابة تحد حقيقي للمجموعة الدولية ولمعاهدة منع الانتشار النووي التي حصرت امتلاك السلاح النووي على القوى العظمى دون غيرها قبل أن تكسر كوريا الشمالية وقبلها الهند وباكستان عصا الطاعة بتجارب نووية أهلتها لدخول النادي النووي رغم أنف هذه القوى التي لا تريد أن تنافسها قوى أخرى في هذا المجال الحساس بزعم منع كل سباق نووي عالمي محموم لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وهي في الحقيقة تدافع عن مصالحها الإستراتيجية وحماية أمنها القومي بقوة الردع النووية. ولكن هل تحليق القاذفة الأمريكية سيردع بيونغ يونغ ويثنيها عن مواصلة تجاربها بعد أن تمكنت من تطوير قدراتها النووية رغم الحصار الدولي الذي فرض عليها منذ أدرجت ضمن قائمة "دول الشر"؟. وهو ما يدفع إلى القول أن التحرك الامريكي الكوري الجنوبي يبقى مجرد استعراض للقوة، فرضه وقع المفاجأة والصدمة التي تركتها التجربة النووية الكورية الشمالية التي أخلطت حسابات الشقيقة الجنوبية خاصة وأنها جاءت غداة أولى اللقاءات بين أفراد العائلات الكورية المشتتة بين البلدين وحملت حينها الأمل بإمكانية إذابة الجليد في علاقات شعبين عبر البوابة الإنسانية. ولكنه تقارب ما لبث أن انهار في زخم البحث عن التفوق العسكري الذي تريد بيونغ يونغ فرضه لمقارعة الدعم الأمريكي المقدم من طرف الولاياتالمتحدة لغريمتها الجنوبية. وبقدر ما أحدثت التجربة النووية الكورية الشمالية هزة قوية في باطن الأرض وفي عالم الدبلوماسية، فإنها فتحت الباب أمام أمر واقع سيجعل من كوريا الشمالية قوة نووية تثير الرعب في دول منطقة جنوب شرق آسيا التي أصبحت تبدي مخاوف متزايدة من تجارب قادمة ستخلط كل الحسابات وتدفع بالجميع إلى التفكير في تطوير قدراتها النووية لمواجهة كل خطر محتمل عليها.