عاشت بلجيكا أمس ومعها كل أوروبا يوما أسود ومرعبا إثر تفجيرات عنيفة هزت قلب العاصمة بروكسل، تبناها ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية" واستهدفت في ساعات الذروة من الصباح، المطار الدولي للمدينة الأوروبية ومحطة ميترو الأنفاق، خلفت في حصيلة أولية سقوط ما لا يقل عن 34 قتيلا وأكثر من 136 جريحا (تقارير تتحدث عن احتمال ارتفاع هذه الحصيلة). واهتزت العاصمة الأوروبية بروكسل على وقع تفجيرين عنيفين وقعا داخل المطار الدولي، أحدهما من تنفيذ انتحاري سرعان ما تلاهما تفجير ثالث استهدف محطة ميترو الأنفاق الواقعة بقلب المدينة والقريبة من مؤسسات الاتحاد الأوروبي. سمع أولا دوي تفجير عنيف داخل مطار "زافنتام" خلف في حصيلة أولية سقوط 14 قتيلا وعدة جرحى، مثيرا حالة فوضى عارمة وذعرا كبيرا في أوساط المسافرين الذين ركضوا بمختلف الاتجاهات، تاركين وراءهم أمتعهم وسط صراخ الحاضرين واستنفار أمني شديد تعالت معه سافرات إنذار سيارات الشرطة وفرق النجدة. شهود عيان أكدوا أنهم سمعوا أولا دوي رصاص بقاعة المطار قبل وقوع التفجيرين. الشرطة البلجيكية أعلنت أنها فككت عبوة ناسفة ثالثة في قاعة المغادرين بمطار بروكسل إضافة لعثورها على حزام ناسف لم ينفجر وبندقية كلاشنيكوف قرب جثة مهاجم ببهو المطار، في نفس الوقت الذي بثت فيه صور لكاميرات المراقبة تظهر ثلاثة أشخاص وهم يجرون عربة الحقائب يشتبه في أنهم المهاجمون. بينما كانت الأنظار موجهة إلى ما يحدث في المطار الذي شهد صعود أعمدة دخان من فوقه حدث انفجار بتفجير ثالث لحظة وصول القطار محطة الميترو "مالبيك" الواقعة بالحي الأوروبي الذي يضم مؤسسات أوروبية ومقر حلف الناتو، مما خلف سقوط 20 قتيلا وإصابة 106 آخرين من بينهم 30 شخصا وصفت حالتهم بالخطيرة. نقل التلفزيون الرسمي البلجيكي الصور التي أظهرت القاطرة المستهدفة وقد دمرت عن آخرها جراء التفجير، حيث تحطم زجاج النوافذ وتمزقت الكراسي وتلطخت جدرانها بدماء الضحايا الذين تناثرت أشلاء البعض منهم وسط حالة من الذعر الشديد أصابت باقي الناجين. رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشال، صرّح "كنا نخشى الاعتداء وها هو قد وقع"، واصفا التفجيرات ب "العمياء والعنيفة والحقيرة". وقال "إنه يوم أسود بالنسبة لهذا البلد". من جانبه أكد وزير الخارجية البلجيكي، ديدي راندرس أن سلطات بلاده تعتقد "بوجود أشخاص آخرين في الطبيعة". ونفت شركة الطيران الأمريكية "اميركان ايرلينز" أن يكون التفجير الذي استهدف مطار بروكسل قد وقع قرب مكتبها للتسجيل وفق ما أعلنت عنه تقارير إعلامية وأكدت أن ولا أحد من موظفيها قد أصيب. ورفعت على إثرها السلطات البلجيكية حالة التأهب ضد الإرهاب إلى الدرجة القصوى في جميع أنحاء البلاد، حيث تم إغلاق المطار الدولي ووقف الرحلات الى إشعار آخر وإخلاء مختلف محطات النقل بعد إعلان هيئة النقل البلجيكية وقف كل وسائل المواصلات العامة بالمدينة. تأتي هذه التفجيرات بعد أربعة أيام من إلقاء أجهزة الأمن البلجيكية القبض على صلاح عبد السلام حيا والذي قدم على أنه الناجي الوحيد من المجموعة التي نفذت هجمات باريس التي أوقعت 130 قتيلا شهر نوفمبر الماضي.ولأنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها أوروبا بمثل هذه التفجيرات الدامية، فقد عمت مشاعر الخوف من توسع دائرة التفجيرات لتشمل عواصم أوروبية أخرى التي سارعت إلى اتخاذ إجراءات احترازية بدء من لندن ومرورا بباريس ووصولا إلى فرانكفورت وكوبانهاغن...الخ عززت مختلف هذه العواصم وكبريات المدن الأوروبية من إجراءاتها الأمنية بمختلف الأماكن العامة والحساسة والإستراتيجية خاصة المطارات ومحطات النقل والمنشآت النووية، وهي التي كانت رفعت منذ تفجيرات باريس 13 نوفمبر الماضي من حالة الاستنفار الأمني تحسبا لأي تهديدات إرهابية محتملة. ردود فعل دولية منددة توالت ردود الفعل المنددة بهجمات بروكسل، حيث دعا مختلف القادة خاصة الأوروبيون منهم إلى توحيد الصف من أجل محاربة الإرهاب، معتبرين أن تفجيرات بروكسل استهدفت كل أوروبا وقيمها الديمقراطية. وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي قال إن كل أوروبا استهدفت عبر تفجيرات بروكسل. وأكد أنه يتوجب على أوروبا اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة خطورة هذه التهديدات. بينما أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتواجد في زيارة تاريخية إلى كوبا وقف حكومته إلى جانب الحكومة والشعب البلجيكيين. وعبرت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فدريكا موغورني وقد اغرورقت عيناها بالدموع عن بالغ حزنها لما قالت إنه "يوم جد حزين لكل أوروبا". وقالت موغريني المتواجدة بالعاصمة الأردنية عمان إن "أوروبا وعاصمتها تعاني اليوم من نفس الألم الذي عانت وتعاني منه هذه المنطقة (الشرق الأوسط) كل يوم". وأضافت "نحن متضامنون ليس فقط مع معاناة الضحايا ولكن أيضا في رد الفعل على هذه الأعمال والوقاية جميعا ضد التطرف والعنف". رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون توعد "بعدم ترك هؤلاء الإرهابيين ينتصرون". وقال في اجتماع طارئ بحكومته خصص لتفجيرات بروكسل "نحن في مواجهة تهديد إرهابي جد فعال عبر مختلف الدول الأوروبية ويجب مواجهته بكل الإمكانيات". في حين اعتبر وزير الداخلية الألماني توماس دو ميزيار أن هذه التفجيرات لا تستهدف فقط بلجيكا بل كل أوروبا، قال وزير الخارجية الإسباني خوزي مانويل مارغالو إن "البلدان الغربية أصبحت هدفا رئيسيا للجماعات الإرهابية". ووصف ظاهرة الإرهاب بأنها "بالغة الخطورة" مما جعله يلح على ضرورة تنسيق الجهود على المستوى الدولي لمواجهتها بشكل ناجع باعتبار أن هذه الجماعات المسلحة تنشط على شكل "عصابات منظمة". ردود الفعل المدينة لهجمات بروكسل توالت من مختلف الدول العربية والأمم المتحدة ومختلف الهيئات الإقليمية. كرونولوجيا التفجيرات الإرهابية التي مست عواصم غربية أوروبا تُستهدف مجددا في عقر دارها وهي التي اكتوت مرارا بنار الإرهاب عبر تفجيرات إرهابية هزت أهم عواصمها ومدنها الكبرى، أكدت أنه لا بلد مهما كانت قدراته الاستخباراتية ووسائله الأمنية وترسانته العسكرية وتطوره التكنولوجي في منأى عن ظاهرة "إرهابية" تخطت كل الحدود وهي اليوم تضرب بقوة في أوروبا. فبالأمس القريب فقط، اهتزت العاصمة الفرنسية باريس (13نوفمبر الماضي) على وقع سلسلة تفجيرات انتحارية ومتزامنة، استهدفت أماكن عامة مختلفة وأسفرت عن مصرع ما لا يقل عن 130 شخصا وعشرات الجرحى. وكان ذلك التفجير بمثابة سافرة إنذار لتوغل "الإرهاب" في القارة العجوز التي سارعت دولها إلى اتخاذ إجراءات أمنية للتصدي للظاهرة لكن يبدو أنها فشلت في احتوائها بدليل تفجيرات أمس بالعاصمة البلجيكية بروكسل. قبل تفجيرات باريس في نوفمبر الماضي، كانت فرنسا أيضا محل هجوم دامٍ، استهدف في شهر جانفي من العام الماضي صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة وخلف 12 قتيلا من بينهم ثمانية أشخاص من العاملين بالمجلة. بلجيكا التي تعيش على وقع الصدمة اليوم، سبق أن استهدفت هي الأخرى بهجمات مسلحة كان أبرزها ذلك الذي وقع في 24 ماي 2014 عندما فتح شخص مسلح النار في المتحف اليهودي بقلب بروكسل وخلف سقوط أربعة قتلى من بينهم اثنان من السياح الإسرائيليين. في السابع جويلية 2005، اهتزت بريطانيا إثر تفجير أربعة انتحاريين أنفسهم في هجمات منسقة على شبكة مترو الأنفاق بقلب العاصمة لندن وحافلة خلقت مقتل 52 شخصا وجرح 700 آخرين. واعتبرت تلك الهجمات بالأسوأ التي تشهدها الأراضي البريطانية منذ تفجير طائرة أمريكية فوق لوكربي باسكتلندا في عام 1988 ونسب إلى تنظيم "القاعدة" الإرهابي. إسبانيا هي الأخرى لم تكن في منأى عن الهجمات الإرهابية، وهي التي اهتزت في 11 مارس 2004 على وقع تفجير عشرات القنابل المملوءة بالشظايا في أربعة قطارات ركاب كانت متجهة إلى محطة "اتوتشا" في العاصمة مدريد، أدت إلى مقتل 191 شخصا وجرح ما لا يقل عن 2000 آخرين. وقال متطرفون إنهم نفذوا تلك الهجمات المنسقة نيابة عن تنظيم "القاعدة" انتقاما لمشاركة إسبانيا في الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة على العراق عام 2003. وفجر السبعة المشتبه بهم الرئيسيون أنفسهم داخل شقة بالقرب من مدريد بتاريخ 3 أفريل 2004، مما أسفر عن مقتل شرطي أيضا. أما أخطر وأعنف الهجمات الإرهابية التي شكلت المنعرج فيما وصف ب«الحرب على الإرهاب"، فكانت تلك التي ضربت الولاياتالمتحدةالأمريكية، أكبر دولة في العالم والكل يتذكر تلك الهجمات المروعة التي استهدفت في 11 سبتمبر 2001 برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون بمدينة نيويورك وكيف هوت العمارتان (ناطحتا سحاب) إثر اصطدامهما بطائرات مدنية وكانت الحصيلة دامية بمقتل 2900 شخص وإصابة آلاف الجرحى.