يشرف الوزير الأول، السيد عبد المالك سلال، السبت القادم، على اختتام فعاليات أكبر تظاهرة عاشتها قسنطينة، حوّلتها من عاصمة للشرق الجزائري إلى عاصمة للعرب، بل ولوفود أجنبية قدمت من أربع قارات بدعوات أو برغبة التطلّع والسياحة. تظاهرة كانت عاما من الثقافة والفن والتسوّق والإنجازات، لكنها أيضا شكلت استثناء في الصدى والتفاعل معها بتميّز قسنطيني أكاد أقول بات يشتّق أحكامه ومواقفه من طبيعة تضاريس المدينة نفسها التي جثمت على الصخر الصلب والوهاد الحجرية والدهاليز التي تعبر "أرجل" المدينة وأسس بناياتها القديمة التي أصبحت هي الأخرى مثيرة للجدل والنقاش وحتى الاحتجاجات. سكانها متمّسكون بجدران تتساقط كل شتاء أو ارتدادات بفعل العواصف والثلوج والزلازل التي دفعت الروائي الراحل الطاهر وطار ومن خلال بطله في رواية الزلزال الشيخ بولرواح إلى التضّرع إلى الله حتى يزلزلها تحت أقدام ساكنيها تشفيا وانتقاما من وضعه المعيشي الصعب ومن دسائس ما يحيكه أبناؤها لبعضهم في الخفاء، مناورات عطّلت دواليب التنمية وشلت مواطنيها في كثير من الأحيان بما لا يفيد نتيجة تجاذبات وصراعات لا فائدة منها. لكن قسنطينة أيضا هي قلعة للحسن وهبة من الرحمان مدينة تشتق اسمها من تاريخها ونضالها وجهادها ومقاومتها على مرّ الأزمان منذ الرومان وما بعد الرومان. ظلت مكابرة عصية على أعدائها "ومستصغريها" هي "ترمومتر" السياسة والثقافة والنضال النقابي على غرار عديد المناطق أيضا، لكن تميّزها أنها جزء من كل جزائري، فهي قويّة الإغراء والجاذبية. استوطن فيها الجميع، بل استوطنت فيها كل الشعوب والديانات والأعراق، لتشكل خليطا متمازجا من الحضارات والثقافات. رغم ما شهدته قسنطينة من هذا الانفتاح، والتكامل ظلت محافظة على بعض "خصوصياتها". أحيانا بشكل لا يقبله من يدخلها لأول مرّة، أو كان عابر سبيل، فهي لا تلقي بنفسها إلى ضيوفها من أول وهلة، بل تفضّل التمنّع حتى تتداخل الأحاسيس والمشاعر وتنسجم "الودّية" في القلوب بشكل متجذّر، يستعصي على زائرها بعد ذلك فراقها. هكذا اعترف كل الولاة والمسؤولين الذين تعاقبوا على هذه الولاية. وهكذا كتب المبدعون والروائيون والفنّانون من كاتب ياسين ووطار ومالك حداد وماسياس وبوجدرة وغيرهم كثيرون..