أقام المجلس الإسلامي الأعلى سهرة أول أمس بمقره، وقفة تأبينية بمناسبة أربعينية وفاة رئيسه الدكتور أبو عمران الشيخ، حضرها رفقاؤه وأصدقاؤه وعائلته، استعرضوا فيها جوانب من حياة هذا الرجل وكذا بعض الذكريات معه، وأجمعوا كلهم على رفعة مكانته وسمو أخلاقه وواسع علمه الذي نشره بالجزائر وخارجها. افتتح اللقاء الأستاذ محمد شنقيطي، الذي أكد في كلمته أن الفقيد كان منبرا للعلم والدين والثقافة، مستحضرا، بهذه المناسبة، خصاله التي يشهد لها الجميع، لذلك سيبقى قامة من قامات الجزائر، سخّر حياته للمعرفة ولخدمة دينه ووطنه، وهو الذي تتلمذت على يده أجيال من الباحثين والإطارات. من ضمن ما جاء في كلمة المتدخل أن الراحل كان معلما ومربيا تدرّج عبر كل مراحل التعليم من الابتدائي إلى المتوسط، ثم الثانوي إلى الجامعي. كما أن تكوينه الفلسفي طبع مسيرته العلمية، فكان حكيما بآرائه وحكيما أيضا في سلوكه ومعاملاته، ينبذ التطرف والتعصب والأفكار المسبقة، وينادي عوض ذلك إلى الوسطية وإلى رابطة دينية تتجاوز حدود العبادات إلى مجال الحضارة والعمران والتاريخ وكل ملاحم الإسلام. كان الراحل يقرن الإيمان بالعمل الصالح؛ تطبيقا لما جاء في القرآن الكريم، لذلك اهتم بالأخلاقيات وضرورة تطبيقها والالتزام بها في كل المجالات، وكان يجسد ذلك حتى في اختيار مواضيع الملتقيات الدولية التي ينظمها، من ذلك "اقتصاد السوق وأخلاقيات الإسلام"، وكان يعتبر أن زوال الأخلاق هو ترسيخ لقانون الغاب. بعدها تدخّل الأستاذ بلعلام، وهو صديق الراحل وصهره (رئيس مؤسسة مولود بلقاسم نايت بلقاسم)، أشاد بدوره بخصال الراحل، وقال إنه كان واحدا من جيل حمل متاعب الثقافة الإسلامية منذ العهد الاستعماري، وبالتأكيد فإن رحيله لا يعوَّض؛ باعتبار أن العالم والمثقف صعب تعويضه بآخر؛ لأنه حصيلة خبرة، وهو ابن عقود من الزمن.أشار المتدخل إلى أنه يعرف الراحل منذ سنة 1969 بمناسبة انعقاد الملتقى الإسلامي الثاني بمفتاح، وحينها أثار الجميع من خلال محاضرته بعنوان "هل العلم يدعو إلى الإباحية؟" وبحضور شخصيات بارزة منها الراحل مالك بن نبي، ومن حينها أصبح صديقه حتى الوفاة، وكانا متلازمين، وتطورت العلاقة بعد أن أصبحا صهرين، فقد تزوج الابن الأصغر لأبي عمران ببنت بلعلام.من صفات الراحل التي ذكرها صديقه عزة النفس؛ فهو لم يمد يده للغير والتزامه نحو عائلته؛ حيث ربى أبناءه على العلم والأخلاق، وكان له 7 بنات و4 أولاد، وكلهم يحملون شهادات علمية عليا، منهم الدكتورة البروفيسور فضيلة المختصة في الأمراض الباطنية، والتي حضرت الحفل، وكانت متأثرة (سبق ل "المساء" وأن التقتها باعتبارها مؤلفة أيضا). كما كان الراحل صديقا للجميع مهما كانت توجهاتهم، وهنا أسهب المتدخل في وفاء الرجل لأصدقائه، منهم الأستاذ محمد الصغير فرج بتيزي وزو، الذي كان يحرص على زيارته، وكذا محمد الجيجلي الذي يربطه به حنين الكشافة التي قضى بها الراحل عمرا طويلا.درس الراحل أيضا بمعهد ابن باديس بقسنطينة، واتصل بالعربي التبسي، وكان له حضور مشرف في النضال الوطني. وبعد الاستقلال تولى عدة مسؤوليات، منها وزير للثقافة والإعلام، ورئيس للمجلس الإسلامي الأعلى، وكان محل ثقة بالداخل والخارج؛ لذلك دعاه مسلمو كوريا فذهب ووجدهم 6 آلاف، وعرف أنهم أسلموا سنة 1951 بفضل جنود أتراك بسطاء، وهنا علّق بلعلام: "الإسلام يمشي وحده وينشره حتى الجنود البسطاء، عوض دعاة الفتنة الذين ينشرون اليوم الفرقة والتطرف". توالت بعدها التدخلات؛ من ذلك شهادات تلاميذ الراحل الذين كانت لهم ذكريات معه، منها سماحته وطول باله، وهنا لم يتمالك بعض أعضاء المجلس نفوسهم، فراحت تدمع عيونهم، رحم الله الشيخ ورحم رجالات الجزائر الذين تركوا الأثر الطيب. a