أربع سنوات تمر على استفتاء 29 سبتمبر 2005 على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، الذي أعاد للجزائريين آمالا كبيرة في رؤية نار الفتنة تنطفئ في بلادهم بعد أن ابتليت بأقبح واخطر الآفات العالمية، غير أنها استطاعت أن تجد مخرجا لأزمتها الأمنية، بفضل رجالها ونسائها الذين وقفوا في وجه الإرهاب الأعمى ثم اختاروا نهج الصفح والتصالح مع الذات والوطن مزكين بذلك المسعى السامي الذي بادر به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. لقد جاءت المصالحة الوطنية كحقنة لمرض استعصى علاجه، واستدعت مداواته البدء بجرعات مخففة، شملها قانون الوئام المدني الذي مهد الطريق لسياسة أوسع و أشمل، اختار لها الرئيس بوتفليقة، شكل ميثاق مدعم بتدابير عملية أحاطت بكل جوانب الأزمة التي أفرزت المأساة الوطنية. ولأهمية المسعى فقد أعلن رئيس الجمهورية عن مشروع الميثاق من اجل السلم والمصالحة في حفل خاص بقصر الأمم بنادي الصنوبر في 14 أوت 2005، حيث لم تتأخر مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي في الانخراط فيه، حتى قبل الإعلان عن خطوطه العريضة، ثم احتضنه الشعب في استفتاء تاريخي نظم في 29 سبتمبر 2005، وكان ذلك بمثابة التأكيد على رغبته في إحداث القطيعة مع سنوات الأزمة والجنوح للصفح ونبذ الأحقاد من جهة وتجديد الثقة في الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال تبني سياسته من اجل السلم من جهة أخرى. وقد جاءت المصالحة الوطنية بقيمها الإنسانية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وشملت كافة الفضائل والقيم الراسخة في المجتمع الجزائري مثل الصفح والعفو عند المقدرة وطي الصفحة لبناء مستقبل خال من الضغائن والأحقاد وتصفية الحسابات وتجنيب النشىء الوقوع في أخطاء الجيل السابق. واحتوى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية هذه القيم والفضائل، وجاء بتصور شامل للأزمة، ولذلك كانت نتائجه ايجابية، حيث سمح بعودة أعداد كبيرة من المغرر بهم إلى أحضان الوطن، وتراجعت أعمال التقتيل والتفجير بوتيرة سريعة حتى عاد السلم والاستقرار إلى ربوع الوطن، بالرغم من بعض العمليات الإرهابية التي عاشتها الجزائر في الآونة الأخيرة، والتي لا يمكن تصنيفها سوى ضمن خانة الانتقام من النجاح الباهر الذي حققته سياسة المصالحة الوطنية، والتي تظل الدولة متمسكة بها أكثر من أي وقت مضى، حيث أكد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في هذا الإطار بأن الدولة لن تتراجع عن انتهاج مسار المصالحة الوطنية، التي تبقى تشكل الخيار الإستراتيجي لحل الأزمة نهائيا، وأكثر من ذلك دعا في خطاب له بمناسبة الاحتفال بعيدي الاستقلال والشباب، إلى تعزيز هذا المسار وتعميقه من خلال العمل على تكريس أهداف هذا المسعى الرامي إلى إخماد نار الفتنة ونبذ الفرقة ولم الشمل، وإرساء دعائم تنمية وطنية شاملة ومتوازنة، خالية من مظاهر الاختلال والإقصاء، وهو ما دفع بالبعض إلى الحديث عن تدابير جديدة يحتمل إقرارها مستقبلا من أجل دعم المسعى، وسد الثغرات المسجلة على مستوى تطبيق التدابير المتضمنة في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على أرض الواقع. وبالموازاة مع تبنيها المصالحة الوطنية كخيار أساسي لحل الأزمة، وإصرارها على إبقاء أبواب الصفح والرحمة مفتوحة في وجه المغرر بهم، تبقى الدولة متمسكة بمواصلة محاربة بقايا الإرهاب بلا هوادة، ومطاردة العناصر الإرهابية التي لازالت ترفض التوبة والالتحاق بأحضان الشعب، وبالتالي الاستفادة من تدابير العفو والإجراءات التخفيفية المتضمنة في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، على غرار العديد ممن استفادوا منها منذ بداية العمل بها في مارس 2006 . وفي هذا السياق يجدر التذكير أنه في إطار تطبيق تدابير الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية، تم حسب المصالح المتخصصة التكفل بالعائلات المعوزة التي تورط أحد أفرادها في الإرهاب، حيث تم استقبال 13100 ملف، وتسوية 5730 ملف منها، بالتزام مالي بقيمة تفوق 4,20 مليار دينار. أما بالنسبة لملفات تعويض الأشخاص الذين تعرضوا للفصل من عملهم بسبب تورطهم في وقائع مرتبطة بالمأساة الوطنية، فقد تم التكفل ب5930 ملف، حيث التحق 1455 شخصا بمناصب عملهم الأصلية بينما تحصل 3734 شخص على تعويضات، مع الإشارة إلى أن الدولة خصصت لهذه الفئة غلافا ماليا يفوق 7,30 مليار دينار. وبلغ عدد الأشخاص المستفيدين من إجراءات إلغاء المتابعات القضائية الى غاية شهر فيفري الماضي 2226 شخصا، واستفادت من التعويض 5500 عائلة من عائلات المفقودين المقدر عددهم ب6145 شخص. وفي إطار استكمال تنفيذ تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية فقد خصصت الحكومة برسم قانون المالية لسنة 2009 غلافا ماليا مقدرا ب16 مليون دولار موجه لتعويض ضحايا الإرهاب. ودعما لكل ما يتم تحقيقه بفضل تدابير ميثاق السلم والمصالحة وتثمينا لهذه السياسة التي حظيت باهتمام وإشادة المجموعة الدولية، تسهر الدولة على توسيع مبادراتها التنموية، لتشمل مختلف فئات المجتمع وكافة مناطقه، وذلك في إطار التوجه الجديد الرامي إلى إخراج البلاد من نفق التخلف والقضاء على مظاهر الاختلال والدفع نحو مستقبل زاهر لجزائر عصرية متصالحة مع كل أبنائها.