لم تعد حديقة "جوزيف بروس تيتو" الواقعة ببلدية باب الزوار، شرق العاصمة، توفر الراحة والتسلية والهدوء، ولم تبقَ ملاذ العائلات الباحثة عن الاستجمام بالشكل الذي كانت عليه من قبل، والسبب ببساطة -حسب شهادات المواطنين ومعاينتنا الميدانية- أن بعض السلوكات المشينة والتجاوزات أفقدت هذا المرفق سمعته الطيبة، وحوّلته عن الغرض الذي وجد من أجله، ويكفي الزائر اليوم أن يدخل باب الحديقة، فتصدمه مناظر غير أخلاقية انتشرت في غياب التنظيم والمراقبة. حسب بعض سكان حي 5 جويلية، القريب من الحديقة، فإن في غياب جمعيات أو لجان الأحياء، ترك الحبل على الغارب، وفتح الباب لكل من هب ودب لاستغلال هذا المرفق العمومي الهام بطريقة فوضوية، ومنها تجهيزات التسلية الواقعة بقلب الحديقة التي أكل عليها الدهر واستغل بعضها، والحوض الذي جفت مياهه، رسمت صورة غير مريحة، وأدت إلى إبعاد روادها الذين كانوا يقصدونها فرارا من ضغط العمل ورتابة الحياة اليومية، وفي ظل هذه الوضعية بقيت الحديقة مكانا للمواعيد الغرامية وممارسة الممنوعات، يكفي وجود حانة وملهى بوسطها. ولم يجد بعض السكان الرافضين لهذه الوضعية إلا طلب تدخل إمام مسجد حمزة بحي 5 جويلية المجاور والتطرق إلى الأمر من خلال الدروس وخطبة الجمعة، وقد كانت "الخيمة النايلية" التي تم تنصيبها وسط الحديقة منذ شهر رمضان النقطة التي أفاضت الكأس، حيث كانت أصوات الموسيقى المنبعثة من مكبر الصوت تختلط بصوت مرتل القرآن خلال صلاة التراويح. القائمون على المسجد الذين احتجوا على هذه التجاوزات اتصلوا بمسؤول الخيمة، لتخفيض الصوت احتراما لمشاعر الناس، خاصة المصلين الذين أفسد هذا التصرف روح الخشوع والتعبد لديهم. ولاستقصاء الأمر، قصدنا الخيمة النايلية التي اختصت في تقديم أطباق تقليدية مثل؛ "الشخشوخة"، "الزفيطي"، الشاي والمكسرات، وتوفر متكأ من الوسادات والزرابي للزبائن وتسليتهم بموسيقى نايلية، وحتى راقص بزي نايلي يرقص على وقعها. وقال أحد العمال، وجدناه يرتب الخيمة ويحضر الأطباق، أنه حقا تلقى انتقادا من لجنة المسجد، ولم يتلق أي اعتراض لا من طرف السكان المجاورين ولا حتى من طرف المصالح الإدارية والأمنية، وأن نشاط الخيمة مرخص له وفق عقد قانوني من طرف مصالح البلدية، وأفاد محدثنا الذي بدا غير راض عن استجوابنا له - أنه كان الأجدر بالقائمين على شؤون المسجد أو حتى السكان المنتقدين لنشاط الخيمة أن ينتقدوا ما يحدث فعلا بأركان هذه الحديقة، خاصة في جنح الظلام، حيث يختفي "الأزواج" في زوايا المرفق ويجاهرون بالفحشاء ولا أحد يتحرك، مجيبا بشأن الموسيقى الصاخبة أنه تم خفض الصوت بشكل لا يسمع بعيدا عن الخيمة، وأن مدة العقد تنتهي في منتصف سبتمبر. تساءل أحد الأولياء، وجدناه يصطحب بعض صغاره للحديقة، عن سر بقاء هذا المرفق الهام خارج إطار المراقبة، رغم أنه يقع على حافة الطريق المؤدي إلى مطار هواري بومدين الدولي، وأن مؤسسة تطوير المساحات الخضراء "أوديفال" تبذل جهودا كبيرة في سبيل المحافظة على الإطار الأخضر، والاعتناء بالنباتات والأشجار، وتجد صعوبة في ردع رواد الحديقة خاصة "الأزواج" الذين يتخذون مختلف أركانها مكانا للجلوس، دون التورع عن القيام بتصرفات تخدش الحياء وتنفر العائلات. وينتظر سكان البلدية أن يتم التكفل بهذه الحديقة التي يوجد بها مسبح وملعب جواري، وطرق معبدة تعد مضامير لممارسي الرياضة، وهو ما لاحظناه في عين المكان. وفي اتصالنا برئيس بلدية باب الزوار، السيد العمري كرمية، أوضح لنا أن التجاوزات كانت في البداية، ولكن تم حل مشكل انبعاث صوت الموسيقى عبر مكبر الصوت، نافيا أن يكون قد تلقى شكاوى من طرف سكان الحي، وحسبه، فإن مصالح البلدية تطالب بتمكينها من حق التصرف في هذا الفضاء الهام، لاستغلاله من أجل تحسين مداخيل البلدية، خاصة أن عدة مصالح لها مرافق على مستوى تراب الحديقة، مثل ديوان التسيير العقاري الذي يسيّر عدة محلات، ومديرية الشباب التي تسيّر المسبح، وغيرها..