تقف فوضى الاستيراد وراء المشاكل العالقة بالقطاع التجاري في الجزائر منها استفحال وتوسع رقعة السوق الموازية ودخول سلع غير مطابقة منها المضرة والممنوعة والخطيرة، ورغم الاجراءات القانونية المتخذة للحد من ولوج متعاملين غشاشين هذا الجانب من التجارة الخارجية منها صدور المادة 13 من قانون المالية التكميلي ل 2005 وتشكيل لجنة وزارية مختلطة لمراقبة الاستيراد، فإن المعطيات الخاصة بهذا الجانب من التجارة يؤكد غياب جهة مختصة مخول لها مراقبة ومتابعة الاستيراد وهذا في ظل وجود شركات أجنبية للاستيراد تنشط بالجزائر بلغ عددها 1273 شركة استيراد وتصدير عند نهاية سبتمبر 2007 · تشهد السوق الداخلية بالجزائر فوضى عارمة يعكسها تدفق السلع المستوردة بشكل عشوائي ودون مراعاة مقاييس النوعية وشروط الرزم والوسم وهذا رغم وضوح النصوص القانونية الخاصة بهذا الجانب، وتحول المستهلك الجزائري الى ضحية بفعل استهلاكه لمنتوجات مضرة وأخرى خطيرة على الصحة، هذا دون الحديث عن تمرير هؤلاء المستوردين قطع غيار مغشوشة واغراق السوق بمواد ممنوعة وغالبا ما يلجأ هؤلاء المستوردون إلى التصريح الكاذب لإدخال أي سلعة مشبوهة او التهرب من دفع الضريبة·
مواد مسوقة لا تتطابق والمعايير
وحسب خبير اقتصادي في تصريح سابق ل المساء فإن نشاط بعض المستوردين يندرج في اطار نشاط الاستيراد غير الرسمي الذي تموله السوق الموازية للصرف، وبالتالي فإن لا أحد منهم يتضرر في حال ضبط أي حمولة من طرف المصالح المعنية وهذا مهما كانت حمولتها، وفي حصيلة للمديرية الجهوية للتجارة تم خلال التسعة أشهر الماضية على مستوى ميناء العاصمة ومطار هواري بومدين تسجيل ما يقارب 77 ألف طلب لإدخال سلع مستوردة وعند المعاينة تم اكتشاف 512 منتوجا غير مطابق للمعايير يمثل اجمالا حمولة تقدر ب112 ألف طن منها اكثر من 96 طن منتوجات فلاحية غذائية وأكثر من 15 ألف طن منتوجات صناعية و54 طنا تتعلق بمواد التجميل والنظافة· وحسب مدير فرعي بالمديرية فإنه خلال معاينة 141 عينة، تم الكشف عن وجود ما نسبته 3.54 % مواد مستوردة غير مطابقة للمقاييس· ويذهب البعض من المختصين في تفسيرهم لهذه الفوضى التي يشهدها جانب من التجارة الخارجية والذي انعكس سلبا على السوق الداخلية إلى انفلات القطاع من مراقبة الدولة خلال الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر· وحسب السيد عمار سعدي رئيس اللجان الاستراتيجية بالاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، فإن الاستيراد يخضع لقوانين معينة تنظمه ويتم على مستوى الحدود مراقبة النوعية والجودة، لكن السوق الداخلية للمواد الواسعة الاستهلاك تغرق بمواد تغيب فيها النوعية ولا تستجيب للمعايير والأخطر في هذا أنه بمجرد خروج السلع من نقاط التفتيش الحدودية، مطارات، موانئ بحرية وحدود برية، تنتهي مهمة المستورد ولا يتم متابعته في حال وجود أي مشكل ويوضع بذلك التاجر في الواجهة ويتحمل المسؤولية لوحده، وعلى هذا الأساس يرى محدثنا بأنه من واجب السلطات المختصة تحديد المسؤوليات من خلال توسيع مجال تدخل مختلف الأطراف المعنية وتكثيف الرقابة على مستوى نقاط العبور خاصة وأنه ثبت خروج سلع من الميناء دون رقابة· وتؤكد إحدى مصادرنا بأن نشاط الاستيراد باعتباره أحد أهم العوامل التي أخلت بالسوق الداخلية للسلع ومستوى الإستهلاك لا يمكن أن يبقى متسترا وراء إسم المستوردين الوهميين أو الغشاشين وأنه لا يمكن إهمال الدور السلبي لهؤلاء لأن السوق الموازي للصرف فتح المجال أمام المستوردين الرسميين لإجراء معاملات تجارية إضافية خارج الضوابط ويتم في ذلك إبرام صفقات غير رسمية عن طريق الأموال التي لا تمر عبر البنوك وهو ما يفتح المجال لإدخال سلع عبر قنوات التهريب وإغراق السوق الداخلية بها وجني أرباح طائلة يتم تطبيقها بطرق أو بأخرى· ففي إحصاء قام به المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي في 2004 حول الاقتصاد غير الرسمي، أكد بأنه من مجموع 33 مستورداً خاصا وعموميا تم الكشف عن وجود 44 مليار دينار لا تخضع للضريبة خلال سنة واحدة فقط· 1273 شركة استيراد أجنبية بالجزائر والأكثر من ذلك يعاب على القوانين الجزائرية فتحها المجال واسعاً أمام الأجانب من حيث كيفية وشروط ممارسة أي نشاط تجاري منها التصدير والاستيراد، حيث لا يتم اشتراط وثائق إضافية تضمن تحديد هوية المتعامل ووضعيته إزاء البنوك سواء في بلده الأصلي أو في الجزائر محل إقامته وقد أدى ذلك إلى غياب إمكانية مراقبة ومتابعة هؤلاء المستوردين الذين استفادوا على قدم المساواة مع المستوردين الجزائريين وهنا يطرح نفس الإنشغال وهو: من هي الجهة التي تضمن عدم تلاعب هؤلاء المستوردين بصحة المواطن؟ وهذا طبعاً اذا استثنينا خضوعهم للمراقبة عبر الحدود كإجراء اعتيادي وحسب آخر إحصاء صادر عن المركز الوطني للسجل التجاري فقد بلغ عدد الشركات الأجنبية المختصة في التصدير والاستيراد بالجزائر، 1273 شركة أجنبية وهذا حتى نهاية سبتمبر 2007، يتقدمهم السوريون ب 214 شركة تصدير واستيراد ثم الصينيون ب 192 شركة فالفرنسيون ب 178 شركة ثم الأتراك ب 92 شركة وكذا التونسيون ب 88 شركة ثم الإيطاليون ب 47 شركة استيراد وتصدير· ويغطي القطاع الخاص الوطني في مجال الاستيراد نسبة 70% من إجمالي نشاط الاستيراد الكلي الذي يضم إليه نشاط الاستيراد القائم من طرف المؤسسات العمومية· وبلغ خلال سنة 2006 أكثر من 21 مليار دولار وبلغ خلال التسعة أشهر الأولى من هذه السنة حسب الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية 19 مليار دولار، وهو مرشح حسب مصدرنا، لبلوغ حجم السنة الماضية بعد اضافة حصيلة الثلاث أشهر المتبقية· وحسب إحصاء صادر عن المنظمة العالمية للتجارة حول نشاط استيراد السلع بالجزائر، فإن نسبة المواد الفلاحية المستوردة بلغت سنة 2000 حدود 30.76% والمواد الواسعة الاستهلاك ب 66.63% وارتفعت نسبة هذه الأخيرة حسب نفس المصادر خلال سنة 2004 إلى 73.78% وبلغت بالنسبة للأولى 23.96%· وهنا تطرح كيفية مراقبة ما يدخل من سلع والأطر القانونية الخاصة بها· فحسب مصادرنا تغيب بالجزائر الآليات الدقيقة التي تنظم الاستيراد منها غياب بطاقة وطنية خاصة بالمستوردين وهذا على عكس المصدرين والتي من شأنها توفير كامل المعطيات الخاصة بممارسي هذا النشاط التجاري·
البطاقية الوطنية إلى متى ؟
وتفيد مصادر من وزارة التجارة صدور مرسوم جديد نهاية السنة الماضية يقضي بتعديل المرسوم الخاص بالوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية لتوسيع مهامها الى مراقبة الواردات الى جانب الصادرات وكلفت بإعداد بطاقية وطنية للمستوردين قبل نهاية 2006، لكن نشاط هذه الوكالة - حسب مصدرنا- لا يزال مركزا على التصدير من ضمن نشاط التجارة الخارجية· وحسب نفس المصدر فإن أي آلية قانونية تخص نشاط الاستيراد من شأنها تنظيم هذا القطاع والدليل أن صدور المادة 13 من قانون المالية التكميلي لسنة 2005 التي تقضي بأن نشاط استيراد المواد الأولية والسلع الموجهة للبيع لا يمكن أن يكون إلا من خلال مؤسسات وأشخاص معنويين وطبعيين برأس مال يعادل أو يفوق 20 مليون دينار، ورغم ما أكدته هذه المادة من عدم النجاعة في بعض الجوانب إلا أن تحديد المستوردين "الغشاشين" من الفعليين تم ضبطه من خلال تراجع عدد من الصنف الأول عن مزاولة نشاط الاستيراد وانتقل العدد من 32038 مستورد عبر التراب الوطني مسجل حتى نهاية جويلية 2005 تاريخ صدور القانون الى 22.220 شركة استيراد حتى نهاية ديسمبر من نفس السنة وهذا بعد تفعيل هذا القانون· وحسب المديرية العامة لضبط وتنظيم النشاطات التجارية التابعة لوزارة التجارة، فإنه تم بين الفترة الممتدة بين 10 أوت إلى 31 ديسمبر 2005، تسجيل 2699 عملية تقييد على مستوى المركز الوطني للسجل التجاري منها 1653 حالة رفع من رأس مالها (شركات مختصة في التصدير والاستيراد) إلى أكثر من 20 مليون دينار وتراجعت 544 مؤسسة عن النشاط و 240 حالة إلغاء رخصة من ممارسة نشاط التصدير والاستيراد· وحسب آخر إحصاء صادر عن المركز الوطني للسجل التجاري فإنه تم تطبيق المادة القانونية المذكورة، تسجيل حتى نهاية أكتوبر من السنة الجارية رفع 3189 مؤسسة من رأس مالها إلى أكثر من 20 مليون دينار· وسحب 2707 متعامل وشهادة السجل التجاري ومنهم من تحولهم الى ممارسة نشاط آخر غير الاستيراد وسجل غياب تدخل 12.205 أشخاص معنويين وطبيعيين في السوق الخارجية· وحسب مصدر من المركز فإن عملية تسوية الوضعية لا تزال مستمرة ويصل عدد الشركات التي لم ينطلق أصحابها بعد في تسوية وضعيتهم إلى 5 آلاف شركة·