شرعت القوات العراقية بمختلف تشكيلاتها فجر أمس في أكبر هجوم عسكري لتحرير مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن شمال العراق عامين بعد سقوطها بين أيدي تنظيم «داعش» الإرهابي. وأعلن الوزير الأول العراقي حيدر العبادي ليلة الأحد إلى الاثنين في خطاب متلفز عن انطلاق الهجوم الذي شرع في الإعداد له منذ عدة أشهر بدعم من ستين دولة منضوية تحت راية التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولاياتالمتحدة. وتكتسي هذه العملية العسكرية أهمية كبرى في إطار عمليات التضييق على هذا التنظيم الإرهابي في معاقله وتشكل منعرجا حاسما في الحرب الدولية على عناصره الذين اتخذوا من العراق معقلا أسموه دولة «الخلافة الإسلامية». وهي القناعة التي أكد عليها وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر الذي وصف معركة الموصل ب»اللحظة الحاسمة» في إطار الحملة العسكرية للقضاء على تنظيم «داعش» بصفة نهائية. وتحركت القوات العراقية منذ فجر أمس باتجاه خطوط المواجهة العسكرية، وعلى عدة جبهات انطلاقا من مدينة الشورى إلى الجنوب من مدينة الموصل لتحرير قرابة 1,5 مليون من سكانها الذين وجدوا أنفسهم في قبضة عناصر التنظيم المسلح الذي أخضعهم لمنطق دولته المزعومة وسط مخاوف من احتمالات متزايدة لجعلهم بين فكي كماشة، نيران الفرقاء واحتمالات متزايدة لوقوع مأساة إنسانية جديدة في العراق. وبقي العراقيون في حالة انتظار لهذه العملية التي وضعتها الحكومة العراقية كثاني عملية بهذا الحجم في استراتيجيتها العسكرية ضد الإرهاب الدولي بعد عملية تحرير الأنبار نهاية العام الماضي والتي استغرقت إلى غاية الربيع الماضي بعد أن تم تحرير مدينة الفلوجة في أكبر انتكاسة يتعرض لها التنظيم الإرهابي منذ انتشار عناصره في العراق وسوريا بشكل مفاجئ وزمن قياسي أثار استغراب كل المتتبعين. وجندت السلطات العراقية أكثر من 30 ألفا من قوات الجيش والشرطة لمحاربة الإرهاب في هذه العملية التي توقع لها خبراء عسكريون أن تتواصل معركتها لأسابيع وحتى أشهر وسط توقعات بسقوط أكبر حصيلة قتلى مقارنة بتلك التي شهدتها محافظة الأنبار. وبالإضافة إلى ذلك، حذرت عدة منظمات إنسانية وحتى الأممالمتحدة من احتمالات متزايدة لوقوع كارثة إنسانية وسط السكان المدنيين الذين سيجدون أنفسهم بين فكي كماشة القوات المتحاربة وصعوبة إيصال المساعدات والمؤن الغذائية الأساسية لهم. وتكتسي عملية تحرير الموصل أهمية خاصة كونها المدينة التي تحولت الى عاصمة لهذا التنظيم حيث خطط لكل العمليات التي شنها في العراق وسوريا وكل منطقة الشرق الأوسط وحتى في أوروبا وإفريقيا. وتراهن القوات العراقية على هذه العملية من أجل وقف توسع التنظيم الإرهابي ودحره بنفس السرعة التي انتشر بها انطلاقا من غرب العراق باتجاه وسطها وشمالها. وإذا كانت العملية العسكرية في أيامها الأولى ستتم عبر القنبلة الجوية والقصف المدفعي لتمهيد الأرضية للقوات البرية لمواصلة مهمتها على الأرض، فإن المواجهة الحقيقية ستبدأ في قلب المدينة ضمن حرب شوارع ضارية. وهو التكتيك الذي يستدعي تدريبات خاصة وأسلحة مواتية تفتقر إليها في الغالب الجيوش النظامية وتعتمدها عكس ذلك التنظيمات المسلحة والإرهابية لمواجهة الاختلال الحاصل في ميزان القوى المتحاربة. وتوقعت مصادر عسكرية أمريكية وفق هذا التكتيك القتالي أن تطول المعركة خاصة وأن عدد عناصر التنظيم الذين تحصنوا في المواقع الإستراتيجية بالمدينة والذين يقدر عددهم بين 3 آلاف و4500 مقاتل، عمدوا منذ عدة أشهر إلى بناء تحصينات وتلغيم محيطات الأماكن الإستراتيجية في نفس الوقت الذي يكون التنظيم قد أعد العدة لعمليات تفجير انتحارية بالسيارات الملغمة لتعطيل تقدم القوات النظامية تماما كما حصل خلال معارك الفلوجة والأنبار. أردوغان لا أحد يمنعنا من المشاركة في المعركة وإذا كان العبادي أكد أن عناصر قوات الجيش والشرطة العراقية فقط سيدخلون الموصل ساعة تحريرها دون قوات البشمركة الكردية وقوات الحشد الشعبي الشيعية التي تدعم وحدات الجيش التي ستبقى خارجها تفاديا لأي تأويلات طائفية شبيهة بتلك التي عرفتها مدينة الفلوجة، إلا أن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان أعاد التأكيد أمس على مشاركة قوات بلاده في عملية تحرير الموصل وقال إن مشاركة القوات التركية في معركة الموصل «مسألة غير قابلة للنقاش» وأن تركيا لن تبقى بعيدا عن هذه العملية حتى بعد تصريحات الوزير الأول العراقي حيدر العبادي الذي طالب مرارا بانسحاب القوات التركية من بلاده ورفض مشاركتها في عملية تحرير مدينة الموصل. وجاءت هذه التصريحات لتعطي لمعركة تحرير هذه المدينة الإستراتيجية في شمال العراق بعدا دوليا، خاصة بعد أن تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حذر هو الآخر من مغبة استهداف المدنيين العراقيين وخاصة الأطفال منهم خلال العمليات العسكرية وخاصة القنبلة الجوية التي تضمنها الطائرات الحربية الأمريكية. وجاء ذلك في رد واضح على اتهامات أمريكية أوروبية سابقة باتجاه طيران بلاده الحربي بقنبلة المدنيين السوريين في مدينة حلب ووصفت ذلك بمثابة «جرائم حرب».