أشادت أمس مصادر دبلوماسية إفريقية في تصريح ل«المساء» بالدور الكبير الذي لعبته الجزائر في إنجاح القمة الإفريقية العربية بمالابو وجعلها قمة «اقتصادية» بامتياز وذلك من خلال الدور الهادئ الذي أداه وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية السيد عبد القادر مساهل في تليين المواقف ونزع فتائل الانقسام والصراعات التي فوّتت على القارة وبلدانها فرصا عديدة للنهوض الشامل ومجابهة معوقات وإرهاصات التنمية الشاملة بحزم أكبر وتنسيق وتوافق وتكامل. جهود مساهل تميّزت بسعي حثيث إلى توفير الظروف والأجواء المساعدة ليس فقط لإنجاح القمة ولكن لضمان استمرارية مثل هذه اللقاءات وإرساء منطلقات واعدة لشراكات متعددة في مختلف المجالات والقطاعات. مضيفا أن إفريقيا مطالبة بتخطي انقساماتها وإطفاء صراعاتها ونزاعاتها التي أصبحت أوراقا مؤثرة في حسابات المتربصين بها وللأسف حتى من بين بعض أعضائها. مرافعات الوزير الجزائري مساهل كما أكدت مصادر «المساء» ركزت أساسا على تجاوز ما من شأنه تعكير السير العادي لأشغال القمة الإفريقية والعربية. وزير الشؤون المغاربية كما ذكرت المصادر المستند إليها أجرى ما لا يقل عن ثلاثين لقاء ثنائيا ومتعددا قبل انعقاد القمة وأثناءها وبعدها. ماراطون حقيقي كما أشادت المصادر، جرى بعيدا عن الأضواء في العديد من لقاءاته. هذه اللقاءات كانت بمثابة مساعي ورسائل إلى نظرائه الأفارقة والعرب على ضرورة تأجيل الخلافات إن صعب حلها وتجاوزها وهو خير للجميع. ووجوب تخطي « الحواجز» الطبيعية والمفتعلة التي تغذيها حسابات غالبا غير محسوبة العواقب، بل تزيد من حدة الانقسامات وتضعف المواقف الإفريقية عموما. هو ما جعل الدبلوماسي المصري السيد أحمد حسن رضا يعلق على «التشويش» المغربي ومن انجر معه إلى الانسحاب من القمة بالقول: «سلوك غير محسوب سياسيا بطريقة صحيحة ....». إن قوة الإقناع والدبلوماسية الهادئة في الاتصالات التي أجراها الوزير مساهل ومرافعاته لعبت دورا أساسيا في فشل أجندات أعدت مسبقا. لقد تميز الوزير الجزائري بحنكة صنعت الحدث والإعجاب في مالابو لما تحلى به من براغماتية في الطرح أغلقت باب المزايدات والحسابات التي تعرّت واصطدمت بواقعية طرح غير مألوف وغير مسبوق في مثل هذه المحافل الدولية. قوة الإقناع تجلت في عدم استجابة عديد البلدان المنتمية إلى إفريقيا الغربية (والتي كانت تحسب موالية لصديقنا الملك) لقرار انسحاب الملك مثل الغابون والسينغال وكوت ديفوار... هذه الدول أدركت بالتأكيد أن فرصة بهذا الحجم والرهانات التنموية لا يمكن أن تقاطع لسبب غير محسوم العواقب. إذ لم ينجر «مجاملة» إلى موقف جلالة الملك سوى دول مرتبطة ب «عقد سياسي» أي دول الخليج. حتى وإن كان من بين دول الخليج من لم يجد مبررا كافيا للانسحاب على غرار الكويت وعمان. وكذلك فعلت دول عربية بأغلبية. أغلبية الدول العربية لم تستجب «لمناورة الملك»، بل حتى من الخليجيين الذين انسحبوا قدموا في اليوم الموالي «شبه تبرير» لنظرائهم الجزائريين على أن انسحابهم كان «مجاملة» بدليل أن أحدهم قدم مساعدة مالية للجزائر في اليوم الموالي للانسحاب. رؤساء ودبلوماسيون أفارقة لم يستوعبوا، بل لم يجدوا مبررا أو عذرا واحدا لقرار المغرب. استغرابهم يتأتى من جوهر السؤال التالي: المغرب ليس عضوا مؤسسا في الاتحاد الإفريقي، وعدم انضمامه للاتحاد كما هو معلوم أدى إلى أزمة مع الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، عكس الجمهورية الصحراوية التي هي عضو مؤسس في الاتحاد الإفريقي. فكيف يطلب بلد يريد الانضمام إلى الاتحاد إقصاء بلد آخر مؤسس؟!. أولويات القارة الإفريقية في الظروف الدولية الراهنة التي يشهد فيها العالم تحولات متسارعة وجوهرية، كما أوضح الوزير الجزائري في مرافعاته ليست «العضوية»، بل إفريقيا مطالبة بالتجدد وإيجاد بدائل وأجوبة حقيقية لأزماتها متعددة الأوجه، أبرزها كيف تتخطى «أوضاعها الصعبة، وتجد مخارج تنموية للقضاء على الفقر والأوبئة والتخلف وتضع حدا لنزيف أبنائها الذين يموتون يوميا بالآلاف ويغرقون في بحار الشمال بحثا عن عيش كريم ولقمة عيش ودواء وسكن. ومن ثمة فإن الانفتاح على تعاون عربي أوسع ومتعدد الشراكة والأوجه كفيل بإضافة بدائل تنموية مساعدة على توفير فرص جديدة للنمو ورفع التحديات التي يشهدها العالم من حول القارة السمراء». السيد مساهل كما تذكر المصادر صنع «الاستثناء» في هذه القمة، إلى جانب دبلوماسيين آخرين كالسيدة زوما ووزراء آخرين برزوا بإصرارهم وكثرة اتصالاتهم لدى مختلف الوفود من أجل بلورة خارطة طريق متوازنة تراعى فيها مصالح كل الشعوب الإفريقية والقارة عموما وليس استصدار مواقف وقرارات قد تسهم في إضعاف الموقف الإفريقي. لقد سعى وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي دون توقف طوال هذه القمة إلى تغليب الحكمة وتقريب المسافات من أجل تكامل تنموي إفريقي عربي بعيدا عن «الألغام» السياسية والمهاترات السياسوية التي عطلت إفريقيا اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وصحيا. لقد انتزع مساهل الإعجاب والتقدير الإفريقي والعربي للمشاركين كما أكدت مصادر المساء.