يزور رئيس المجلس الرئاسي والوزير الأول الليبي فايز السراج، الجزائر اليوم في إطار سلسلة الزيارات التي يقوم بها مسؤولون ليبيون إلى بلادنا لبحث الأزمة الليبية والسبل الكفيلة بالخروج برؤى جديدة في إطار الحوار والتشاور مع مختلف الفرقاء في هذا البلد. وتأتي زيارة السراج بعد تلك التي قام بها المارشال خليفة حفتر إلى الجزائر بحر الأسبوع الماضي؛ إذ حظي بلقاء مع الوزير الأول السيد عبد المالك سلال ووزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل. بيان لمصالح الوزير الأول الذي أعلن عن هذه الزيارة أمس، أوضح أن «السيد السراج سيتطرق لتطورات الوضع والجهود المبذولة في إطار التسوية السياسية للأزمة التي يعيشها هذا البلد الشقيق»، مضيفا أن هذه الزيارة «ستسمح بتجديد موقف الجزائر الثابت الذي يدعم ديناميكية السلم المباشر فيها في هذا البلد، والقائمة على الحل السياسي والحوار الشامل والمصالحة الوطنية في ظل احترام السيادة الوطنية لليبيا». يأتي هذا في الوقت الذي شدد وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة أمس، على أهمية تقوية الدولة الليبية للانخراط ب «شكل فعال» في جهود مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك في حوار لقناة الجزائر الدولية للإذاعة الوطنية. لعمامرة قال إنه «على ليبيا أن تعود كدولة قوية للقيام بدورها بشكل كامل في المنطقة وفي الأطر التي ننتمي إليها، وحتى في مجال مكافحة الإرهاب»، مشيرا إلى أن «الدولة الليبية القوية التي تمتلك مؤسسات فعالة هي القادرة على أن تقدم إضافة معتبرة لجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة وإفريقيا». السيد مساهل كان قد ذكر من جهته لوكالة الأنباء الجزائرية على هامش مشاركته في الحوار الاستراتيجي – الإسباني المنعقد بمدريد قائلا: «من البديهي ألا تبقى الجزائر غير مكترثة باعتبار أن ليبيا بلد جار نتقاسم معه حدودا شاسعة وتاريخا وثقافة وجوارا»، مضيفا أنها تقوم منذ مدة «بجهود لا تتناقض مع مبادرة الأممالمتحدة»، حيث تسعى إلى «إيجاد حل سياسي يحفظ وحدة ليبيا وسيادتها». كما أشار إلى أن الجزائر تعمل أيضا من أجل إقامة «حوار مباشر بين الليبيين، يسمح لهم باختيار مستقبلهم»، علاوة على أنها ترافع من أجل تضافر كل الجهود الدولية لمرافقة الليبيين للخروج من الأزمة، ليستطرد بالقول: «الجزائر ليست لها مصلحة أخرى سوى مرافقة أشقائها الليبيين للخروج من الأزمة أو تفادي الانزلاقات التي قد تكون لها انعكاسات على بلدان الجوار» . الوزير ذكر بأن البلد الجار يعرف منذ عدة سنوات، «أزمة خطيرة قد تؤدي إلى انحرافات في حالة غياب مسار (سياسي) شامل حقيقي». زيارة حفتر رسمت منحى جديدا لحل الأزمة للإشارة، أعطت زيارة حفتر للجزائر منحى جديدا لحل الأزمة الليبية التي تشهد تطورات أمنية، أبرزها استرجاع مدينة سرت التي كانت تحت سيطرة التنظيم الإرهابي «داعش»، الذي انهزم في ليبيا بشهادة المحللين الأمنيين الذين يحذرون رغم ذلك، من سرعة إعادة تشكيل قواعده بالنظر إلى قدرته الفائقة على التكتل مرة أخرى، ومن ثم الانتشار في منطقة الساحل المعرضة للتهديدات الإرهابية في ظل هشاشة الأنظمة الأمنية لبعض دول جنوب الصحراء. أما على المستوى السياسي فتجلت المؤشرات الإيجابية في دعوة السراج كافة الأطراف الليبية للحوار، عندما أكد أن يده ممدودة للجميع، داعيا إلى ضرورة وضع مصلحة ليبيا فوق كل اعتبار. هي الرؤية التي طالما رافعت من أجلها الجزائر منذ بداية الأزمة، إذ يكفي أنها استضافت خلال الجولات الأولى للحوار الليبي، مختلف التشكيلات الليبية بمن فيها الحاملة للسلاح وغير المعارضة في الوقت نفسه للحوار السياسي في سياق البحث عن كافة السبل لإخراج ليبيا من عنق الزجاجة وفق مساعي منظمة الأممالمتحدة، علاوة على اجتماعات الجوار الليبي التي بادرت بها الجزائر، من أجل إشراك هذه الدول للوقوف عند التحديات الخطيرة التي مازالت تفرض نفسها وتعيق بناء المسار السياسي في ليبيا. محاولات التشويش التي قامت بها بعض الدول التي لا تتقاسم الحدود مع ليبيا باسم البحث عن حلول للأزمة، عطّل كثيرا جهود دول الجوار التي يُفترض أنها المعنية الأولى بإخماد نار الفتنة في هذا البلد بعيدا عن التدخلات والضغوطات الأجنبية، وهو المبدأ الذي تمسكت به الجزائر قبل التدخل العسكري الذي قاده الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، تاركا وراءه عواقب وخيمة أدخلت ليبيا في أتون فوضى لا متناهية. تمسّك الجزائر بمبدأ عدم التدخل لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يشمل أيضا المستوى السياسي؛ من منطلق أن أبناء الشعب الليبي أدرى بشعابهم، وأن دور دول الجوار ينحصر فقط على مرافقة الجهود وتقديم يد العون لهم في حال ما إذا طلب منها ذلك. التدخلات الأجنبية عقّدت المعطيات بشكل كبير في ليبيا هو ما أشار إليه لعمامرة أمس بالقول: «إننا معنيون بشكل مباشر حيال ما يجري في ليبيا»، معتبرا أن «ما يحدث جاء أيضا نتيجة التدخلات الأجنبية التي عقّدت المعطيات بشكل كبير»، مشيرا إلى أن موقف الجزائر من هذه الأزمة يحظى بدعم الاتحاد الإفريقي. وزير الدولة قال إنه كان من الأنجع خلال أزمة 2011 في ليبيا، أن يتم الرجوع إلى بعض الاتفاقات التاريخية بين الليبيين أنفسهم، ثم العمل على فترة انتقالية شاملة وديمقراطية، تفضي إلى مصالحة وطنية ومؤسسات جديدة تجمع جميع الليبيين بشكل ديمقراطي، موضحا أن هذا الأمر لم يتحقق بسبب تدخلات بعض الدول التي كانت لديها أجندات مختلفة عن هذا المسار. علاقات الجزائر بأطراف الأزمة في ليبيا، تندرج في إطار محاولة استدراج مختلف الفرقاء في هذا البلد إلى الحل الذي تدعو إليه؛ باعتباره الأنسب لوقف النزاع في هذا البلد، من خلال إرساء قنوات التواصل مباشرة بين المتنازعين، وهو ما نلمسه في تصريح سابق للوزير مساهل خلال استقباله مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا رئيس بعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا مارتن كوبلر شهر أكتوبر الماضي، عندما أكد على «وجود مؤشرات تجعلنا نتفاءل بأن كل الأطراف التي لنا علاقة معها تأمل أن يكون هناك حوار وطني، ونحن مع الحوار الوطني الشامل والحوار في ليبيا وبين الليبيين فقط بدون تدخل أي أطراف خارجية»، مضيفا أن باقي الأطراف الليبية من الشرق والغرب وكذلك الجنوب، «تؤيد فكرة الحوار الذي لا بديل عنه». لعمامرة لإذاعة الجزائر الدولية: الجزائر عامل استقرار في المنطقة أكد وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة، أمس، أن «الجزائر جد يقظة من أجل أمنها وأمن جيرانها أيضا» وعليه فهي «عامل استقرار في المنطقة ومحفز على التضامن الإقليمي ومصدر للاستقرار والأمن»، مضيفا في هذا الصدد أنها تعمل على تقاسم تجربتها في مجال مكافحة الإرهاب ‘'والتي دفعت لأجلها ثمنا إنسانيا غاليا'' مع إفريقيا والمجتمع الدولي. لعمامرة قال في حوار لقناة الجزائر الدولية للإذاعة الوطنية أمس، أن «الجزائر دولة رائدة في مكافحة الإرهاب»، إذ في الوقت الذي كانت فيه تحارب لوحدها هذه الآفة مقدمة بذلك « للعالم مثالا نادرا لدولة تصمد أمام هذه الظاهرة»، كانت بعض الدوائر السياسية والإعلامية في بعض الدول الغربية التي أصبحت بدورها عرضة للإرهاب، تتحدث عن عنف سياسي في الجزائر أو حتى عن حرب أهلية». وعليه يضيف لعمامرة فإن الجزائر التي هزمت الإرهاب وحدها واصلت مسيرة استكمال هذا النّصر من خلال سياسة المصالحة الوطنية التي وضعها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وجعلها تحظى بتصويت حاشد من طرف الشعب الجزائري. من هذا المنظور، فإن الجزائر «كانت السبّاقة على المستوى الدولي» إلى المطالبة بتجريم دفع الفدية مقابل إطلاق سراح الرهائن يشير لعمامرة، الذي أكد أن تطورات كبيرة حصلت في إطار الآلية القانونية الدولية المتعلقة بتمويل الإرهاب، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي لائحة بهذا الشأن، مشددا على ضرورة مواصلة العمل إلى غاية التوصل إلى تجفيف منابع تمويل الإرهاب. كما تنخرط الجزائر في جهود الوقاية من التطرف ومكافحته يؤكد الوزير معتبرا أنه «إذا أصبحت اليوم كل السلطات عبر العالم تؤكد أن عدد الجزائريين في التنظيمات الإرهابية على غرار تنظيم «داعش» الإرهابي لا يتجاوز بعض العشرات وهم عموما من الجالية الجزائرية في الخارج ،»فإن ذلك يعود إلى نجاح التجربة الجزائرية والثقافة السياسية الجزائرية التي تعتبر التطرّف العنيف انتحارا جماعيا لا علاقة له بالإسلام». على صعيد آخر ذكر وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، بالصلة الوثيقة التي تربط الدبلوماسية الجزائرية بثورة التحرير الوطني، التي اندلعت على أساس مبادئ واضحة من بينها حق الشعوب في التحرر والانعتاق. السيد لعمامرة أوضح أن «السياسة الخارجية الجزائرية هي وليدة ثورتنا التحريرية» وهي تجسد مجموعة من المبادئ التي كانت الجزائر تكافح من أجلها، على غرار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وعدم المساس بالحدود الموروثة غداة الاستقلال. كما أشار إلى أن الجزائر كانت في المراكز الأولى بالنسبة لمشروع الوحدة الإفريقية، مضيفا أن ثورة التحرير التي خاضها الشعب الجزائري سرعت من إنهاء الحقبة الاستعمارية في ربوع القارة. كما عملت الجزائر دوما يضيف وزير الدولة على إيجاد حلول إفريقية للمشاكل التي تعرفها القارة الإفريقية، حيث أنه من الضروري أن يقوم الأفارقة أنفسهم بتصور الحلول الملائمة لمشاكلهم، في حين يبقى على المجتمع الدولي أن يرافق هذه الحلول ويدعمها. الوزير أوضح أنه في سنة 1974، تمكن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، خلال رئاسته للدورة ال29 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بصفته وزيرا للخارجية آنذاك ولأول مرة من جعل الأممالمتحدة تقف إلى جانب الموقف الإفريقي فيما يتعلق بمسألة أساسية تتعلق بتمثيل دولة جنوب إفريقيا، ورفض أن يتم تمثيل هذه الدولة بنظام «الأبارتايد» العنصري. المتحدث أوضح أن هذا الإنجاز شكل مكسبا خاصة وأنه جاء نتيجة معركة طويلة كما أنه شكّل «منعطفا حقيقيا من الناحية السياسية والإستراتيجية»، مؤكدا «أننا اليوم نتبع نفس الخط بالنسبة للمشاكل التي تعرفها القارة الإفريقية»، خاصة تلك المتعلقة بالسّلم والأمن وبإنهاء الاستعمار من القارة وتحقيق التنمية وحماية البيئة.