شكل اللباس التقليدي القبائلي على مر السنين، أحد أهم ركائز الهوية الأمازيغية، حيث مازالت الجبة القبائلية مثلها مثل البرنوس، تفرض نفسها وتناضل من أجل البقاء، علما أنها تجسد الصفات التي تميز سكان القرى، وهي الأصالة والاحتشام والشهامة التي أصبحت مع مرور الوقت أحد مكونات الهوية الوطنية. تعتبر الجبة من رموز أصالة المرأة القبائلية وثقافتها العريقة التي تحكي تاريخها عبر العصور القديمة، وتسعى الحرفيات اليوم إلى الحفاظ عليها لتصبح الجبة القاسم المشترك بين نساء القبائل، حتى وإن اختلفت طريقة خياطتها وتنوعت أصنافها وألوانها، غير أن ذلك لم يكن عاملا سلبيا بقدر ما كان إيجابيا خدم الجبة لتتمكن من الاستمرار. والتاريخ يشهد على تشبث المرأة بلباسها، وهو ما كان وراء وصوله إلينا اليوم، كما بلغ اللباس التقليدي القبائلي أعلى مستويات النجاح والشهرة بفضل الرواج والانتعاش اللذين صاحبا الإبداع في الموديلات طلية السنوات الأخيرة والتطور الذي طرأ عليه من حيث الألوان من ناحية الزخرفة واختلاف الأقمشة وكذا التصاميم، ليحتل بذلك هذا اللباس «الكنز الثمين» مكانة مرموقة تعمل المرأة بصفتها الخياطة والمبدعة على الحفاظ عليه وحمايته من الاندثار والزوال. الجبة القبائلية من الخياطة اليدوية إلى موديلات عصرية تعود أصول الجبة القبائلية إلى عقود من الزمن، حيث كانت المرأة تخيطها يدويا، بالاعتماد على إمكانيات بسيطة من خلال تفصيل القماش ووضع حاشيتين أو ثلاث أو طرز رموز تعبر من خلالها البنت أو الزوجة عما يختلج بداخلها من أحاسيس الحب، الحزن، الفرح، الضيق، الشوق وغيرها، وهي نفسها الرموز التي توضع لتزيين الأواني الفخارية وحتى على الجدران، بوضع رسومات وأشكال هندسية لتعبر عن شعورها سواء بالغضب أو الفرح، دون أنَّ تظهر ذلك لرجل البيت زوجها، والدها، شيخها وغيرهم، احترامًا لهم ولهيبتهم من جهة، وكذا حرصا على حماية التماسك العائلي من ناحية أخرى. كانت المرأة في كل مرة تبدع في اللباس التقليدي القبائلي بإضافة الجديد من حيث الأشرطة التي تزين بها والموديلات التي تبرز من سنة لأخرى، إلى أن بلغت المستوى الذي وصلته اليوم، حيث تعتبر المرأة القبائلية تمسكها بزيها التقليدي الذي يعد أحد رموز الهوية الأمازيغية، كتمسكها بحياتها وكل ما يرتبط بها من عادات وتقاليد، علما أن الفتيات القبائليات يرين في امتلاك الجبة القبائلية أكثر من ضرورة حتى لا نقول حتمية، خاصة أن معظمهن يحرصن على ارتداء الجبة في كل المناسبات الهامة من حياتهن، كيوم خطوبتهن أو زفافهن أو الاحتفال بيناير، حيث ينتاب المرأة شعور بانتمائها وأنوثتها لتقوم بالحفاظ على هذا اللباس بارتدائه يوميا، حتى لا يكون لباس مناسبات فقط. كان اللباس التقليدي القديم عبارة عن قطعة قماش مفصلة بشكل بسيط وتضم على الأكثر ثلاثة ألوان، في حين تكتفي صاحبته بوضع لونين، وكانت خياطة الجبة تتم يدويا بواسطة خيط وإبرة، كما كانت الحاشيات حينها مصنوعة من القطن، في حين أن القماش كان يعكس أشكالا وألوانا جميلة جدا، كانت تعطيها المرأة أسماء لفنانات مشهورات، لما هو موجود في الطبيعة، الشمس، الماء وغيرهما. واستمرت الجبة في التطور بفضل إبداع المرأة التي أخذت تضيف الجديد وتضع بصمات على مر الأزمنة، إلى أن بلغت أعلى المستويات في الأشكال والتصاميم والموديلات التي جعلت سعرها يتباين تبعا لتعبئتها بالحاشيات ومدى تناسبها مع كل قماش. «الفوطة» و«أمنديل» أجزاء مهمة من اللباس القبائلي ولايكتمل اللباس التقليدي القبائلي بدون وجود «الفوطة» التي ترافقه، والتي غالبا ما تكون بلون أحمر وقماش حريري، حيث توضع عليها حاشية بنفس لون الجبة، لكن مؤخرا وأمام الابتكارات والإبداعات الجديدة، هناك من الخياطات من يقمن بخياطة «الفوطة» والجبة من نفس القماش، من أجل ضمان بقاء الجبة في القمة ومطلوبة دائما، إلى جانب «تيمحرمت» أو ما يسمى» أمنديل» الذي يغطي الرأس وقماشه حريري، حيث تكون «تيمحرمت» بلون أحمر أو أصفر، أما «أمنديل» فلونه أسود، ويتم وضع على كليهما أشكال هندسية بواسطة الطرز، حيث تتفنن الخياطة في وضع أشكال مختلفة تتراوح ألوانها بين الأحمر، الخضر والأصفر، و هي مستوحاة من الطبيعة. كانت إبداعات المرأة وراء تسمية لباس تقليدي قبائلي خاص بكل منطقة، وهذا يتوقف على نوع القماش والحاشية المستعملة، فمثلا هناك فستان «قارقري» نسبة لحاشية تسمى بهذا الاسم، ثاواظيث» نسبة لحاشية حرير منطقة واضية، «لازير أو البراق» نسبة للألوان الزاهية من الحاشيات مختلفة الأحجام بالنسبة لجبة اعزازقة، جبة الطرز بنسبة لمنطقة بوزقان وتيقزيرت، وغيرها من التسميات التي حتى وإن اختلفت في طريقة خياطتها وتصاميمها، لكنها تبقى في شكلها النهائي جبة تقتحم عالم الموضة وتكون لها مكانة ضمن لوازم «التروسو» و«التصديرة» لترافق الجبة بكل تصاميمها البنت يوم «الحناء» والزواج وعند التصديرة، تجسيدا للعادات. وأمام الطلب المتزايد على الجبة، أخذت الحرفيات يتفنن في خياطة أنواع مختلفة جميلة باستعمال أقمشة لا تعد ولا تحصى، منها الازير، المزركش، الحريري وغيرها من الأنواع الأخرى التي تعمل الحرفيات على الجمع فيها بين الأصالة والمعاصرة بأناملها، مستعملة أنواعا متعددة من الحاشيات التي توجد منها ألوان تعود باستمرار منها الأحمر، الأخضر، الأصفر والأبيض والأزرق، وهي الأكثر استعمالا منذ القديم ومصدرها الطبيعة، ولكل منها دلالة في تحويل قطعة قماش إلى لوحة تبهر كل من يراها، لجمال أشكالها وتناسقها. رمز الأصالة والاحتشام وحسب الخياطة نجية، فإن الجبة أخذت تصنع لنفسها مكانة كبيرة مؤخرا، ويظهر ذلك من خلال كثرة الطلبات عليها، فلم تعد تقتصر على فصل الصيف والمناسبات فحسب، وإنما على مدار السنة، مشيرة «إلى أن إبداع موديلات من خلال إدخال الخياطات لمسات عصرية على اللباس جعله يضمن بقاءه واستمراره، لذلك لم تراوح الجبة القبائلية مكانتها بالرغم من تعاقب العصور بفضل التعديلات التي شهدتها بإدخال رتوشات جديدة وعصرية عليها. علمت الخياطات من جهتهن على تطوير الجبة، لكن دون التخلي عن جانبها التقليدي، مما جعلها تدور في حلقة الجمع بين التراث والأصالة التي جعلت اللباس التقليدي يحافظ على لمسته القديمة التقليدية ويظهر بشكل كبير من خلال حضور الجبة بقوة في مختلف التظاهرات التي تقام على المستوى المحلي أو الوطني، والتي امتدت حتى إلى خارج الوطن. وما زاد من شهرتها، تؤكد محدثتنا «إقبال النساء والفتيات على حد سواء على تعلم خياطتها والإبداع فيها من سنة لأخرى، من خلال تنوع الأسماء التي تطلق على هذا اللباس، منها مثلا «لاماش نشاوشي»، «زيدان»، «مليكة دومران» وغيرها». تعمل الحرفيات عبر ممارسة الخياطة وتعليمها لفتيات من أجل الحفاظ على الحرف التقليدية اليدوية، باعتبارها مورثا حضاريا تناقلته الأجيال، لتفادي زوالها واندثارها، حيث تعتبر الجبة القبائلية من بين الفساتين التي تعتز بها نساء تيزي وزو بمختلف مناطقها، لدرجة لا يخلو بيت من بيوت العائلات القبائلية من هذا اللباس التقليدي الأصيل الذي يحتل مكانة منذ العصور، فهو أفضل لباس بالنسبة للمرأة ورمز للاحتشام، خاصة أنه يجمع بين «الجبة، أمنديل والفوطة» و يبقى ارتداء المرأة للباس التقليدي في ولاية تيزي وزو أفضل طريقة للتعبير عن ثقافتها العريقة وتأكيدها على التشبث بكل ما هو من تاريخ السلف، ولعل ما يؤكد ذلك وجود الجبة في حياة المرأة مثل ظلها، فهو لباسها منذ الصغر، كما أنه دخل إلى التراث الغنائي القبائلي الذي كثيرًا ما يشيد في مضمونه باللباس القبائلي للرجل والمرأة على حد سواء، حيث تقول في هذا الصدد الحرفية وردية ساحمي بأن الجبة القبائلية رمز الأصالة والاحتشام، وهي أفضل لباس للمرأة القبائلية، وبحكم تجربتها التي تقارب 30 سنة، ترى أن حبها وإتقانها لعملها زاد عليها الطلبات، و لم يعد عملها يقتصر على خياطة لباس للزبائن فحسب وإنما هناك طلبات من أصحاب المحلات للألبسة الجاهزة. مشيرة إلى أن جمال لباس المرأة أمام الرجل الذي يرتدي البرنوس، الذي يضاف إلى اللباس التقليدي القبائلي، أجمل لوحة يمكنها أن تختزل حياة القرى بمنطقة القبائل لما تحمله من معان ودلالات قوية، وإن الحديث عن الجبة يصاحبه الحديث عن البرنوس الذي تحيكه المرأة منذ زمن باستعمال الصوف لزوجها أو أبيها أو ابنها ليقاوم به البرد طيلة الشتاء، ويكون لباسا وفراشا وغطاء في نفس الوقت. تحولت إلى مصدر رزق للكثير من العائلات ساهمت عملية تطوير خياطة الجبة القبائلية والتفنن فيها في تطوير مصدر رزق الكثير من النساء عن طريق فتح ورشات خياطة وتأمين مناصب شغل للفتيات. فمن جهة تكتسب منه المرأة رزقها، ومن جهة أخرى تحافظ على اللباس من الزوال. وحسب الخياطة جميلة التي تعتبر الجبة القبائلية رمزا للتراث والعراقة والأصالة، فهي أيضا مجال واسع تضمن الحرفيات بخياطتها كسب لقمة العيش، غير أن ذلك ساهم في الاستمرار في إبداعها لأنه بقدر ما يتحقق ذلك بقدر ما يزيد من أرباح الخياطة بتحقيق طلبات متزايدة، مشيرة «إلى أن مهنة الخياطة ساعدت الكثير من العائلات على إعانة أفراد أسرهن، حيث تمكنت ربات البيوت وصاحبات ورشات وغيرهن من تخطي مشاكل وصعاب الحياة بفضل هذه الحرفة التي وجدت فيها النساء مصدر رزق، ومكنت هذه المهنة عدة حرفيات من تأمين مستقبل أولادهن، حيث تغيرت حياتهن بممارسة هذه الحرفة وحافظن على مكانتها كلباس تقليدي له وزن وقيمة وإبداع، شأنه شأن البرنوس الذي أصبح مطلوبا بدوره، حيث عاد هو الآخر بعدما كان في وقت مضى منسيا، ليكون لباس الرجل في أجمل أيام حياته.