تدخل عملية مراجعة الدستور، اليوم، سنتها الأولى بعد مصادقة أعضاء غرفتي البرلمان (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) السنة الماضية بالأغلبية الساحقة عليه، طبقا لأحكام المادة 176 من الدستور. هذه المصادقة ترجمت توافقا تحقق بعد عدة جولات من المشاورات الواسعة مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وممثلي المجتمع المدني. اليوم البرلماني الذي ينظمه اليوم المجلس الشعبي الوطني حول موضوع «أهداف ونتائج التعديلات الدستورية في حاضر الجزائر ومستقبلها»، من شأنه أن يسلط الضوء على المحطات التي حققتها المراجعة الدستورية مع قرب تنظيم الانتخابات التشريعية، كأول تجربة سياسية في عهد هذه المراجعة التي تعد تتويجا للإصلاحات السياسية التي باشرها رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، بهدف تعزيز دولة القانون وتكريس الديمقراطية وضمان تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة. تجدر الإشارة إلى أن البرلمان صادق على زهاء 30 مشروع قانون منها سبعة ذات طابع عضوي للتأقلم مع الأحكام الجديدة للدستور، مثل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات والهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وتنظيم المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعملهما وكذا القانون الجديد للاستثمار التعديل الدستوري حرص على تكريس التداول على السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، إذ نصت المادة 74 على أن رئيس الجمهورية المنتخب لعهدة مدتها خمس سنوات يعاد انتخابه مرة واحدة، مع التأكيد على أن هذا البند غير قابل للمراجعة. كما منح فضاء للمعارضة البرلمانية لممارسة نشاطها في مجال الحياة السياسية والمؤسساتية، إذ أصبح لها حق إخطار المجلس الدستوري الذي تدعمت استقلاليته، كما أن مشاركتها الفعلية في الأشغال البرلمانية والحياة السياسية مكرسة، لاسيما فيما يتعلق بمراقبة العمل الحكومي. من المكاسب الديمقراطية التي جاء بها الدستور المعدل أيضا، تأسيس هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات بهدف تعزيز مصداقية الانتخابات والسهر على شفافيتها ونزاهتها إلى غاية الإعلان عن النتائج. في هذا الصدد، نسجل التزام الرئيس بوتفليقة في رسالة له بمناسبة الذكرى ال62 لاندلاع الثورة التحريرية، بالسهر على تجسيد واحترام الضمانات الجديدة الخاصة بالشفافية التي أقرها الدستور، داعيا المواطنين إلى التحلي بوعي أكبر في اختيار ممثليهم حتى تعمل المجالس التي سيتم انتخابها على إنجاح الإصلاحات. كما تهدف المراجعة الدستورية أيضا إلى تحسين سير المؤسسات على أساس مبدأ الفصل والتعاون بين السلطات. من جهة أخرى، نصت المادة 77 على أن رئيس الجمهورية يستشير الأغلبية البرلمانية في تعيين الوزير الأول، الذي أصبح بموجب هذا التعديل يعرض مخطط عمل الحكومة أمام نواب المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه. كما يرتكز التعديل الدستوري على أربعة محاور نوعية تتعلق بتدعيم الوحدة والانسجام الوطنيين وتعزيز الممارسة الديمقراطية وترقية الحريات الفردية والجماعية، بالإضافة إلى بعث تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، علاوة على تخصيص حيز في ديباجة الدستور لقيم السلم والمصالحة الوطنية، التي تعد جزءا أساسيا في ثقافة المجتمع الجزائري الذي ذاق ويلات الإرهاب خلال العشرية العصيبة. في خطوة نوعية أخرى غير مسبوقة، أدرجت ترقية الامازيغية إلى لغة رسمية في التعديل الدستوري بعد أن أصبحت في 2011 لغة وطنية وذلك في انتظار انشاء أكاديمية جزائرية للغة الأمازيغية قصد تكريسها كلغة رسمية، في إطار تعزيز أسس الهوية الوطنية المتمثلة في الإسلام والعربية والأمازيغية. من بين المحاور التي تضمنتها المراجعة الدستورية لسنة 2016 ترقية وحماية الحريات الفردية والجماعية وكذا استقلال العدالة، حيث تنص التعديلات الجديدة على أن حرية الصحافة وكذا حرية التظاهر سلميا وحرية المعتقدات مضمونة في إطار القانون. من مكاسب هذه المراجعة أيضا استحداث مجلس وطني لحقوق الإنسان يتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية ويعمل على ترقية وحماية حقوق الإنسان. كما ينص الدستور من جهة أخرى على أن الدولة تعمل على ترقية التناصف بين الرجال والنساء في سوق العمل وتشجع عل ترقية المرأة في مناصب المسؤولية في المؤسسات الإدارية العمومية وكذا على مستوى المؤسسات. التعديل الدستوري أولى أيضا الاهتمام بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية آخذا بعين الاعتبار تمسك الشعب الجزائري بخياراته من أجل الحد من الفوارق الاجتماعية والقضاء على أوجه التفاوت الجهوي، من خلال بناء اقتصاد منتج وتنافسي في إطار التنمية المستدامة ،على ضوء تشجيع الدولة ازدهار المؤسسات دون تمييز خدمة لتنمية اقتصادية متنوعة.