يعتبر الفاصل اليومي المقدر بساعة أو بنصف ساعة للعمال حسب الاختصاصات المخصص لتناول وجبة الغذاء الأساسية جسر الحيرة الممتد الذي تتكرر تفاصيله يوميا، إذ يطرح العمال من الجنسين سؤالا واحدا ماذا نأكل اليوم؟، الكثيرون وجدوا إجابة، خاصة السيدات بعدما حسمن أمرهن بتحضير الطعام في البيت في الصباح الباكر وإن كان خفيفا أو ترك نصيب من العشاء لتناوله على الغذاء حتى لا يضطررن لتناول السندويتشات والبيتزا التي يرين أنها السبب الأول في زيادة أوزانهن. طعام البيت رفيق السيدات ما لاحظته «المساء» خلال القيام بهذا الاستطلاع أن الكثير من السيدات لا يتكاسلن في هذا الجانب، حيث تحرص الواحدة منهن خاصة ممن يعملن داخل المكاتب طيلة اليوم على جلب غذائهن معهن في حاملات الطعام أو العلب الخاصة بحفظ الطعام، في حين أشارت أخريات إلى أنهن يحضرن أشياء خفيفة وقت الغذاء وإن كانت بسيطة، وقد اهتدين إلى هذا الحل بعد أيام من الحيرة عندما تدق ساعة تناول الطعام، حيث يقصد البعض «السوبيرات» لاقتناء الأجبان أو «الكاشير» أو علب التونة، وهو الغذاء البارد الذي يوضع دوما في الدرجة الثانية عند الاختيار وأخريات يقصدن البتزيريا والمطاعم لأخذ القرار النهائي بعد الاستماع إلى عروض النادل أو الاطلاع على لائحة الطعام، في حين تقصد أخريات محلات بيع البيتزا، الكوكا والقرنطيطة.. وهي المأكولات المطلوبة بقوة لسببين وهما البنة التي ينشدها البعض خاصة في ظل وجود محلات تبدع في تحضيرها وثانيا لأن أسعارها جد معقولة إذ يمكن للفرد أن يتغذى ويشبع ب100دج، وتعتبر هذه المحلات مقصدا لذوي الدخل المتوسط والضعيف، كما لا يقاوم سحرها المقتدرون ماديا مثل «قرنطيطة» إسماعيل بباب الوادي، التي يطلبها الناس من مختلف المستويات منذ الصباح إلى نهاية النهار دون كلل أو ملل، وأشارت السيدة ليندة إلى أنها ترفض رفضا باتا تناول مأكولات المطاعم والبتزيريات ولا تثق إلا فيما تحضره هي بنفسها تقول: «لقد أمضيت قرابة 17 سنة في العمل، في بدايتها كنت أقصد المطاعم والبيتزيريات لتناول الغذاء، وبعد مضي ست سنوات على هذه السيرة أصبت بقرحة معدية خاصة أني كنت أتناول الهريسة والحار بشراهة، وبعدها خضعت لرجيم صحي صارم واتبعت تعليمات المختص الذي نصحني بتناول طعام البيت الذي يعتبر صحي أكثر وأنظف وألطف على المعدة، مشيرة إلى أنها مرت بظروف صحية جد صعبة لكنها لم تفقد الأمل في الشفاء وحرصت على تناول الخضر المطهية على البخار، ومرت السنوات تسمح فيها أحيانا لنفسها بتناول ما تشتهيه، لكن ليس مما يحضر في المطاعم، بحيث تجلب من البيت ما تبقى من العشاء أو تحضر شعيرية بالحليب في المكتب لأنها لا تستغرق وقتا، أو تسلق حبات بيض تسقيها بزيت الزيتون والقليل من الخبز، وقد ربحت من هذا الفعل الصحة والمال». وإذا كانت ليندة، قد أغلقت باب تناول أكل المطاعم فإن نورة، سامية، نجاة، صارة وابتسام، تحاولن تحقيق المعادلة من خلال تقسيم الأسبوع بين طعام البيت وبعض السندويتشات أو البتزا لإرضاء الرغبات، معتقدات أن هذا الفعل يساعدهن على الحفاظ على أوزانهن، حيث تقول صارة إنها من عشاق البيتزا، إذ تجد نفسها جد ضعيفة أمام سحر الجبن الذائب، وقد وجهت لها والدتها الكثير من الانتقادات بسببها، واقترحت عليها تناولها مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، كما تحرص على تحضير طعامها في الصباح، إذ تستيقظ باكرا لتحضيره لأنها تعرف أنني لا أستطيع تناول طعام الأمس، موضحة أنها في البداية كانت تجد علبة الطعام عبئا ثقيلا في يدها، لكن خلال الفترة الأخيرة فهمت حجم الخدمة التي تقدمها لها أمها وفق البرنامج الذي سطرته، كما تشرك صديقاتها في الطعام فأصبح لجلستهن تلك طعما خاصا لا يؤمنه الجلوس في المطاعم». مطاعم شارع طنجة قبلة الرجال على خلاف السيدات، يرفض الكثير من الرجال حمل علبة الطعام إلى العمل إلا العاملون بنظام المناوبة الذين تقتضي ظروف عملهم عدم الغفلة عن حراسة المكان، أو لأنهم يجدون ضالتهم في بعض الأماكن التي استطاعت أن تصنع همزة الوصل بين البيت والشارع على غرار شارع طنجة، «طونجي» أو «مونجي» كما يحلو للبعض تسميته بقلب العاصمة، الذي حرص أصحاب المطاعم الموزعة فيه على اليمين والشمال، مغازلة الأنوف، إذ تفوح رائحة الطعام الزكية ابتداء من الساعة الحادية عشر لتجلب محبي أكل البيت من الأماكن المجاورة وحتى البعيدة، إذ تقدم هذه المطاعم ما يحبه الفرد من أكل البيت على غرار الكسكسي، الدوّارة، الزليف، شوربة الفريك، العدس واللوبيا، التليتلي والسباقيتي والسردين معشوق الكثيرين، ولأن أسعار المأكولات هناك جد معقولة وتتراوح بين 100 و350دج للطبق، فإن البسيط والمتوسط يمكنه الاستمتاع بنكهة البيت، ويوضح محمد.ك، (صاحب محل بشارع طنجة) موضحا أن «العنصر الرجالي أكثر حضورا طيلة أيام الأسبوع وغالبا ما تطلب الآكلات الشعبية والمعروفة على غرار العدس، اللوبيا، الشطيطحة، البطاطس المقلية والسلطات المشكلة، التي تطلبها السيدات لأنها تشكل حمية بالنسبة لهن». وأشار السيد أرزقي الذي أمضى سنوات طويلة من عمره في تناول الغذاء أو العشاء بهذه المطاعم بحكم عمله بقلب العاصمة إلى أنه وجد فيها الملاذ في أوقات كثيرة لم يستطع فيها جلب طعامه من البيت، بسبب مرض الزوجة أو غيابها عن البيت، موضحا أنه يفضلها نظرا لوجود التنوع فيها إلى جانب حرية اقتناء صحن أو نصف صحن حسب الحاجة».